يوميات الدورة التاسعة عشرة للمهرجان الوطني للفيلم بنطجة

دوار البوم
شكل موضوع الأسر المحور الرئيسي لفيلم دوار البوم، نحن إزاء منطقة عسكرية وهناك معتقلون سياسيون في أبشع الظروف، وبالموازاة مع ذلك هناك عرض للحياة اليومية للسكان المقيمين في هذه المنطقة، وكذلك للجنود.
الفضاء العام يحيل على قسوة الحياة، بالنظر إلى كونه منطقة نائية، تفتقر إلى أبسط ضروريات العيش، وبالتالي تسود هناك مظاهر عبثية.
إن صورة ذلك المتشرد المجنون الذي لعب دوره حميد نجاح، تترجم لنا مجمل هذه الحالات، سواء ما تعلق منها بظروف العيش داخل الأسر أو خارجه، لم تكن هذه الشخصية إذن مجرد أكسسوار أراد المخرج أن يؤثث به فضاء شريطه السينمائي.
وبالرغم من أن وقائع الشريط تدور في حيز مكاني ضيق، وهو السكن العسكري، فقد عمد المخرج إلى ترجمة حياة وهموم مختلف أفراد هذا المجتمع المصغر، وسعى أيضا إلى التغلغل في بواطنهم، ليبرز لنا حقيقة مفادها أنه بالرغم من قسوة الحياة، فكل واحد من هؤلاء الأفراد له رغبة في العيش، وله أسلوبه الخاص في تحقيق هذه الرغبة العصية.
هناك الفقيه المتعدد المهام، ويمكن اعتباره ركيزة هذه القرية بالنظر للمهام التي يضطلع بها، وهي مهام لها بعد اجتماعي ونفسي كذلك، هناك المجنون المتشرد الذي يعطف عليه الناس، وينظرون إليه باعتباره وليا من أولياء الله يتبركون به، إنه بمثابة المدخل الذي يلج من خلاله الوافدون لهذه المنطقة، وفي ذلك دلالة خاصة، باعتبار أن ظروفه المعيشية هي بمثابة مرآة لما يروج داخل السكن العسكري وداخل الأسر أيضا. هناك الحياة العاطفية، والمشاكل الاجتماعية الناتجة عن الافتقار إلى ضروريات العيش، ومن عبث الأقدار أن الفضاء الوحيد في هذه المنطقة الذي يعرف نشاطا طبيعيا هو الحانة.
هناك حضور كذلك للكلب الذي يمكن اعتباره من بين الشخوص الأساسيين -إذا جاز التعبير- حيث له رمزيته، ومن أجل إظهار الوضع الاعتباري لهذا الكائن لدى القائد العسكري، أن الغدر به وقتله سيشكل لحظة فارقة في الشريط.
كل ذلك أضفى على هذا العمل السينمائي بعدا فرجويا ودلاليا كذلك.
وبالتالي أمكن لنا رؤية لقطات ذات بعد تعبيري خاص، من من ذلك على سبيل المثال، اقتناص لحظة فرح نادرة للشابين المتحابين، بواسطة وسائل بسيطة جدا، لقد رأينا كيف جرى تحويل خشبة ينقل فوقها عادة المرضى أو حتى الموتى، إلى عربة للتزحلق من أجل الخروج نحو فضاء أرحب وباعث على الفرح، في هذا المشهد نحن إزاء وضع ازدواجي متناقض تماما.
على ذكر الموت، يمكن اعتبار هذه التيمة أساسية في الشريط، بل يمكن اعتباره مسكونا بهذه الحالة بالذات، هناك الأسرى الذين يفارقون الحياة داخل السجن، حيث يتم انتظار وصول مفتاح خاص عن طريق طائرة الهيليكيوبتير، لأجل إخراجه من زنزانته أو قبره على حد تعبير أحد أبطال الشريط.
لقد تمت تسمية هذه القرية المعزولة بدوار البوم، وهو بلا شك اسم مختلق من أجل الإحالة على الخراب، بالنظر إلى أن طائر البوم هو رمز للخراب.
وتبقى اللحظة التي ستشكل نقطة التحول في الشريط، هي عملية تهريب السجل الذي يحتوي على أسماء المعتقلين، لقد كان لك بمثابة تهريب هؤلاء الأسرى أنفسهم، ولن يتم ذلك إلا بعد تضحيات كثيرة.
هناك اشتغال ملحوظ وبكيفية ذكية على الفضاء المحدود الذي تدور فيه كافة وقائع الشريط، حيث استطاع المخرج أن يجعلنا نشعر بأننا داخل ذلك الفضاء نفسه وبأننا من سكانه لنا معاناة مشتركة.

دموع الرمال
يشكل موضوع أسرى البوليساريو، محور الشريط السينمائي الطويل “دموع الرمال” لمخرجه عزيز السالمي.
معظم الأفلام التي تطرقت لهذا الموضوع كانت ذات طابع وثائقي، غير أن مخرج الشريط، يصر على أنه فيلم روائي، وبالتالي فإن ما كان يهمه من إخراجه ليس التأريخ لمرحلة معينة أو التوثيق لها، بقدر ما أنه ينبغي النظر إليه باعتباره عملا فنيا.
أحداث الشريط استوحاها المخرج من كتاب ألفه أحد الأسرى السابقين بمعتقلات تندوف، وهو عبد الله اليماني، وكان قد ألف هذا الكتيب وهو في السجن وتم تهريبه وطبع كذلك وكان لا يزالا معتقلا، وحين اطلع عليه المخرج، قرر أن ينقل تفاصيله إلى الشاشة، وذلك بعد أن عمق معرفته بمؤلفه وأبى إلا أن يشركه في العمل السينمائي “دموع الرمال”.
أكد عزيز السالمي على أنه أخرج شريطه هذا انطلاقا من قناعات ترتكز بالأساس على ما هو فني وإبداعي، بمعنى أنه لم يكن يهدف إلى تقديم وثيقة تاريخية، وإن كان مؤسسا انطلاقا مما رواه السجين وكذلك مما اطلع عليه من مؤلفات تمحورت حول القضية ذاتها، علما بأن هذه المؤلفات محدودة، بمعنى أنه لم يتم بعد استنفاد الموضوع وأنه لا تزال هناك تفاصيل، ينبغي الإحاطة بها.
ركز المخرج على البعد الإنساني أكثر من أي شيء آخر، متجاوزا بذلك الإشكاليات المتعلقة بما هو تاريخي توثيقي.
وفي اعتباره أن قراءة تجارب الماضي من خلال شريطه هذا، ستظل ضرورية وإن كانت تشكل إزعاجا لدى المتلقي، خصوصا بالنسبة لمن يحمل قناعة بضرورة طي صفحة الماضي. فكل سجين من سجناء معتقلات تندوف، يستحق إخراج شريط حوله.
ومن الملاحظات السلبية التي يمكن تسجيلها حول هذا الشريط، أنه لم يتم الاشتغال على اللباس بشكل يتلاءم مع واقع الحكاية المسرودة، كمثال على ذلك المليشيات التي تتحكم في مصير السجناء، قدمهم الشريط بكونهم يرتدون الزي الذي يرمز إلى الهوية المغربية الصحراوية، وبالأخص ما يسمى بالدراعة، في حين أن الواقع ليس كلك، وهو ما قد يشكل إساءة إلى صورة الإنسان المغربي الصحراوي. كما أن اللهجة افتقرت إلى المطابقة مع الواقع، وإن كانت قد قدمت على أنها صحراوية.
على خلاف العديد من الأفلام التي تقدم الضحية باعتباره يسعى إلى الانتقام من جلاده، فإن شريط “دموع الرمال” أضفى على هه العلاقة نوعا من التسامح، ليس من منطلق ضعف، ولكن بالنظر إلى هول المأساة التي قاساها الأسير وعدد السنوات التي قضاها في السجن، صار يبدو له الانتقام شيئا تافها وللك لم يعد يشغل اهتمامه به حتى حينما لاقته الظروف بمن كان مسؤولا على التنكيل به.
وبالرغم من حرص المخرج على التأكيد أن شريطه دموع الرمال، هو عمل إبداعي قبل أي شيء آخر، فإنه يظل وثيقة ذات بعد سياسي، تجعل المتلقي سواء من الجيل الحالي أو الأجيال القادمة على اطلاع على تفاصيل مجهولة بالنسبة إليه.

برنامج يومه الأربعاء

العاشرة صباحا :

مناقشة أفلام الأمس
الثالثة بعد الزوال:

 الفيلم القصير غربان لمعدان الغزواني
الفيلم الطويل صمت الزنازين لمحمد نبيل
السادسة مساء
صمت الأب لمونية الكومي
الفيلم الطويل ولولة الروح لعبد الإله الجوهري
التاسعة والنصف ليلا
الفيلم القصير آخر صورة لفيصل الحليمي
الفيلم الطويل الحنش لإدريس المريني

***

الممثل محمد الشوبي: آن الأوان لكي تكون لدينا صناعة سينمائية

> تحتفل بلادنا بالذكرى الستين للسينما المغربية، ماذا يعني لك ذلك؟
< إنه عمر بلوغ سن التقاعد، ستون عاما من التجارب السينمائية معناه أنه حان الوقت لكي تكون لدينا صناعة سينمائية، لقد تأخرنا كثيرا لبلوغ هذا الهدف، مع أن له مردودية على عدة واجهات.
> ما هي طبيعة مشاركتك في هذه الدورة؟
< أشارك في شريطين سينمائيين مدرجين ضمن المسابقة الرسمية، يتعلق الأمر بفيلم “دموع الرمال” لعزيز السالمي، و”وليلي” لفوزي بنسعيدي، وهي مشاركة قوية جعلتني أحس بأنني اشتغلت مع أناس يحترمون الفن السينمائي ويعملون بروح احترافية، وأنا بشوق لمعرفة طبيعة تلقي الجمهور لهذين العملين السينمائيين وسأتقبل كافة ملاحظاتهم بصدر رحب.
> السينما تواجهها تحديات في ظل هيمنة وسائط الاتصال الرقمية، كيف تنظر إلى هذا الوضع؟
< هذا المشكل غير مطروح في الدول المتقدمة، مثل أمريكا وأوربا وغيرها، رغم أن السينما لديهم يتم قرصنتها عبر العالم بكامله، السر في ذلك يرجع إلى كونهم لديهم صناعة سينمائية بكل مقوماتها، لو كانت لدينا نحن كذلك صناعة سينمائية حقيقية، من قبيل مدينة إعلام يتم فيها تصوير الفيلم بكامله، وقاعات سينمائية في كل المدن المغربية، سيساهم ذلك في النهوض بهذا القطاع، هذا ما يتفوق فيه علينا الآخرون، ففي أمريكا مثلا اثنان وخمسان ولاية، وفي كل ولاية عدة مدن، وفي كل مدينة عدة قاعات للعرض تبارك الله، ورغم القرصنة، فإن الصناعة السينمائية هي ما يحافظ على استمرارية هذا القطاع.

> مبعوث بيان اليوم إلى طنجة: عبد العالي بركات

Related posts

Top