أطفال اللاجئين.. المصير المجهول

أضحت قضية أطفال اللاجئين من أبرز الملفات المطروحة في المحافل الدولية، بسبب ما يعانيه هؤلاء من مخاطر ومضاعفات صحية ونفسية، جراء مظاهر الحرمان والاستغلال التي يواجهونها خلال رحلتهم للوصول إلى أعتاب أوروبا. هذا فضلا عن عدد من المشاكل التي بدأت تطفو على السطح في دول اللجوء على مستوى ضمان حماية حقوقهم وعلى راسها الحق في الحياة والأمن.
فقد اعترفت وزارة الداخلية البريطانية، مؤخرا، بأنها أعادت أعادت إرسال نحو ثلاثة آلاف طفل من طالبي اللجوء إلى مناطق النزاع. وخلال السنوات التسع الماضية أعادت هؤلاء الأطفال الذين دخلوا البلاد من دون ذويهم، إلى مناطق مثل أفغانستان والعراق وإيران وليبيا وسورية، وذلك بعد أن أمضوا سنوات في بريطانيا وارتادوا المدارس وبنوا صداقات.
وحسب البيانات التي نشرها وزير الداخلية جيمس بروكنشاير واضطرته للاعتذار لاحقا،
 فإن عدد الصغار الذين أرسلوا إلى أفغانستان بلغ نحو 2018 طفلا، وما يقارب 60 طفلا إلى العراق منذ عام 2014، مع سيطرة “تنظيم الدولة الإسلامية داعش” على أجزاء من البلاد. وقالت صحيفة ‘الاندبندنت’ إنه يتم منح طالبي اللجوء من الأطفال غير المصحوبين بمرافقين موافقة مؤقته على البقاء في بريطانيا لكن هذه الموافقة تنتهي عند بلوغهم سن 18 عاما، حيث يتم إعادتهم إلى أوطانهم حتى إذا ما حازوا شهادة الدراسة الثانوية في بريطانيا او حققوا الاندماج في المجتمع البريطاني وفقدوا الاتصال مع وطنهم الأم.
وقالت نائبة عن حزب العمال البريطاني “هذه أرقام مذهلة تكشف عن الواقع المخزي وراء نظام اللجوء لدينا، نمنح الأطفال الفارين من البلدان التي دمرتها الحروب في أبشع الظروف الملاذ الآمن لكى يبنوا حياتهم هنا في المملكة المتحدة، لكن في سن 18 عاما نجبرهم على العودة إلى بلد خطر ليس لهم أي صلات فيه”.
وسلطت هذه الواقعة الضوء من جديد على جانب آخر من الجوانب المظلمة لمأساة الحروب والنزاعات وعلى رأسها الحرب الدائرة حاليا في سوريا، وهي المتعلقة بأطفال اللجوء الذين أضحوا يشكلون اليوم وصمة عار على جبين الإنسانية.  
وتأتي هذه التطورات أيضا بعد أيام قليلة من إقدام محكمة أسترالية طعنا في قانونية معسكرات احتجاز اللاجئين التي أقامتها البلاد في الخارج، مما يفسح الطريق أمام ترحيل عشرات الأطفال الرضع ولدوا في استراليا لمحتجزين من طالبي اللجوء.
ورفضت المحكمة دعوى قضائية أقامتها امرأة من بنجلادش طعنت في حق أستراليا في ترحيل طالبي اللجوء المحتجزين إلى جزيرة ناورو الصغيرة في المحيط الهادي.
ويستضيف مركز الاحتجاز في ناورو حوالي 500 شخص ويتعرض لانتقادات واسعة من وكالات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان بسبب الظروف القاسية وتقارير عن إساءة معاملة الأطفال. وتنتظر عائلات أخرى لديها أطفال ولدوا في أستراليا في ظروف مشابهة إعادتهم إلى معسكرات الاحتجاز.
وغير بعيد أيضا، صدر تقرير صادم عن جهاز الشرطة في الاتحاد الأوروبي (يوروبول)، أكد أن ما يقارب 10 آلاف طفل لاجئ لا يرافقهم ذووهم، اختفوا بعد وصولهم إلى أوروبا، مما يوحي بوقوعهم في براثن عصابات تجار البشر.
وكشف التقرير أن 5000 طفل فقدوا في إيطاليا، و1000 قاصر اختفوا مؤخرا في السويد، بعد أن تم تسجيل بياناتهم لدى مصالح الشرطة، بحيث لم يعد أحد يعرف أين هم وماذا يفعلون ولا من يرافقهم. وتحدث عن 270.000 طفل لاجئ، وجميعهم لا يرافقهم أهلهم، مشيرا إلى أن 10 آلاف طفل مفقود هو عدد تقديري لهم وتبقى التقديرات نسبية لغياب إحصاءات رسمية.
كما أكد قائد جهاز الشرطة في الاتحاد الأوروبي لصحيفة الغارديان، وجود أدلة على تعرض بعض الأطفال اللاجئين الذين لا ترافقهم عائلاتهم للاستغلال الجنسي، لافتا إلى اعتقال أعداد كبيرة من المتورطين في استغلال اللاجئين خاصة مع تطور المنظومة الإجرامية المرتبطة بملف الهجرة إلى أوروبا خلال الأشهر الـ 18 الماضية.
وتعد محنة الأطفال اللاجئين غير المصحوبين بعائلاتهم واحدة من أكثر القضايا إلحاحا في أزمة تدفق اللاجئين على أبواب القارة العجوز.
وكانت السلطات البريطانية قد أعلنت في وقت سابق، أنها ستستقبل أطفال المهاجرين الذين فروا من الحرب الدائرة في سوريا، ولكن دون ذويهم.
هذا الجانب المظلم دفع المحللين إلى إثارة الانتباه للثغرات الموجودة في أنظمة الحماية والرعاية لهؤلاء الاطفال الذين تشير الاحصاءات الى أنهم يشكلون 27% من مجموع أعداد اللاجئين، وهو ما دفع العديد من منظمات الاغاثة لمطالبة سلطات البلدان الأوروبية المستقبلة للاجئين لتوفير برامج حماية أفضل لهؤلاء أثناء إنهاء إجراءات اللجوء. وهو الأمر الذي أكدته رئيسة احدى الجمعيات الخيرية في اليونان، حيث أشارت إلى أن هؤلاء القصر يواجهون مصيرا صعبا أكثر من أي شخص أخر، إذ يتعين عليهم الانتظار حوالي سبعة أشهر كي ينضموا لأقاربهم الموجودين فى هذه الدول مرة أخرى، وخلال الإجراءات البطيئة والطويلة والمعقدة يحدث أن يتقدم بعض الأشخاص لتسلمهم بدعوى أنهم أقاربهم، فيتم تسليمهم لهؤلاء دون فحص مدقق في ظل تدفق هذه الجموع، لينتهى بهم الحال في أيدي العصابات.
أطفال اللجوء أصبحوا حقيقة واقعة وأعدادهم قابلة للزيادة، خاصة بعد أن أصدرت الأمم المتحدة بيانا أكدت فيه أن عدد الأطفال السوريين اللاجئين سيرتفع نهاية العام الحالي الى 2.5 مليون طفل.
وتبقى بعد ذلك حقيقة أنه رغم كل المخاطر المحيطة بعمليات الهجرة، سواء بالموت غرقا، أو من الجوع والبرد خلال رحلة اللجوء، أو الترحيل للمناطق التي هربوا منها، فإن أمواج اللاجئين مازالت تتدفق على أوروبا التي تقف اليوم عاجزة في مواجهة هذه الأزمة الإنسانية، بحيث أصبح المصير المجهول لهذا العدد الكبير من الأطفال هو أحد أخطر جوانب هذه الأزمة.

Related posts

Top