منطق الحكومة بين الخصوبة والجفاف

أخيرا استوعب القائمون على رأس القطاع الفلاحي لما يزيد عن عقد من الزمن، درسا مهما طالما حاولوا التغاضي عن حقيقته، وربما كان من بين أسباب إزاحة من نطق حقا، ووضع الأصبع على مكامن الخلل، بدل المحاولات البائسة لإبعاد الكارثة -التي كانت محتملة جدا وهي اليوم قائمة- عن أبرز أسبابها الحقيقية.

إن حال حكومتنا اليوم، شبيه بذلك التلميذ أو الطالب الذي لم يهتم بدروسه حين كان لزاما عليه، قبل أن يشعر بالندم وخيبة أمل لتهاونه، مقررا مراجعة ما فاته، ولو على سبيل التثقيف والتعلم، حيث لا هدف يرجى من دراسة متأخرة جدا غير ذلك (الرغبة في التثقيف والتعلم).

لذلك لا يسعنا اليوم، إلا التصفيق بحرارة، على قرار حكومتنا، الذي هم تقنين بعض الزراعات التي تستنزف الفرشة المائية، من قبيل البطيخ والأفوكادو، إلا أن هذا التنويه لا يعدو أن يكون مجرد ردة فعل مشابهة لذاك الذي حصد الشواهد وهو كهلا.

فعلا، لا تستحق حكومتنا التي ظل رئيسها على رأس القطاع الفلاحي، منذ سنة 2007، إلا عبارات  الإطراء على الأقل لاعترافها بحقيقة وواقع النهج الذي تسير عليه في تدبير المجال الفلاحي، من قبيل هذا القرار، الذي اتخذته الجمعة الماضية، وكان واجبا ولزاما اتخاذه إلى جانب تدابير أخرى قبل اليوم بسنوات طويلة قبل  فوات الأوان، بدل إبعاد وإزاحة من يدعو له ويطالب به.

لقد تم ضخ ملايير الدراهم للقطاع الفلاحي، على مدى سنوات طويلة، في إطار مخططات بألوان مختلفة، لم يفلح أي منها في جعل المملكة مستعدة لاجتياز أبسط امتحان وضعتها الطبيعة أمامه (موسم جفاف كالذي نعيشه).

تناسلت البلاغات والبيانات الصحفية، وتوالت الخرجات الإعلامية، خلال الموسم الفلاحي الماضي، وقامت الدنيا ولم تقعد، للتنويه والافتخار بما شهده الموسم من مروعة وخضرة وخصوبة، على أساس أنه “نتيجة لعمل مضني” للقائمين على القطاع، إلا أن الطبيعة كشفت زيف الشعارات والأرقام، ليتأكد بالملموس أن الفلاحة المغربية لا تعتمد إلا على هبات الطبيعة، إن كان العام ممطرا يكون المحصول وافرا وجيدا والعكس الصحيح.

لذا أضحى ارتباط الفلاحة المغربية بأحوال الطبيعة وأساسا التساقطات المطرية، حقيقة لا غبار عليها، كما هو حال فشل جميع المخططات الحكومية في تدبير المجال الفلاحي، التي دائما ما غاب عنها التفكير في المستقبل، وكانت الأنانية والمصلحة محوريها.

فبعد أشهُر فقط فصلت عن جني محصول زراعي كان وافرا جدا، وفاق كل الانتظارات والحاجيات، دخلت البلاد في أزمة غلاء أسعار العلف بشكل أرهق الفلاحين الكبار قبل الصغار، مما دفع العديد منهم إلى بيع قطعانهم بأبخس الأثمان، ومنهم من تخلى عنها وسط الأسواق بدون مقابل، مما يطرح سؤال تدبير المحاصيل الزراعية الجيدة خلال مواسم الخصوبة، وأيضا نتائج مليارات الدراهم التي صرفت على القطاع، والتي كان من المفروض أن تظهر نتائجها خلال هذا الموسم الاستثنائي الجاف.

لا غرو كما تمت الإشارة إليه آنفا، أن الإنتاج الفلاحي بالمغرب يرتبط أساسا بالتساقطات المطرية -رغم محاولات الحكومة ربط السنة الجيدة بما تقوم به وتعتبره مجهودا، في الوقت الذي تختار الصمت حين تكون السنة جافة وتعزو ذلك للخالق، كأن “الخصوبة للحكومة والجفاف للخالق”-، إلا أن تدبير الإنتاج الجيد والاستعداد للسنوات العجاف والحفاظ على الموارد الطبيعية، يبقى على عاتق الحكومة بدرجة أولى.

إن استفاقة الحكومة -المتأخرة-، واستيعابها خطورة بعض الزراعات على مستقبل الفلاحة بشكل عام والمياه الجوفية بشكل خاص، ينبغي أن يرافقه التفكير بجدية ومسؤولية، في كل مكامن الخلل التي طالما تغاضت عنها أنانية البعض، من قبيل ضرورة إنشاء مخزون استراتيجي تحت إشراف وتدبير هيئة مختصة مسؤولة عن عمليات التخطيط والرقابة لإدارة وتكوين هذا المخزون، ثم التنسيق بين الجهات ذات العلاقة بالإنتاج أو الاستيراد أو الاستثمار، حتى يتم استغلال المواسم الفلاحية الوفيرة، واستثمار لحظات انخفاض أسعار الاستيراد بشكل جيد، قصد تغطية أزمات السنوات العجاف، أو فترات غلاء أسعار استيراد الحبوب.

كما أضحى لزاما على الحكومة، ترشيد أنواع الزراعات وفق الحاجيات الأولوية للمملكة، ومدى ملاءمة الزراعات الجديدة للظروف المناخية والبيئية، وأيضا مدى استنزافها  للمياه الجوفية -تشجيع الزراعات غير المستهلكة للمياه-، حتى لا نفقد ثروة بلادنا من المياه الجوفية.

ونؤكد أيضا أنه على القائمين على القطاع الفلاحي، التفكير في سبل تحول دون بقاء آلاف الهكتارات من الأراضي الفلاحية الجيدة راكدة، واستغلالها في الزراعات الأساسية، فضلا عن سن قوانين تقطع أو على الأقل تقنن اكتساح الاسمنت الأراضي الصالحة للزراعية. 

عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top