الدخول المدرسي 

بدأ العام الدراسي الجديد أمس الإثنين بمختلف جهات المملكة وفي كل الأسلاك التعليمية، وحملت الأسر المغربية تطلعات فلذات أكبادها من أجل النجاح في مساراتها التكوينية.

الموسم الدراسي انطلق ضمن العديد من التحديات المطروحة على التعليم في بلادنا، وفي خضم مشكلات تعود للواجهة كل سنة بشأن المستوى والجودة وواقع الحال والآفاق.

مرة أخرى، هذا العام تسعى الوزارة الوصية أن تعيد التجارب وتكرر السعي نحو تحقيق شعارها: “من أجل مدرسة عمومية ذات جودة للجميع” على أرض الواقع، وانعقدت عديد اجتماعات وزيارات ميدانية لهذه الغاية، فضلا عن عدد من الخطط التجريبية التي يجري تنزيلها.

ومقابل هذا، فتحت المدارس أبوابها في خضم حالة استياء تنتشر وسط الأطقم التربوية والإدارية والنقابات الممثلة لها، وذلك جراء مطالب وانتظارات يعتبرون أنها لم تتحقق بعد، ويهددون بالاحتجاج إذا لم تباشر السلطات الحكومية ذات الصلة حوارا حقيقيا معهم بخصوصها.

ولدى التلاميذ وأوليائهم وأسرهم يبرز قلق عام جراء ما يميز أوضاع شعبنا من تدهور القدرة الشرائية وغلاء أسعار المقررات واللوازم المدرسية، وأيضا رسوم التسجيل في المدارس الخصوصية، ومن ثم يحمل الموسم المدرسي متاعب وتحملات جديدة تضاف إلى ما تحمله شعبنا في الفترة الأخيرة جراء مصاريف العطلة الصيفية، وقبل ذلك عيد الأضحى، ونتيجة تفاقم الغلاء الذي مس معظم المواد الاستهلاكية والخدمات الضرورية.

وتبعا لكل هذا، فالمفروض بالنسبة للحكومة كان هو أن تفكر في القيام بمبادرات عملية ملموسة من شأنها التخفيف على الفئات الفقيرة والمتوسطة من شعبنا من تحملات الدخول المدرسي، والتضامن مع الأسر المغربية للتصدي للضغوط الاجتماعية، وذلك بما يتيح الإقبال الشعبي العام على معانقة المدرسة في أجواء إيجابية مريحة.

الدخول المدرسي هذه السنة يتسم إذن بتأثره بالوضع الاجتماعي العام لفئات واسعة من شعبنا، وبغلاء اللوازم والرسوم، وفي نفس الوقت، غياب أي مبادرة حكومية ملموسة للدعم والمساندة على هذا المستوى، ولكن الدخول المدرسي الحالي يعيد أيضا طرح أسئلة أخرى تتكرر كل سنة، وهي تتعلق بالمضامين التربوية والتكوينية والمقررات والمناهج ومستوى الهيئات التدريسية، أي بجودة تعليمنا، وخصوصا في المدرسة المغربية العمومية.

هناك اتفاق واسع على أن مستوياتنا التعليمية تشهد التراجع كل عام، وأن مؤشرات تقييم عديدة تسجل ضعفا واضحا وتدنيا في ترتيب بلادنا إقليميًا وعالميا، وهذه الأوضاع تتطلب حوارا وطنيا صريحا وعميقا وشجاعا.

ليست الخطط والبرامج هي التي تنقص بلادنا في مجال إصلاح وتأهيل التعليم، فالعشرات منها وضعت في السنوات الماضية، والجميع اليوم يتفق على التشخيص واستعراض الأعطاب والاختلالات، وحتى على مداخل الحلول، ولكن المطلوب هو توفر إرادة الإنجاز، والقدرة على مواجهة اللوبيات المستفيدة من غياب الإصلاح، وعدم إبقاء البلاد ومدرستها العمومية رهينة لأطماعها وريعها وعبثها، والسعي لجعل تطوير التعليم أولوية وطنية فعلا، وقناعة راسخة لدى كل الفرقاء.

صحيح، أن كل إصلاح للمنظومة التعليمية في بلادنا يجب أن يستهدف التلميذ أولا، ومن ثم إعمال الإصلاح وأجرأته على مستوى الفصل الدراسي، وفي حياة المؤسسة التعليمية، ومن خلال واقع وظروف ومستوى المدرسين والموارد البشرية العاملة في القطاع، وعبر تطوير البرامج والمقررات والمناهج والمحتوى.

ولكن أيضا الإصلاح يجب ألا يغفل حق شعبنا كله في التعلم والخروج من ظلمات الجهل، وبالتالي التقدم على درب محاربة الأمية وإشعاع المعرفة.

بلادنا لم تعد تطيق تجريب أفكار ومشاريع الإصلاح كل مرة، وأن تدور ضمن حلقة مفرغة، وإنما المطلوب هو  التعاون مع الجميع بغاية بلورة وإعمال نموذج جديد للمدرسة المغربية.

إنجاح الموسم المدرسي وتطوير العملية التعليمية بشكل عام لا نقيسه بمعدلات الامتحانات النهائية، والسعار حول نقاط النجاح والمعدلات العالية، ولكن أساسا  يجب أن نحتكم لمستوى جودة البيئة العامة المرتبطة بالمدرسة، ومستوى انخراط كل أطراف العملية التربوية ومشاركتهم في دينامية النجاح.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

 

Related posts

Top