في الوقت الذي تواصل فيه إيطاليا إحصاء أعداد متزايدة من الوفيات والمصابين جراء تفشي فايروس كورونا، تدرك أن تفشي الوباء سوف يخلف آثارا عميقة على البلاد.
وقالت الشرطة إنه حتى عصابات المافيا المخيفة في إيطاليا، بداية من ندرانجيتا أكبر عصابة لتهريب الكوكايين في العالم، تعاني، لكن الخبراء يحذرون من التقليل من شأن قدرة هذه التشكيلات العصابية على استعادة عافيتها واستئناف نشاطها.
وقال الجنرال جيوزيبي جوفرنال رئيس شرطة مكافحة المافيا الإيطالية “إنهم يتقبلون أنهم سوف يخسرون قليلا من أنشطتهم جراء تفشي فايروس كورونا، وينتظرون أوقاتا أفضل”.
وفي الوقت الذي يجبر فيه إغلاق عام غير مسبوق جميع الإيطاليين على ملازمة منازلهم مع بعض الاستثناءات، يواجه أفراد العصابات صعوبة متزايدة في ممارسة أنشطتهم المعتادة.
وقال جوفرنال “هناك مثل قديم في صقلية ينطبق على الوضع الحالي يقول، انْحنِ أمام الريح حتى تمر العاصفة”.
في كالابريا معقل مافيا ندرانجيتا، ساعدت قيود تم فرضها بسبب تفشي الفايروس في الثالث عشر من الشهر الماضي في القبض على أحد أفرادها يدعى سيزار أنطونيو كوردي، كان هاربا منذ أغسطس.
ولاحظت الشرطة في بلدة بروزانو زفيريو الصغيرة رجلا يخالف قواعد البقاء بالمنزل. ومن خلال قيامه بتوصيل الطعام إلى عنصر المافيا الهارب استطاع رجال الشرطة الوصول مباشرة إلى مخبئه السري وإلقاء القبض عليه.
وأفادت وزارة الداخلية الإيطالية بانخفاض حاد في معدلات الجريمة في الأسابيع الثلاثة الأولى من الشهر الماضي، مع انخفاض بنسبة 64 في المئة على أساس سنوي في الجرائم التي تم الإبلاغ عنها.
وأضاف أنه من المحتمل أن تتجه العديد من الشركات المتعثرة للحصول على قروض بفائدة عالية للغاية من المافيا، الأمر الذي يؤدي عادة إلى عدم قدرتها على السداد، وبالتالي خسارة أنشطتها واستيلاء المافيا عليها.
وتابع “هذا هو التهديد الأكثر خطورة، فإذا لم تقدم الحكومة دعما حقيقيا للشركات، الآن وليس في غضون سنة أو سنتين، سوف يتجه المواطنون للحصول على القروض عالية الفائدة من المافيا”.
وأعرب جراتيري أيضا عن قلقه إزاء تراكم القضايا حاليا، نظرا لأنه تم تعليق جلسات الاستماع في المحاكمات الخاصة بالمافيا جراء تفشي فايروس كورونا.
وقال أستاذ علم الجريمة في جامعة أكسفورد فيديريكو فاريزي، “غالبا تجمع الجريمة المنظمة أموالا من تجارة المخدرات وتشغيل دور البغاء، ولكن وفي أوقات الأزمات ينفق الناس أموالا أقل على هذه الملذات”.
وشدد فاريزي على أن الفايروس يشكل تهديدا للعصابات نفسها، قائلا “لا يتعين أن نعتقد أن أفراد المافيا أناس خارقون، فهم ونحن نعيش في نفس العالم، وإذا كانت حياتنا معرضة للخطر، فإن حياتهم كذلك”.
ومع ذلك، أشار الخبير في شؤون المافيا والمؤلف روبرتو سافيانو الشهر الماضي إلى أن جماعات الجريمة المنظمة يمكن أن تستغل أي نوع من حالات الطوارئ لتحقيق أرباح.
وكتب سافيانو في مقال في صحيفة “لاربيبليكا” اليومية الإيطالية “على سبيل المثال، إذا حدثت ندرة في الطعام أو الأدوية أو البنزين في ظل إغلاق طويل الأجل، فمن الطرف الذي سيدير سوقا سوداء للاتجار في هذه المواد غير عصابات المافيا”.
في إيطاليا هناك تقارير حول دخول المجرمين في تجارة أقنعة الوجه ومواد التعقيم وغيرها من المواد والأدوات التي تستخدم في مكافحة الفايروسات والتي تعاني البلاد نقصا شديدا فيها.
في ضاحية أوستيا الساحلية في روما، تم القبض على أحد أفراد عصابة عائلة فاشياني المحلية وهو يبيع أقنعة الوجه في السوق السوداء، لكن لا يوجد دليل على تورط المافيا في هذه التجارة.
والشيء الذي يبحث عنه رؤساء المافيا على أرض الواقع هو فرص الاستثمار في مرحلة ما بعد الأزمة، عندما سوف تتم تعبئة كل الجهود صوب إعادة إطلاق الأنشطة الاقتصادية.
من المحتمل أن يتم ضخ الأموال لمساعدة الاقتصاد على التعافي مما يتوقع أن يكون ذلك فرصة للمافيات التي لها سجل في اختلاس الأموال العامة.
وقال جوفرنال “سيكون ذلك بمثابة فرصة ذهبية لهم لكننا على دراية بذلك وسوف نتخذ إجراءات مضادة للتصدي لما سوف يشكل من المؤكد تهديدا في الأشهر والسنوات المقبلة”.
وأشار إلى تجربة الشرطة في رصد ومنع تغلغل المافيا للحصول على عقود الأشغال العامة الخاصة بمشاريع إعادة الإعمار بعد الزلزال وجسر الطريق السريع الجديد في جنوة.
وقال نيكولا جراتيري، وهو محقق يقود جهود مكافحة عصابة ندرانجيتا ورئيس هيئة الادعاء في بلدة كاتانزارو، إن الركود ربما يصب في مصلحة عصابات الجريمة بطرق أخرى.