رسالة اليوم العالمي للمسرح 2016

يكتبها المخرج الروسي الكبير أناتولي فاسيليف
ترجتمها من الروسية إلى الإنكليزية: نتاليا إسايفا – روسيا
نقلها إلى العربية عن النسخة الإنجليزية د. حازم عزمي (مصر)

هل نحتاج حقا.. للمسرح؟

أو حقا نحتاج المسرح؟

سؤال لطالما سأله لأنفسهم الآلاف من ممارسي المسرح وقد اعتراهم الإحباط، في حين يطرح السؤال ذاته ملايين البشر العاديين وقد أدركهم الملل.

وفيم حاجتنا إليه؟

فيم حاجتنا إلى المسرح وفنونه في أوقات كهذه، بينما تتضاءل أهميته أمام ساحات الميادين وأراضي الدول، والتي بدورها صارت مسرحا تجري عليه تراجيديات حقة من صلب واقعنا المعاش؟

وما المسرح بالنسبة لنا؟

أتراه يعني في نظرنا تلك المقصورات والشرفات المذهبة، والمقاعد الوثيرة مخملية الملمس، وكواليس المسرح المتسخة، وأصوات الممثلين التي يعتورها الإرهاق؟ أم أنه، على العكس من ذلك كله، شئ جد مختلف: محض صناديق سوداء يعلوها الطين وتلطخها بقع الدماء، وبداخلها كومة من الأجساد المكشوفة الممسوسة بنزق الجنون.

عن أي شئ يحدثنا المسرح؟

أقول: كل شيء.
فبمقدور المسرح أن يخبرنا عن كافة الأشياء..
فهو الذي يقص علينا أخبار الآلهة في علاها السماوي، وأخبار المساجين الذين يذوون في بطء داخل كهوف منسية تحت الأرض، وهو الذي يخبرنا عن عاطفة تسمو بالبشر وترتقي، أو عشق يورد أصحابه مورد الندم والأذى، وقد يرينا عالما لا يجد الأخيار لهم فيه مكانا، أو يكشف واقعا يسود فيه الخداع ويبسط الزيف سلطانه. وقد يخبرنا عمن يحيون داخل بيوتهم في دعة وأمان، بينما الأطفال بوجوه ذابلة في مخيمات اللاجئين يغالبون جوعهم ويعانون شظف العيش، وهو الذي يؤكد أن الجميع عائدون لا محالة إلى الصحراء القاحلة، وأننا مع مجيء كل يوم مجبرون على مفارقة بعض من نحب… نعم! بمقدور المسرح أن يحدثنا عن كافة الأمور والأشياء.
والآن، فقد تنامت الحاجة إلى المسرح خلال الخمسين أو السبعين عاما الأخيرة على وجه الخصوص، فلو أنك نظرت إلى الفنون الجماهيرية في مجملها فستدرك على الفور أن المسرح – وحده – هو القادر على إحداث ذلك التواصل الحميمي المباشر: تلك الكلمة التي تمضي مباشرة من فم إلى فم آخر، أو نظرة من عين لعين أو إيماءة من يد ليد ومن جسد لجسد. فالمسرح لا يحتاج إلى وسيط كي يفعل مفعوله بين البشر، بل هو بمثابة الجانب الأكثر شفافية من الضوء: وهو في هذا لا ينتمي إلى الجنوب أو الشمال أو الشرق أو الغرب، فما هو إلا جوهر النور نفسه، يشع علينا من أركان العالم الأربعة فيتعرف عليه الجميع من فورهم سواء أكانوا ممن يحبون المسرح أم ممن يعادونه.
أقول إننا نحتاج المسرح القادر على أن يظل مختلفا، بل وأيضا نحتاج أنواعا مختلفة ومتنوعة من المسرح.
وعلى الرغم من هذا، يخيل لي أنه من بين جميع أشكال المسرح وأنواعه يظل احتياجنا للأنواع القديمة المهجورة الاحتياج الأكثر إلحاحا على الإطلاق. إذ لا أجد نفعا يرجى من وضع المسرح المرتكز على أشكال طقسية في تناقض زائف مع مسرح الأمم “المتحضرة”. فقد أصاب الوهن الثقافات الدنيوية وأخذت قدرتها على الفعل تضعف يوما بعد يوم، وحل ما يسمى بـ “المعلومات الثقافية” محل الأشكال البسيطة والأولية للوجود، مزيحا إياها عن مكانها فإذا بها اليوم وقد بدت أبعد منالا من أن نجدد صلتنا بها.
ولكني أرى الأمر الآن بجلاء تام: فها هو المسرح يفتح أبوابه على مصراعيها معلنا أن الدخول مجاني للجميع.
فلتذهب كل الأجهزة الإلكترونية والحواسيب إلى الجحيم! اذهبوا إلى المسرح.. واتخذوا أماكنكم في الصفوف الأمامية وفي الشرفات، وارهفوا السمع لكل كلمة تنطق على مسامعكم، وتـأملوا مليا كل مشهد حي يتجسد أمامكم! هاهو المسرح أمامكم فلا تتركوه نهبا للنسيان، ولا تتركوا فرصة تمضي دون أن تتشاركوا فيه… فلعلها تكون الفرصة الأثمن والأندر في خضم حيواتنا اللاهثة الخاوية من المعنى.

نحن في حاجة إلى المسرح بكل أنواعه وأشكاله..

نعم نحن في حاجة إلى المسرح بكل أنواعه وأشكاله..
نوع واحد فقط من المسرح لا يحتاجه إنسان، ألا وهو مسرح السياسة وألاعيبها، مسرح مصائد الفئران السياسية، مسرح محترفي السياسة ومشاغلهم العقيمة غير المجدية.
إن مسرح الإرهاب اليومي ليس مما نحتاجه بكل تأكيد. جماعيا كان هذا الإرهاب أم فرديا. لسنا بحاجة إلى مسرح الدماء والجثث الملقاة في الشوارع والميادين وفي العواصم والأقاليم. فيا له من مسرح مزيف قوامه الصراع الكاذب بين الأديان والعرقيات!

* الترجمة العربية الصادرة عن المركز المصري للمعهد الدولي للمسرح

Related posts

Top