ضمن فعاليات الدورة 28 من المعرض الدولي للنشر والكتاب  

نظرة على الفنون.. باحثون ونقاد يناقشون وضع الفرجة المسرحية في المغرب

 في لقاء بطعم فني ومسرحي ضمن فعاليات الدورة الـ 28 من المعرض الدولي للنشر والكتاب التي تحتضنها العاصمة الرباط إلى غاية الأحد المقبل، أجمع عدد من نساء ورجال المسرح المغربي على أن الفرجة المسرحية عرفت مراحل متعددة من التطور على مدى العقود الماضية.

وميز الكتاب والمبدعون المسرحيون في ندوة احتضنها معرض الكتاب، أول أمس الثلاثاء، حول “وضع الفرجة المسرحية في المغرب” ضمن فقرة “نظرة على الفنون” بين الفرجة والفرجة المسرحية على اعتبار أن التدقيق في المعاني يختلف من الاصطلاحات القديمة إلى الاصطلاحات الحديثة في المعاجم اللغوية.

وحسب عدد من المتدخلين في اللقاء، فإن الاختلاف في فعل الفرجة والفرجة المسرحية لا يقتصر فقط على الناحية الاصطلاحية بقدر ما يشمل كذلك الفعل بنفسه ودلالاته، حيث أن هناك فرقا بين الفرجة والفرجة المسرحية في الدلالات والفعل.

واعتبر المتدخلون أن الفرجة تبقى بشكل عام ذاك التعبير الفني والإنساني والثقافي والأنثربولوجي الذي يتجسد في الحياة اليومية وعلى خشبة المسرح عبر المزاوجة بين البعدين الرمزي والتواصلي، الرمزي الذي يشمل بين القدسي والدنيوي والخصوصي والعمومي والحقيقة والوهم. ثم التواصلي الذي يشمل إشراك الجمهور في صناعة الفرجة عوض تلقيها بطريقة سلبية.

وأجمع المتدخلون في ذات الندوة، التي سير أطوارها الكاتب والناقد المسرحي محمد بهجاجي، على أن الأشكال الفرجوية عرفت تطورا كبيرا على مدى قرون من الزمن، وعرفت تجديدا وتحديثا، منذ تداول هذا الفعل وقبل الوصول إلى الخاص وهو المرتبط بالفرجة المسرحية التي عرفت بشكل عام تناميا مضطردا لافتا من جيل إلى جيل، وبشكل خاص بالمغرب مع نشأة الظاهرة المسرحية، إذ قطعت الفرجة المسرحية في المغرب أشواطا من التحديث والتطور وعرفت تقلبات طبعتها مجموعة من المحطات التاريخية الهامة.

نوال بنبراهيم: المسرح المغربي واكب تطور المسرح العالمي وشهد تقدما ملحوظا

في هذا السياق، قالت الأستاذة والباحثة نوال بنبراهيم إن المسرح بدأ بالمغرب منذ 1924 إلى اليوم وهو ليس بالتاريخ الطويل كما هو الحال بالنسبة للمسرح الإغريقي الذي يعود لقرون من الزمن.

وأبرزت بنبراهيم، التي قدمت عرضا مفصلا حول تطور التجارب المسرحية، إن المسرح المغربي واكب تطور المسرح العالمي وتأثر به وشهد نموا ملحوظا، لعوامل تهم تفاعله مع باقي الفنون المجاورة، مشيرة إلى تجارب مسرحية تشمل: المسرح السردي والمونولوجي ومسرح التوثيق والمسرح الوسائطي ومسرح المنتدى.

وحول وجود عروض جيدة ورديئة قالت بنبراهيم إن المسرح المغربي يحتاج إلى الكم، وإلى جميع العروض فيما سيتكفل التاريخ بالحكم على الكيف، مؤكدة على أن هناك حاجة لمزيد من العمل ومراكمة العروض المسرحية في إطار مسار التطوير.

وشددت بنبراهيم على أن هناك من العروض المسرحية المعاصرة عروضا متميزة قامت بإعطاء إضافة ودفعة كبيرة للمسرح المغربي سواء من حيث النص أو الإخراج، وحاولت أن تقدم شيئا جديدا للفرجة المسرحية المغربية.

وترفض الأستاذة والباحثة في الشؤون المسرحية مسألة القول بأن المسرح المغربي يحاكي الغرب أو يقلده، لكون أن الوقت الحالي لم يعد وقت الهوية الواحدة “بل نحن في عصر تفاعل الهويات وتناسج الثقافات وتناسج الفنون”، وفق تعبيرها.

 وفي ما يتعلق بمسألة الاستفادة من الأشكال الشعبية، دعت بنبراهيم إلى ضرورة الاشتغال على أدواتها ثم جعلها معاصرة وتقديمها للمتلقي، مشيرة إلى أنه لا يمكن الاستمرار في تقديمها، أي الاشكال الشعبية، بالطريقة القديمة والتي، بحسبها، ربما لن تلقى استجابة من قبل المتلقي العادي الذي اعتاد على الوسائط الحديثة والجديدة.

وكما هو الحال بالنسبة لمجموعة من العروض التي نهلت من الأشكال الشعبية وطورتها، أوضحت المتحدثة أن مخرجين ومبدعين مسرحين نجحوا من خلال قالب معاصر في تقديم عروض غنية أضفت الشيء الكثير للمسرح من خلال حبكة جديدة تجعل المتلقي بمختلف أجياله يتفاعل مع هذه الفرجة.

وبالنسبة لإدماج الوسائط، أشارت بنبراهيم أن هذه الوسائط الجديدة تضيف حياة أخرى عبر القفز من مكان إلى آخر ومن زمن إلى آخر، مشيرة إلى ضرورة التأقلم مع الوسائط الجديدة طالما أنها تمكن المبدع من تحقيق أحلامه وخياله.

أحمد بلخيري: يجب التمييز بين الفرجة التي تفتح المجال للخيال والتي تنهل من الواقع

من جهته، شدد الباحث المسرحي والناقد أحمد بلخيري، على ضرورة التمييز بين الفرجة التي تفتح المجال للخيال والتي تنهل من الواقع في تقديم القضايا في طابق فني.

وأشار بلخيري إلى قيامه بتحليل عدد من العروض المسرحية والاشتغال على مقاربات نقدية مغربية، وعلى كتب همت المجال المسرحي وخصوصا كتب الراحل حسن المنيعي التي تطرقت لفعل الفرجة ودققت فيه.

ويرى بلخيري أن المسرح المغربي طور الفرجة من خلال عدد من المحطات، مشيرا إلى مجموعة من الدراسات التي تمت من قبل الكثير من الباحثين في المجال وعدد من الكتب أبرزت الفروق بين تعريف الفرجة والفرجة المسرحية وعلاقة هذه الفرجة بالأشكال الشعبية وكيف وصلت إلى المسرح.

وحول مسارات المسرح المغربي، يقول بلخيري إن المسرح المغربي قطع أشواطا من التطور وبصمت في مساره عدد من المراحل الفاصلة بدءا بالمسرح التقليدي ومسرح الهواة، وصولا إلى العروض المعاصرة التي تنهل من الموروث الشعبي بالتقنيات الحديثة.

وحول تقليد ونهل المسرح المغربي من الغرب أو المسرح المشرقي، يشير المتحدث إلى أن المسرحيين المغاربة قطعوا مع الشرق والغرب في صناعة الفرجة وأن ثمة عددا من المهتمين بالمسرح الذين وضعوا قطيعة تامة مع المسرح الغربي، ورفضوا الخشبة الإيطالية.

ويضيف بلخيري أن هذا الرفض جاء عبر الالتحام مع الثقافات الأخرى وعبر النهل من الفرجة الشعبية، الأمر الذي جعل المسرح المغربي يكون فرجة خاصة به، بحيث أصبحت هناك مسرحيات تعرض في الساحات والأسواق العمومية.

وسجل الباحث المسرحي أن هذا الرفض لم يأت هكذا بدون مبررات، إلا أن الرفض جاء عبر عروض مسرحية ودراسات وتنظيرات فاقت بكثير المسرح الشرقي، مشيرا إلى أن المسرح المغربي يتميز باجتهادات واقتراحات وكذا تنظيرات ودراسات ميزت المسرح المغربي والفرجة المسرحية المغربية عن باقي رالفرجات ىالعربية الأخرى.

محمد فراح: الفرجة المسرحية المغربية قطعت مع المسرح الغربي والمسرح الشرقي وانفتحت على تفعيل التأصيل والتجريب

بدوره، قال الباحث والكاتب المسرحي محمد فراح إن من السمات المميزة للثقافة الشعبية المغربية بحكم تنوع وتعدد عناصرها ومكوناتها هي أنها تحتضن مجموعة من الأشكال التراثية التي تحمل ملامح فروجوية تمسرحية لها أبعاد أنتروبولوجية وأسطورية ودينية.

وأضاف فراح أن هذه الأبعاد تحيل من خلال علاماتها ورموزها ودلالاتها على مجموعة من العادات والتقاليد والحكايات والطقوس وغيرها من الممارسات الاجتماعية والدينية والميتولوجية التي يتداخل فيها الواقعي مع الخيالي.

وحول دراسة الفرجة المسرحية المغربية، يرى فراح أنها تتجلى في البحث والتنقيب في تراكمات الذاكرة المغربية العميقة، باعتبارها وسيلة للتعبير والتواصل بين الأفراد والجماعات، مسجلا أهمية التأسيس لفرجة تنهل من فنون الحلقة وكناوة وعبيدات الرمى وغيرها من الفنون التراثية.

وقال فراح إن الفرجة المسرحية نجحت إلى حد كبير في بعث الأشكال الاحتفالية التقليدية التي ارتقت بفضل جهود مسرحيين مغاربة، كالطيب الصديقي، إلى مستوى الفرجة المسرحية الحداثية من خلال إحياء شخوص تراثية وفرجوية، والنبش في الذاكرة التراثية وإعادة تركيب عناصر الفرجات في سياقات جمالية.

وأشار فراح إلى أن هذا التوجه هو ما مكن عددا من المسرحيين المغاربة من ضمنهم الطيب الصديقي، محمد مسكين، محمد الكغاط، عبد الكريم برشيد، المسكيني الصغير وغيرهم من إحداث قطيعتين، تتمثل الأولى في إحداث قطيعة مع المسرح الغربي وقاعاته الإيطالية، فيما تتمثل الثانية في القطيعة مع المسرح العربي المشرقي الذي كان يبحث عن الدوام على قالب مسرحي يميزه عن الشكل المسرحي الغربي.

وبموجب هذه القطيعة، يورد الناقد المسرحي محمد فراح أن الفرجة المسرحية المغربية انفتحت على تفعيل التأصيل والتجريب المحققين للهوية العربية والخصوصية الثقافية المغربية، إذ قام المسرحيون المغاربة وخصوصا الهواة في النبش في الذاكرة التراثية وإعادة تركيب عناصر الفرجات الشعبية المغربية داخل منظومة فكرية وفنية وجمالية جديدة مكنتهم من تحقيق تواصل جماهيري بين أعمالهم المسرحية والجمهور المتلقي.

محمد أبو العلا: مسرح ما بعد الدراما بالمغرب أبرز الحاجة إلى البحث عن الآخر وليس نفيه

من جهته، يرى الباحث والمسرحي محمد أبو العلا أن هناك عددا من الدراسات المسرحية التي طرحت تصورات وقراءات لوضعيات الفرجة في المغرب.

وكتأطير أولي لوضعيات الفرجة، ينطلق أبو العلا من عدد من العروض المسرحية منها “دموع بالكحل” لأسماء هوري، “شجر مر” لعبد المجيد الهوس، “شابكة” لأمين ناسور وكتاب ابراهيم هنائي “البحر يتجشأ الأحدية”، وهي العروض التي يقول المتحدث إنها لامست مواضيع متقاربة تجمع فيما بينها على الفرجة كمفهوم مسرحي يعالج عددا من القضايا.

ويتابع أبو العلا أن من خلال هذه الدراسات المسرحية، نجد مسرحية “شابكة” التي تتقاسم الحكي اليومي ضدا على نشر التفاهة، ثم مسرحية “دموع بالكحل” التي تقارب العقلية الذكورية وتبرز الحصار المزدوج للأنثى بتواطؤ من الأنثى نفسها في سياق نصرة السلطة الذكورية.

كما يعرج أبو العلا على العرض المسرحي “شجرر مر” وهي المسرحية التي تقدم فرجة تسير بالمتلقي نحو مراحل معينة من التاريخ المغربي، بحيث يميط هذا العرض المسرحي اللثام عن أحداث سنوات الرصاص، إذ اعتبر المتحدث هذا العرض المسرحي بمثابة مرافعة ضد سنوات الرصاص.

وما يجمع هذه السرود، يقول أبو العلا، هو أنها لا تتضمن ذلك التشابه أو ذلك الإسقاط الذي يبحث عن نسخ الآخر ومحاكاة الآخر، بل يتميز بنوع من الخصوصية، مشيرا إلى أن السر في المسرح الغربي هو الحاجة إلى نفي الآخر من الحساب، في حين أن هذه العروض المغربية أكدت الحاجة للآخر.

ووصف هذا التغير في العروض المسرحية وبنائها على الحاجة إلى الآخر إبدال مسرحي حقيقي في مسرح ما بعد الدراما بالمغرب، ويبين على عكس المسرح الغربي أن هناك حاجة للآخر وليس نفيه.

محمد توفيق أمزيان

Top