مراكش بهجة عواصم العالم الإسلامي

احتضن مسرح “ميدان” بمدينة مراكش حفلا بهيا وبهيجا بمناسبة الانطلاق الرسمي لاحتفالية (مراكش عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي لعام 2024)، نظمته وزارة الشباب والثقافة والتواصل بالتنسيق والتعاون مع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) مساء يوم الجمعة 26 يناير 2024، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. وترأس الحفل السيد محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، والدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام للإيسيسكو، وحضره عدد من كبار الشخصيات السياسية والديبلوماسية والعلمية والثقافية، في مقدمتهم رئيس مجلس المستشارين المغربي، وسفير المملكة العربية السعودية لدى المملكة المغربية، ووالي جهة مراكش أسفي عامل عمالة مراكش، والنائب الأول لعمدة مراكش، وعدد من أعلام الفكر والثقافة والفنون، وممثلو وسائل الإعلام المحلية والوطنية والدولية وجمهور غفير من عشاق التظاهرات الفنية والثقافية. وشهد حفل الافتتاح تقديم عروض فنية وموسيقية عصرية بديعة إلى جانب عرض لوحات فنية من التراث الفني المغربي الأصيل.

كلمة راقية في مراكش الأمجاد
تميز الحفل بكلمة راقية في مضامينها وشاعرية في أسلوبها، ألقاها الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام للإيسيسكو، حيث قال في مطلعها: “اليوم تحتفل المدائن الكواكب بالمدينة القمر، مدينة العشق والسحر والرونق والإلهام والأحلام السهارى والتواشيح العذارى والتفاصيل الرطاب العجاب”.. وبعد أن أكد أن مراكش مدينة حق لها أن تكون عاصمة للثقافة بامتياز وصفها قائلا “هي مدينة الفنا كما هي مدينة الحياة، هي مدينة الروح كما هي مدينة الحس، هي مدينة السفح كما هي مدينة الجبل، هي مدينة الصرامة المنتجة كما هي مدينة الضحكة المجلجلة”. واستطرد في سرد المعالم الأثرية الفريدة لمدينة مراكش وخصوصياتها الثقافية والحضارية عبر التاريخ المغربي والإسلامي منذ المرابطين والموحدين، مرورا بالسعديين ووصولا إلى العلويين. ووصف الدكتور سالم المالك مراكش بأنها متصالحة مع ذاتها ومع الآخرين قائلا “وذاك شرط المثاقفة الأول، يد تصافح الجنوب الإفريقي وعين تجوس خلال الشمال الأوروبي”.. ولم يغفل في كلمته الإشارة إلى سبعة رجال مراكش فقال عنهم “أحاطوا بمجتلاها إحاطة السوار بالمعصم والقلادة بالجيد، وسموها بميسم التقوى والتواضع والكرم والتفاني ودلائل الخيرات”..
واختتم الدكتور سالم المالك كلمته الراقية بإلقاء قصيدة شعرية ماتعة بعنوان “مراكش الأمجاد” تغنى فيها بمحاسن مدينة مراكش وجمالها وتفرد طقسها وطيبوبة سكانها، وغنى تراثها وتنوع فنونها، وعراقة تاريخها، وتميز موقعها. ومما جاء في هذه القصيدة:
هذي مراكش نبع الحسن زاهية
فالحسن منها تجلى في مراقيها
جميلة في سطوع الشمس مشرقة
حمراء اللون تجلوه ويجليها
أنوفة هي بين الكل شامخة
كأطلس العز يسقيها فيرويها
أبوابها العشرة السمراء باقية
تدني الكتائب في صمت وتؤويها
وسبعة من رجال الخير تحضنهم
كانوا حماة لها من شر عاديها
مراكش الخير هيا غردي فرحا
فأنت عاصمة والمجد يعليها..

عواصم الثقافة في العالم الإسلامي، برنامج رائد للإيسيسكو
لقد تم الاحتفال بمدينة مراكش عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لعام 2024، بناء على قرار المؤتمر الإسلامي التاسع لوزراء الثقافة المنعقد في مسقط بسلطنة عمان في نوفمبر 2015 الذي اعتمد قائمة عواصم الثقافة في العالم الإسلامي للأعوام 2005 – 2025. وتجدر الإشارة إلى أنه تم الاحتفاء بمكة المكرمة عام 2005 كأول عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي. وبالنسبة للمغرب تم الاحتفاء بمدينة فاس عام 2007 وبمدينة الرباط عام 2022.
ويعد برنامج الاحتفاء بعواصم الثقافة في العالم الإسلامي من البرامج الكبرى والمبادرات الناجحة للإيسيسكو، والذي تسعى من خلاله إلى التعريف بالمخزون الثقافي الإسلامي لعدد من عواصم الدول الأعضاء، وإبراز تنوع وغنى وجمالية مكونات تراثه المادي وغير المادي، وإسهامات علمائه وفنانيه ومبدعيه، رجالاً ونساءً، في مختلف مجالات المعرفة والبناء الحضاري للأمة وللإنسانية جمعاء. كما تهدف من ورائه إلى تنشيط الحركة الثقافية في العواصم المحتفى بها، وتفعيل الدور المحوري للعمل الثقافي في تدبير الشأن العام لهذه المدن. ويهدف هذا البرنامج التعريف بالحواضر الإسلامية ذات العراقة التاريخية والتميز الثقافي، وتسليط الضوء على تراثها الفكري والثقافي والإبداعي، وإبراز التنوع الثقافي للشعوب الإسلامية.
وتحدد الوثيقة المرجعية لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة حول برنامج العواصم الثقافية في العالم الإسلامي معايير دقيقة لاختيار العاصمة الثقافية في العالم الإسلامي، وذلك حرصا على توافر شروط محددة تجعلها جديرة بهذه الصفة. وقد عملت الإيسيسكو على إعداد مشروع لهذه المعايير وعممته على الدول الأعضاء ليكون اختيار العاصمة الثقافية قائما على شروط موضوعية تضمن جدوى الاختيار وتحقق الهدف الأساس من المشروع وهو الاحتفال بالمدن الثقافية التي لها تاريخ ثقافي بارز وآثار مادية وفكرية تستحق التنويه والتعريف. ومن هذه المعايير أن تكون المدينة المرشحة ذات عراقة تاريخية مدونة وصيت عالمي واسع، وأن تكون لها مساهمة متميزة في مجالات الثقافة بصفة عامة، والثقافة الإسلامية بصفة خاصة، وأن تتوفر على مراكز للبحث العلمي ومكتبة ومخطوطات، وان تتوفر على مؤسسات ثقافية فاعلة في مجال تنشيط الحياة الثقافية والجماعات. وهي من دون شك معايير متوفرة جميعها في مدينة مراكش بهجة عواصم العالم الإسلامي.

كتب: المحجوب بنسعيد
عضو الشبكة الدولية للصحافيين العرب والأفارقة

Top