الإسمنت يواصل زحفه على المساحات الخضراء بالدر البيضاء

أصبح الزحف الإسمنتي مهيمنا بشكل كبير على مدينة الدار البيضاء، ذلك أن جميع مجالس المدينة المتعاقبة على تسييرها عجزت عن وضع حد لتغول سماسرة العقار، أثناء إعداد التصاميم المعمارية للعاصمة.
وآخر المجازر التي حدثت تتعلق بالعبث بعشب المساحة الخضراء لحديقة البلدية بكراج علال، حيث تم تدمير الحديقة واقتلعت أشجارها، لتحل محلها الجدران الإسمنتية.
فبحسب التصميم، من المتوقع أن تشيد بها محلات تجارية خاصة بالجزارين، لنقلهم من المحلات العشوائية المقابلة لهذا الورش الجديد.
وأثارت هذه المجزرة في حق حديقة البلدية الكثير من الأسئلة حول حيثيات وظروف التفكير بهكذا قرارات تعبث وتعادي كل ما هو أخضر، بالرغم من أنها المتنفس الوحيد للبيضاويين الهاربين من الجدران الإسمنتية التي يقطنون بها.
وبحسب المواطن عز العرب الذي يقطن بشارع الفداء بدرب السلطان، فإن الكثير من المساحات التي كانت توجد بها الأشجار والعشب الأخضر تم إعدامها، لتعوض بالطلاء الإسمنتي في إطار إعادة تهيئة الفضاءات والساحات بالعاصمة الاقتصادية.

ومن بين الساحات التي تعرضت للهجوم العشوائي للمتعاقبين على تسيير شؤون المدينة، “نجد ساحة السراغنة وبوشنتوف” يقول عز العرب لجريدة بيان اليوم، فبدل أن يتم الاعتناء بهما بتجديد عشبهما وغرس الأشجار الخضراء، اختير الخيار السهل والمربح وهو تفويت الساحتين كمشروع لردم تربتها الحمراء تحت الإسمنت الذي لا يبقي ولا يدر.
وأوضح عز العرب أن الساحتين تحولتا في حلتهما الجديدة إلى ملاذ للمتسكعين ومروجي المخدرات والمدمنين عليها، كما أنها باتت فضاء مفضلا لمحترفي القمار والسرقة، ليتم الفشل في تحويلهما إلى فضاء أخضر ترتاده العائلات وأطفالها، كمتنفس وحيد بمقربة الدروب والأزقة الضاجة بالصخب البصري للإسمنت، والسمعي للباعة المتجولين.
وفي جولة لجريدة بيان اليوم لساحة بوشنتوف، تمت معاينة غياب العشب الأخضر والأزهار والأشجار، مقابل تراكم الأزبال التي تزكم أنوف المارة، وانتشار الكلاب الضالة، إلى جانب غياب الكراسي، ذلك أن مرتادي هذه الساحة يفترشون الأرض، ودروج المحلات التجارية، أو الأبناك المحادية لها.
ومن جانبه، حمل محمد الذي يقطن بالبيضاء منذ الثمانينات جشع أباطرة العقار والمنتخبين مسؤولية ما آلت إليه المدينة في هذا التغول الإسمنتي الذي أصبح العنوان الأبرز في السنوات الأخيرة، ذلك أنهم لا يتغاضون عن أي فضاء إلا وحولوه لساحة مطلية بالبلاط، أو شيدت فوقه مباني تجارية، منتقدا صمت الساكنة، وجمعيات المجتمع المدني المهتمة بتاريخ العاصمة، والشؤون البيئية كما هو الحال في بلدان الغرب.
وشدد محمد في حيث لبيان اليوم على أنه بدل أن يتم السهر على تثمين الساحات الخضراء بسياسة تدبير تراعي خصوصية هذه المدينة المليونية، يتم إغراقها بمزيد من الحجر والبلاط في تشويه سيء لمنظر ساحات ظلت شامخة إلى أن أتى من يعبث بها.
ويرى المتحدث ذاته، أنه لا يمكن الاستمرار في تهويد المساحات الخضراء كما حصل مؤخرا مع ساحة البلدية، لأن ذلك سيظل وصمة عار على جبين من أشروا لهذا القرار الذي لم يحترم مشاعر البيضاويين واعتبروا تلك المساحة مشروع كعكعة يجب طهيها وتقطيعها وتفرقتها تحت مسميات عديدة!
وكان الأجدر بحسب محمد أن يتم الاعتناء بها وإصلاحها كما حدث مع الفضاءات الخضراء بوسط المدينة، وليس أن يتم التفكير ببنائها، في خطوة مقززة، عابثة بكل ما هو أخضر جميل.
والحذر كل الحذر أن يتم الاقتراب من بعض المساحات الخضراء التي تحتاج إلى العناية بدل الإهمال، على مستوى عمالة الفداء مرس السلطان بالتحديد، يقول محمد، الذي أكد أن كل قطعة صغيرة فارغة في المدينة تظهر على شكل وعاء عقاري قابل لأن تجنى منه ملايين الدراهم.
ودعا في الأخير إلى ضرورة عدم التراخي والتساهل في الترقيع على تصاميم لا تحترم المحيط البيئي للبيضاويين الذين ضاقوا ذرعا من الاغتصابات المتكررة للمساحات التي تتحول إلى بقع دون أدنى حرج للقائمين على الشأن المحلي.
ويبقى الهجوم المتواتر على المساحات الخضراء بالدار البيضاء، معضلة حقيقية تهدد النظام البيئي للمدينة، التي تعرف ازدحاما عمرانيا وسكانيا كبيرا، وهو ما يتطلب معه التعامل بحذر مع المساحات التي تعد المتنفس الوحيد، عوض التفكير مع كل مرة في جعلها بنايات تجنى منها الكثير من الأموال على حساب صحة الساكنة.

< يوسف الخيدر < تصوير: أحمد عقيل مكاو

Related posts

Top