كما يحدث في كل رمضان، تجدد هذه السنة أيضا الحديث حول الأعمال الفنية التي تعرضها القنوات الوطنية خلال الشهر الكريم، واحتد الجدل مؤخرا عقب لجوء محامين إلى المحكمة ملتمسين توقيف بث سلسلة فنية بسبب ما اعتبروه إهانة لمهنتهم، وهو ما ردت عليه «الهاكا»، مؤكدة أن التمثيل النقدي لمهنة معينة في عمل فني سمعي بصري لا يشكل قذفا، ولفتت إلى دور ومسؤولية الإعلام، لاسيما العمومي، في ممارسة النقد الاجتماعي ومعالجة بعض السلوكيات والظواهر المستهجنة.
ومن جهتها، اعتبرت النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية أن النقد الاجتماعي في الأعمال الفنية عموما والدرامية منها على الخصوص، مبدأ كوني، مكفول قانونيا ودستوريا، ويبقى للجمهور والنقاد حق وحرية التقييم، بل وحتى الرفض من الناحية الفنية، لكن دون أية محاولة للتضييق على حرية الإبداع أو المس بها كحق إنساني، كما شددت على أن تناول الأعمال الفنية للعيوب الاجتماعية، مسألة «تعاقدية» تواضع حولها الذوق السليم للبشرية منذ القدم، وليس هناك أي عمل درامي أو كوميدي، كيفما كان مستواه الفني، لا ينطلق من صراع ولا يصور عيوبا وفضائل مجتمعية على حد سواء، وأضافت أن طبائع الشخصيات السلبية لا تعني بالضرورة أنها تعميمية أو عاكسة للجميع، بل ترتبط فقط بالشخصية الدرامية المتخيلة من قبل المبدع، والتي لها ما يشبهها في المجتمع على وجه التخصيص لا على وجه الإطلاق والتعميم.
تبعا لما سلف أعلاه، فإن تقييم الأعمال الفنية الرمضانية مطلوب، والسعي لتطوير هذه البرمجة والارتقاء بمستوياتها المضمونية والفنية كذلك، ولكن المستجد هذا العام هو أن البعض يحاول استنساخ ما يقع في بعض الجغرافيات المشرقية تجاه الفن والإعلام، وتحويل النقد والتحليل إلى منع وتوقيف ومصادرة من خلال القضاء، وبالتالي جر القضاء ليرتمي في حرب ضد حرية الإبداع.
من جهة ثانية، يتفق الكثيرون، في المقابل، على أن ما تعرضه قنواتنا الوطنية من أعمال فنية ودرامية الكثير منها دون المستوى المطلوب فنيا ومضمونا وبناء، لكن مع ذلك تميزت أعمال، على قلتها، بتحقيق حد مقبول من الجودة وإحكام الصنعة الفنية، وهذا يقتضي تقوية النقد الرصين المواكب لها، وتمتين منظومة الانتقاء والبرمجة على مستوى إعلامنا السمعي البصري الوطني.
أما الآن، فإن العقلية القطاعية المنغلقة وسط بعض المهن فرضت أن نعتبر الأولوية هي الدفاع عن حرية الإبداع والمبدعين، والتصدي لكل سعي نحو جر القضاء ليكون أداة للقمع والتضييق، ولمصادرة هذه الحرية.
ونعتبر أيضا أن هذا السجال يفرض استحضار أهمية الثقافة والفن بشكل عام في مجتمعنا وفِي حياتنا الوطنية في هذه الظروف الصعبة.
إننا عندما نتحدث عن الثقافة، نحن نعني عمقنا المجتمعي وتطلعنا الحضاري، وحرصنا أيضا على تلبية الحقوق الثقافية والفنية لشعبنا، وتمتين أفقنا التنويري والديمقراطي بشكل عام.
اليوم تعتبر الثقافة والفنون من أهم الدروس التي فرض علينا زمن الجائحة أن نستحضرها، ومن ثم أن نحرص كي تعيد بلادنا امتلاك رهانها الثقافي، وبالتالي أن تنكب على تطوير الثقافة والفن، وأن تعزز انتشار القراءة والوعي وسط شعبنا وشبابنا، وأيضا أن تدعم الإبداع والمبدعين في مختلف المجالات التعبيرية، وهو ما لن يتحقق من دون حرص على الحرية والانفتاح، وذلك بما يعزز الأفق التنويري والحداثي لبلادنا.
<محتات الرقاص