من المعلوم، أن مدونة الانتخابات في المغرب، تنص على ضرورة التزام الأحزاب السياسية والمرشحين والمناضلين والمتعاطفين معهم، وكل من له مصلحة في فوز هذا الحزب أو ذاك أو هذا المرشح أو ذاك/، بالصمت الانتخابي عبر جميع وسائل الإعلام التقليدية منها (جرائد/ راديو/ تلفزيون/ …) والإلكترونية (مواقع الإنترنت/ المدونات / شبكات التواصل الاجتماعي/ …).
غير أن ما يمكن ملاحظته في كل استحقاق انتخابي هو مواصلة البعض من هؤلاء للحملات الانتخابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي رغم الدخول في مرحلة الصمت الانتخابي الإلكتروني.
هذا الفعل يعد بطبيعة الحال خرقا قانونيا لمقتضيات مدونة الانتخابات ويستوجب الطعن الذي قد يفضي إلى إلغاء نتيجة الاستحقاق المعني بالأمر.
السؤال الذي يطرح في هذا الشأن هو التالي: ماهي الشروط التي على أساسها يتم إلغاء مقعد انتخابي بسبب خرق فترة الصمت الانتخابي الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي؟
قبل الدخول في تفاصيل الشروط التي رسخها القضاء الدستوري المغربي والمقارن، لا بد من تبيان كيف أن القواعد القانونية المتعلقة بالصمت الانتخابي التقليدي، شأنها في ذلك شأن جميع المقتضيات القانونية الأخرى المتعلقة بالانتخابات، تجد طريقها إلى التطبيق على خرق هذا الصمت على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائط الإلكترونية.
أولا: من الصمت الانتخابي التقليدي إلى الصمت الانتخابي الإلكتروني
من القواعد القانونية التي تحكم الاستحقاقات الانتخابية نجد ضرورة احترام فترة الصمت الانتخابي التي أصبحت بعد استخدام الوسائط الإلكترونية في هذه الاستحقاقات فترة صمت انتخابي إلكتروني.
أ- الصمت الانتخابي التقليدي
تعتبر حرية التعبير من الناحية المبدئية مضمونة دستوريا في الفضاء المادي و حتى في الفضاء الرقمي بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي. غير أن هذه الحرية تحد منها العديد من المقتضيات القانونية من بينها تلك التي تتضمنها مدونة الانتخابات خلال فترة الصمت الانتخابي. حيث تعمل اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات على معاقبة كل من يستمر في الدعاية الانتخابية على وسائل الإعلام خلال هذه الفترة.
ب- الصمت الانتخابي الإلكتروني
منذ بداية استخدام الوسائط الإلكترونية وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي (فايس بوك/ تويتر/ إنستاغرام/ فايبر/ … ) في الدعاية الانتخابية، انتقلنا من الصمت الانتخابي التقليدي إلى الصمت الانتخابي الإلكتروني. هذا يعني أنه أصبح على الأحزاب السياسية والمرشحين والمناضلين والمتعاطفين معهم التقيد بفترة الصمت الانتخابي حتى على شبكة الإنترنت وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.
في هذا الشأن، تنص المادة L.49 من مدونة الانتخابات في فرنسا مثلا على أنه: “يمنع.. عند الساعة صفر:
1 – ( … )
2 – نشر أو الدفع إلى النشر بأي وسيلة اتصال مع العموم عن طريق إلكتروني أية رسالة لها طابع الدعاية السياسية ( … )”.
هذا الالتزام يطبق على كل من له مصلحة في التأثير على الهيئة الناخبة مثل الأحزاب السياسية والمرشحين والمناضلين والمتعاطفين معهم الذين يقومون بالدعاية الانتخابية بطريقة إلكترونية خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبالتالي، يتعين على جميع الحسابات التي يملكها هؤلاء على مواقع التواصل الاجتماعي التوقف عن نشر الرسائل الكتابية والصور والفيديوهات التي تحوي دعاية ذات طبيعة سياسية طيلة فترة الصمت الانتخابي الإلكتروني.
نشير في هذا الشأن إلى أنه حتى الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تعود إلى الأشخاص “العاديين” يتعين على أصحابها احترام القواعد القانونية المتعلقة بالصمت الانتخابي إذا ما تبث أن لهم مصلحة في توجيه التصويت إلى هذا الاتجاه أو ذاك.
أما ما عدا ذلك، فإن المستخدم العادي (utilisateur lambda) لمواقع التواصل الاجتماعي الذي يظهر أن ليس له أي مصلحة في فوز هذا الحزب أو ذاك أو هذا المرشح أو ذاك فلا تطبق عليه قواعد الصمت الانتخابي على مواقع التواصل الاجتماعي.
في هذا الشأن، يتعين على المحكمة التي تنظر في النزاع التمييز بين الشخص العادي والشخص المساند لحزب أو مرشح معين وإن كان الأمر شديد الصعوبة على مواقع التواصل الاجتماعي.
من جهة أخرى، نفهم أن المقتضيات القانونية المتعلقة بفترة الصمت الانتخابي التي تتضمنها مدونة الانتخابات تطبق كذلك على الفضاء الرقمي كما أكد ذلك القضاء الدستوري في المغرب وفي فرنسا.
نشير في هذا الإطار إلى أن المحكمة الدستورية في المغرب في قرارها رقم 21/17 الصادر بتاريخ 3 مارس 2017 قد سبق أن ألغت بعض المقاعد على أساس رسائل تم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد اعتبرت المحكمة الدستورية في هذا القرار أنه : “على الرغم من أن المشرع لم يحدد شروط استخدام شبكات التواصل الاجتماعي خلال الحملات الانتخابية، فإن المحتويات التي يتم نشرها على هذه الشبكات ( … ) تخضع لنفس القواعد التي تخضع لها البرامج التي يتم نشرها على أي وسيلة أخرى خلال الحملات الانتخابية”.
وقبل ذلك، في قرارها رقم 14-946 الصادر بتاريخ 30 أكتوبر 2014 اعتبرت نفس المحكمة أنه : “لإن كان المشرع لم يقنن شروط استخدام الإنترنت في الحملات الانتخابية، فإن المواد والبرامج المبثوثة عبره باعتباره وسيلة للتواصل تخضع للمبادئ العامة التي تخضع لها البرامج المقدمة بواسطة سائر الوسائل المستخدمة في الحملات الانتخابية”.
كل هذا يعني أن الأحزاب السياسية والمرشحين والمناضلين وحتى المساندين لهم عليهم التزام الصمت الانتخابي على مواقع التواصل الاجتماعي كما يلتزم به من يقومون بالدعاية الانتخابية عبر الوسائل التقليدية.
وفي حالة خرق أحد المنافسين للصمت الانتخابي الإلكتروني، يمكن الطعن في فوزه عند اجتماع جملة من الشروط اقرها القضاء الدستوري المغربي والمقارن.
ثانيا: شروط الطعن
يمكن أن نستخرج من قرارات القضاء الدستوري المغربي والمقارن بعض الشروط لا بد من توافرها لأجل الطعن في حالات خرق الصمت الانتخابي على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل المنافسين.
أ- طبيعة الرسالة المنشورة
من بين المعايير التي اعتمدها القضاء الدستوري من أجل إقرار خرق الصمت الانتخابي على مواقع التواصل الاجتماعي نجد محتوى الرسالة (صوت/ صورة/ فيديو/ … ) المنشورة وطبيعة الوسيط الذي استخدم في ذلك.
يتعلق المعيار الأول بمحتوى الرسالة الإلكترونية التي يتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي (كتابة/ صورة/ صوت/ فيديو/ … ) خلال فترة الصمت الانتخابي.
حيث يتعين على المحكمة التحقق من أن الرسالة موضوع النزاع لها طابع الدعاية الانتخابية أو أنها على العكس من ذلك تدخل فقط في إطار حرية التعبير التي يضمنها الدستور والقانون.
وبصفة عامة، فإنه يعد دعاية انتخابية كل ما من شأنه الدعوة بشكل مباشر أو غير مباشر إلى التصويت أو عدم التصويت لأحد المرشحين أو أحد الأحزاب.
يتعلق المعيار الثاني بالوسيط الإلكتروني (موقع إلكتروني/ مدونة إلكترونية/ موقع للتواصل الاجتماعي/ رسالة بريد إلكتروني/ رسالة نصية قصيرة/ رسالة متعددة الوسائط / … ) الذي تم بواسطته نشر الرسالة السياسية الدعائية موضوع النزاع.
حيث يقوم القضاء الدستوري بالتثبت من أن الرسائل المنشورة مثلا على موقع من مواقع التواصل الاجتماعي خلال فترة الصمت الانتخابي تتسم بالطابع الخاص (مراسلة خاصة ) أو بالطابع العام (يتحقق فيها شرط العلانية).
وقد سبق للجنة الوطنية لمراقبة الحملات الانتخابية في أحد بياناتها الصادر بتاريخ 19 يناير 2017 أن ذكرت أن تطبيق المادة 49 من مدونة الانتخابات في فرنسا “يشمل المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي في كل مرة لا تدخل الرسائل المنشورة في هذا الفضاء ضمن المراسلات الخاصة”.
ومن أجل تقرير ما إذا كان الأمر يتعلق بمراسلة خاصة أو بنشر إلكتروني يتحقق معه عنصر العلانية، فقد أشارت اللجنة المذكورة في بيان آخر لها صادر بتاريخ 26 أبريل 2017 أن القضاء يعتمد بشكل عام على عدد الأصدقاء (أصدقاء الصفحة على الفايس بوك) وعلى وجود مجموعة مصالح (مصلحة تربط في ما بينهم) وعلى الحدود التي وضعها صاحب الحساب من أجل الوصول إليه وغير ذلك من المعايير.
المهم هو أنه عندما تتأكد المحكمة من أن الرسالة أو الرسائل المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي تتسم بالطابع العام، فإن ذلك يعني تحقق عنصر العلانية أي أن عددا غير محدود قد اطلع عليها. غير أنه حتى في حالة توافر هذا الشرط (رسالة إلكترونية تتسم بطابع الدعاية الانتخابية يتم نشرها على وسيط إلكتروني يتسم بطابع العلانية)، فإنه لا يؤدي ذلك بطريقة آلية إلى إلغاء نتائج الانتخابات المعنية بالنزاع.
هذا يعني أنه لا بد من أن يؤدي كل ذلك إلى التأثير الحاسم على نتيجة الاقتراع.
ب- التأثير الحاسم على نتيجة الاقتراع
لم يعتمد القضاء الدستوري فقط على النشر على الفايس بوك أو على غيره من مواقع التواصل الاجتماعي بشكل يخالف القانون (خرق فترة الصمت الانتخابي)، بل أخد بعين الاعتبار مدى تأثير ذلك على نتيجة الاقتراع. ومن بين أهم المعايير التي اعتمد عليها من أجل الوقوف على تأثير النشر الإلكتروني للدعاية الانتخابية خلال فترة الصمت الانتخابي على نتيجة الاقتراع نجد فارق الأصوات المتحصل عليها من قبل طرفي النزاع. ففي قرار للمجلس الدستوري في فرنسا رقم 5128-2017 الصادر بتاريخ 8 دجنبر 2017 اعتبر هذا المجلس أنه: “بالنظر إلى ضعف فرق الأصوات بين السيد كذا والسيدة كذا عند نهاية الاقتراع، فإن نشر هذه الرسائل يوم الاقتراع على صفحات فايس بوك ( … ) ليس من شأنه تغيير نتيجة الانتخابات”.
هذا يعني أنه إذا كان فارق الأصوات بين طرفي النزاع ضعيف، يمكن عند اجتماع الشروط الأخرى (المحتوى الدعائي السياسي للرسالة/ علانية الوسيط/ … ) إلغاء نتائج الاقتراع. أما إذا كان هذا الفارق كبيرا جدا، يستنتج أن الدعاية على مواقع التواصل الاجتماعي خلال فترة الصمت الانتخابي لم تكن حاسمة وبالتالي يرفض الإلغاء.
خاتمة:
عندما تم الانتقال من الصمت الانتخابي في الفضاء المادي إلى الصمت الانتخابي في الفضاء الافتراضي، أصبح من الصعب على اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات التثبت من احترام الأطراف المعنية لفترة الصمت الانتخابي الإلكتروني.
ذلك أنه لا أحد يجادل في أنه من الصعوبة تحديد الخط الفاصل بين ما يدخل في إطار حرية التعبير وما يدخل في نطاق الدعاية الانتخابية على مواقع التواصل الاجتماعي.
كما أنه من الصعوبة مراقبة اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات لملايين الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل التأكد من احترام جميع الأطراف للصمت الانتخابي الإلكتروني.
لكنه إذا توفرت الإرادة السياسية، فإن هناك أجهزة حديثة يمكن للجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات بمعية وزارة الداخلية الاستعانة بها من أجل رصد المخالفات المتعلقة بفترة الصمت الانتخابي التي تتم على شبكة الإنترنت عموما و على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا.
في الختام، ندعو المشرع المغربي إلى استبدال النص المتعلق بالصمت الانتخابي بنص يأخذ بعين الاعتبار الدعاية الانتخابية التي تتم بالوسائل الإلكترونية خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي كما فعل ذلك المشرع المقارن.
< بقلم: ذ. فؤاد بنصغير
أستاذ جامعي خبير/ مكون/ مستشار في القانون الإلكتروني