الكتابات المغربية المعاصرة التي تصب في أدب الرحلة، تعد نادرة جدا، مع أن الرحلات اليومية لأدبائنا ومثقفينا إلى مختلف بقاع العالم، تكاد لا تنقطع.
نعلم بأصداء رحلاتهم ولا نجد شيئا مكتوبا بخصوصها، بعضهم قد لا تعلم منه أنه قام برحلة ما فعلا، كأن الأمر يتعلق بجنحة عليه أن يتستر عنها، والبعض قد يكتفي بنشر صور فوتغرافية مرفوقة بتعليق مقتضب يشير إلى مكان وتاريخ التقاط تلك الصور، ومنهم من يزهد حتى في كتابة تعليق صغير.
لقد كان الرحالة القدامى يمتلكون قدرة هائلة على التعبير والحكي وتسجيل وتوثيق مشاهد من رحلاتهم التي عادة ما تكون محفوفة بالمخاطر، عن طريق الكتابة وليس عن طريق الصور الفوتغرافية والفيديوهات، لا بل منهم من ظلت صورته الشخصية مجهولة، بالنظر إلى أن آلة التصوير لم تكن قد اخترعت بعد، وبالتالي كانت الوسيلة الوحيدة التي تثبت أنهم قاموا برحلة ما، هي الكتابة والسرد.
كانت لهم ذاكرة قوية تسعفهم في أن يكونوا أمناء وهم يستعيدون أهم وأبرز اللحظات التي قضوها في هذه الرحلة أو تلك. ابن بطوطة على سبيل المثال كان قد ضاع منه الكراس الذي يسجل فيه الوقائع والأسماء، لكن ذلك لم يثبط من عزيمته وتمكن من استحضار كل ما شاهده، واتضح في ما بعد أن ذاكرته لم تخنه وأنه لم يختلق أي شيء، وهو ما أكده مجموعة من دارسي رحلته الذين اقتفوا أثرها بأنفسهم بعد مرور قرون من حدوثها.
عندما نبحث في الكتابات المغربية الحديثة عن نصوص رحلية، لا نعثر سوى على النزر اليسير، بعض هذه النصوص توهمنا بأنها تنتمي إلى أدب الرحلة، لكن أفق انتظارنا يخيب عندما نفطن إلى أن ما يسرده هذا الكاتب أو ذاك، تحت المسمى الآنف الذكر، لا يعدو أن يكون عملا تخييليا محضا.
من أدبائنا من لم ينشر أي نص رحلي طيلة مساره الإبداعي، مع أنه قام برحلات عديدة داخل الوطن وخارجه.
منهم من تخلى عن القلم والمذكرة، واستعاض عنهما بالهاتف الذكي، عن طريقه يلتقط الصور وينشر في الحين ما يسمى بالتدوينة أو التغريدة.
تبعا لذلك يجدر بنا أن نتساءل:
هل أدباؤنا صاروا عاجزين عن سرد وقائع رحلاتهم؟
هل سهولة التقاط الصور ونشرها في الحين، له إسهام في تقاعسهم عن الاعتكاف على الكتابة بما تتطلبه من جهد ووقت؟
هل باتوا مقتنعين بأنه لا جدوى من الكتابة، ما دام بمقدورنا أن نحيط بهذا الفضاء الكوني صوتا وصورة بضغطة زر؟
هناك بلا شك تحولات سلبية طرأت على مستوى تقاليد الكتابة، غير أن الأمل معقود على أدباء وكتاب لا يزالون يؤمنون بدور الكلمة في التعبير وفي التغيير كذلك.
عبد العالي بركات