يحل الدخول الاجتماعي والسياسي ببلادنا ضمن سياق دولي لا تزال تحكمه تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وتبعات ما بعد الجائحة، فضلا عن الجوانب الوطنية الأخرى ذات الصلة بالجفاف وضعف التدبير الحكومي، وكل هذا يطرح اليوم تحديات أساسية لا بد أن تحضر الحكومة ضمن معادلاتها لتقدم أجوبة ومداخل للحل، ولتحقيق انتظارات شعبنا.
اليوم يطرح أمام الحكومة تحدي استعادة ثقة شعبنا في المؤسسات وفي المستقبل، وهذه مهمتها الجوهرية الأولى في الظرفية الراهنة.
بداية، لا بد أن تنفذ الحكومة مختلف اتفاقياتها والتزاماتها مع الشركاء الاجتماعيين، وأيضا وعود وتصريحات وزرائها التي يقدمونها للهيئات الممثلة لمهنيي القطاعات التي يتولون تدبيرها، وهذا من أجل تحقيق ثقة المغاربة في المؤسسات أولا، ومن أجل صيانة مصداقية المنظمات ذات التمثيلية وآليات الوساطة في المجتمع.
هذا العمل يعني إعلان الحكومة عن إجراءات عملية ناجعة وشجاعة تستطيع تحسين القدرة الشرائية للفئات الفقيرة والمتوسطة من شعبنا، والتصدي للغلاء والمضاربات والتلاعب في الأسعار، وخصوصا ما يتعلق بالمحروقات، وصياغة البدائل القادرة على إنجاح السياسة الطاقية الوطنية بشكل عام.
ويتعين كذلك الاجتهاد على صعيد المنظومة الجبائية، وخصوصا ما يهم الموظفين والمقاولات الصغرى والمتوسطة، وما يتيح تحفيز مناخ الأعمال والدينامية الاستثمارية والإنتاجية ببلادنا.
كما يطرح الدخول الاجتماعي أيضا مواصلة إنجاح ورش الحماية الاجتماعية وتأهيل المنظومة الصحية وتطوير الصحة العمومية، وكذلك الانكباب على إصلاح وتأهيل حقيقيين لقطاع التعليم، وتفعيل حلول شجاعة للمشكلات الجوهرية لمنظومتنا التربوية الوطنية.
إن النجاح في هذه الإصلاحات الأساسية والمهيكلة المتصلة بالقدرة الشرائية للمغاربة، التصدي للغلاء والمضاربات وارتفاع الأسعار، الحماية الاجتماعية وتأهيل قطاعي الصحة والتعليم، من شأنه تقوية ثقة شعبنا في بلاده، وفي المستقبل، وفي المؤسسات، وإشعاع أجواء الطمأنينة والتفاؤل وسط المجتمع.
ولن يتحقق هذا من دون أن تفهم الحكومة وأغلبيتها أهمية الأمر ومحوريته بالنسبة لاستقرار بلادنا، ولتعزيز الجبهة الداخلية دفاعا عن القضايا الكبرى المشروعة لوطننا، علاوة على ضرورة أن تمتلك الحكومة الإرادة اللازمة، وأيضا النفس الإصلاحي والشجاعة السياسية لإعمال القرارات وتنفيذها.
والإشارة الأولى المطلوبة من الحكومة اليوم في ظرفية الاستعداد لدخول اجتماعي وسياسي جديد هي أن تتكلم مع المغاربة ومع الهيئات الممثلة لهم، وأن تتفاعل إيجابا مع المؤسسات المجسدة للديمقراطية وللتعددية ولإرادة شعبنا، وأن تحرص على احترام التعددية والاختيارات الديمقراطية الكبرى التي دأب عليها المغرب.
وفي السياق ذاته، الحكومة مدعوة أن تلتزم بما تتفق عليه مع النقابات والشركاء الاجتماعيين ضمن السعي لتحقيق الانتظارات الاجتماعية للمغاربة، وأن يلتزم وزراؤها، كل في القطاع الذي يتولاه، باحترام الشركاء الاجتماعيين والمهنيين والمنظمات ذات الحضور والخبرة في القطاع، وذلك بما يساعد على تقدم المشاريع والبرامج الإصلاحية المطروحة، وأيضا بما يحفظ للمنظمات والهيئات مصداقيتها وحضورها وسط المهنيين، ويعزز أدوارها الاقتراحية والترافعية، ويصون تمثيليتها كآليات ديمقراطية للوساطة والتأطير، وليس احتقارها والاستخفاف بها أو التشويش عليها وإضعافها ميدانيا وتنظيميا لتحقيق حسابات ريعية أنانية صغيرة ضدا على مصلحة القطاع وصورة البلاد.
بشكل عام، البلاد في حاجة إلى تمتين ثقة شعبنا في المؤسسات، وفي المستقبل، وفي الوطن، وهنا الحكومة مدعوة للقيام بأدوارها ومسؤوليتها، وأن يتعزز حضورها السياسي والميداني والتواصلي، وأن تمتلك المسؤولية السياسية اللازمة، وأن تلتزم بوعودها..
محتات الرقاص