لا يوجد شك لدى الباحثين – حاليا – في أن التحورات الجديدة لفيروس كورونا المستجد، التي ظهرت في عدة أنحاء من المعمور، تساعد الفيروس على انتشار أوسع مقارنة بالسلالات القديمة، ولكن الخبر الجيد الذي كشفت عنه دراسة لمعهد فرنسيس كيك في بريطانيا، هو أن “هذا السلاح الذي يستخدمه الفيروس من أجل مزيد من الانتشار، قد يتسبب في قتله”.
وخلال الدراسة التي نشرت مؤخرا من دورية «pnas»، قارن الباحثون بروتين الأشواك الذي يعطي الفيروس شكله المميز (بروتين سبايك) في النسخة الأصلية مع النسخة المتحولة التي ظهرت في الربيع الماضي، ووجدوا اختلافات هيكلية يمكن أن تساعد في تفسير سبب انتشار النسخة المتحورة.
ووجد الباحثون أن التحورات في بنية بروتين (سبايك) الفيروسي، أثرت على كيفية ارتباطه بالخلايا وإصابتها، وهو جزء مهم يتحكم في عدوى الفيروس، وكان لهذه التغييرات آثار هائلة على انتشار المرض، حيث منحت الفيروس لياقة في الانتشار.
واستخدم الباحثون المجهر الإلكتروني للحصول على صور مفصلة لشكل بروتين سبايك الفيروسي في النسخة المتحورة، ثم قارنوا ذلك بدراسة سابقة فحصت الشكل الأصلي للبروتين الفيروسي في الفيروس الذي ظهر بداية في ووهان بالصين.
ومن خلال تحليل هيكل بروتين سبايك الخاص بسلالة (G614) الجديدة التي ظهرت للمرة الأولى في ربيع عام 2020 وجدوا أن هيكله المفتوح والمرن يرتبط بسهولة أكبر بالخلايا البشرية.
وفي حين أن بروتين سبايك في سلالة كورونا القديمة أخذ شكلا أكثر انغلاقا، فقد لاحظ الباحثون أن البروتين في السلالة المتحورة أصبح هيكله مفتوحا ومرنا، والذي من شأنه أن يهيئ البروتين للارتباط بمستقبل الخلية البشرية (ACE2).
ويقول دونالد بينتون، الباحث الرئيسي بالدراسة في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لمعهد فرنسيس كيك بالتزامن مع نشر الدراسة: «نظرا لأن النسخة المتحورة ترتبط بسهولة أكبر بالخلايا، فإنها تتمتع بميزة في الانتشار، وقد يكون هذا هو أحد الأسباب التي تفسر لماذا يسود هذا المتغير الآن، وهو أكثر انتشارا في التداول».
ومع ذلك، يشير الباحثون إلى أن هذه الميزة قد تصبح في النهاية مشكلة بالنسبة للفيروس، ذلك لأن هيكل بروتين «سبايك» الأكثر انفتاحا ومرونة قد يعني أنه «سيصبح أكثر تعرضا للأجسام المضادة المنتشرة».
ويقول أنتوني روبل، المؤلف الرئيسي المشارك بالدراسة: «خلال الموجة الأولى من العدوى، لم يكن لدى معظم الأشخاص أجسام مضادة للفيروس، لذلك كان الفيروس رغم بنية بروتينه المغلقة قادرا على العدوى، ومع مرور الوقت، سيكون لدى المزيد من الأشخاص أجسام مضادة نتيجة للعدوى أو التطعيم السابق، وهو ما يدفع الفيروس لتغيير بنية بروتينه وجعل مساحة سطحه كبيرة، حتى يستطيع العدوى، وهذا يجعله أكثر تعرضاً للأجسام المضادة، مما قد يكون عيباً حدث في الفيروس».
وسبق وتنبأ الدكتور محمد علي، أستاذ الفيروسات بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا بمصر بهذا السيناريو في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، وهو ما جعله يبدي في تصريحات جديدة سعادته بهذه النتائج التي رصدتها الدراسة البريطانية.
ويقول علي: «ما يحدث هو تطور طبيعي في الفيروسات، فعندما شكلت أجسامنا الأجسام المضادة قام الفيروس بالتحور حتى يستطيع العدوى، ولأن هذا التحور أضعف من قدرته على العدوى، فقد جعله في المقابل أكثر انتشارا».
ويضيف «لأن الفيروس أصبح ضعيفا، فقد تسبب ذلك في قلة عدد الوفيات بسببه، وانطلاق المصابين به في المجتمع، دون أن يكون لديهم أعراض، لنقل العدوى لآخرين، وهذا يفسر ميزة انتشاره السريع».
«مع زيادة حملات التطعيم، سيحاول الفيروس التحور بشكل آخر يجعله أكثر ضعفا، وهكذا حتى يصبح فيروسا موسميا مثل الإنفلونزا، التي يمكن أن يصاب بها الكثيرون ويشفوا منها، حتى وإن لم يحصلوا على لقاح لها»، وفق ما يؤكد علي.
الطفرات الجديدة لفيروس كورونا.. السلاح المرتد
الوسوم