الحسيمة

الاحتجاجات التي شهدتها الحسيمة ومناطق مجاورة لها، ونجم عنها سجال إعلامي وسياسي، وأفضت إلى اتخاذ إجراءات إدارية في حق مسؤولين عموميين، أعادت إلى واجهة الحديث العمومي بعض الأحكام التبسيطية التي يتقاذفها بعض إعلامنا وبعض سياسيينا ونشطائنا من دون أدنى حرص في التقدير أو في اختيار المعجم أو فهم خطورة أسلوب “أجي يا فم وقول”.
المنطقة تعاني أصلا من ترسبات في التاريخ والنفسيات، وهذا يعرفه الجميع، وهي كذلك ضحية الجغرافيا، ومن ثم يبقى التهميش وتجليات الهشاشة واضحين وصارخين في الطرق والبنيات الأساسية، وفِي فرص التنمية ومجالات التشغيل، وفِي واقع الخدمات المقدمة للناس في التعليم والصحة والسكن، وكل هذا الواقع الصعب والباعث على الخيبة والإحباط هو موجود منذ سنوات طويلة، ويفرز تداعيات سلبية تتنامى ويتفاقم ضغطها يوميا، بالإضافة إلى أن ضعف مواجهة ذلك على أرض الواقع يزيد من حدة الاحتقان.
إن ما يعانيه شعبنا في الحسيمة ومنطقتها يؤكد أن إنجاز برامج اجتماعية وتحقيق أشياء تنموية ملموسة لا يتم بالكلام فقط، أو بالخطب والوعود، وإنما اعتمادا على سياسات عمومية وبرامج واقعية توضع وتنفذ على أرض الواقع ويحس الناس بحقيقتها الملموسة ويستفيدون منها، أي يكون لها الأثر الفعلي على واقع المنطقة وعلى الحياة اليومية للسكان.
ما وقع ويقع في الحسيمة ومنطقتها أبان كذلك على أن الرهان على لوبيات مصلحية وريعية وتحويل عناصرها إلى منتخبين ومسيري جماعات ترابية، هو رهان فاشل، كما أن إطلاق أيديهم لمواجهة كل من يختلف معهم، والتضييق عليه، وحتى الاعتداء عليه، كما حدث مؤخرا في بني بوعياش، وفرض واقع سياسي وانتخابي محلي وجهوي عسفا، هو أيضا لم ينفع لا المنطقة ولا أهلها ولا الاختيارات التصالحية والديمقراطية والتنموية والثقافية الكبرى للبلاد.
السياسة، في نهاية المطاف، تمارس لمصلحة الناس وبمشاركة منهم، ويجب أن ينجم عنها الأثر الملموس في حياة الناس وواقع مناطقهم، وعدا ذلك فالدوران سيستمر في الحلقة المفرغة.
وارد أن تنزاح عن الاحتجاجات سلوكات فردية بلا أي معنى، ولكن ذلك لا يجب أن يحجب الرؤية عن كون الأمر يتعلق بداية وأساسا بغضب الناس من واقع اجتماعي قاهر، ومن لوبيات لا تتردد في مراكمة الثروات على حساب حقوق الناس، أي أن المسألة الاجتماعية وتحسين أوضاع عيش شعبنا وتعزيز كرامته والحرص عليها، هي تحدي المرحلة اليوم، ليس فقط في الريف، وإنما في كل مناطق بلادنا، وخصوصا في المدن الصغرى والمتوسطة وهوامش المدن الكبرى وفِي الأرياف والمناطق الجبلية والنائية.
الخطير إذن فيما يقع في الحسيمة هو هذا الركوب البليد والأعمى لبعض الأطراف السياسية والإعلامية والجمعوية على المطالب الاجتماعية المشروعة للسكان، وهذا بالضبط هو ما يجب التنديد به ورفضه.
إن الناس هنا أغضبهم التهميش والإقصاء، وأعياهم الانتظار، وملوا وعودا يروج لها عبر الإعلام ولا يحسون بأثرها في واقعهم اليومي، ولذلك فالمدخل لفهم ما يجري يوجد هنا، أي في حسن التقدير.
إن تنمية المنطقة وتلبية مطالب أهلها وتطلعاتهم الاجتماعية والاقتصادية، يجب أن تتبلور ضمن برامج وسياسات عمومية تقوم بها الدولة، من دون أن يستغلها أحد أو يمتطي ظهرها، وتستهدف حل الإشكالية الاجتماعية لفائدة الناس، وهؤلاء هم من سيقيمون نجاعة البرامج وحقيقة المنجزات من خلال ما سيلمسونه من أثر مباشر على حياتهم ومستوى عيشهم.
وكل من يشيع الالتباس والخوف والغموض حوالي المكان وأهله، سواء من هذا الطرف الحزبي والإعلامي أو ذاك، هو يهين أهل الريف ويسيء إلى البلاد وإلى أفقها الديمقراطي العام.

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

الوسوم

Related posts

Top