الخلايا النائمة توقظ الإرهاب في أوروبا

تأتي قدرة تنظيم الدولة الإسلامية على استهداف العواصم الأوروبية من تمكن خلاياه النائمة القائمة على التنظيم والحماية. وقد أعلنت بعض أجهزة الاستخبارات إحصائيات حول الخلايا النائمة، لكنها كانت منخفضة جدا، مقارنة بما حصلنا عليه من قيادي منشق عن تنظيم داعش والتي قدرها بـ1500 عنصرا. فالتنظيم لا يحتاج إلى إرسال مقاتلين جدد بفضل ما يمتلكه من عناصر داخل أوروبا.
والخلايا النائمة هي خلايا تستخدمها التنظيمات المتطرفة لتنفيذ عمليات في أماكن بعيدة عنها لأهداف معينة، ولكل تنظيم استراتيجية خاصة به لعمل هذه الخلايا ولتنظيم الدولة الإسلامية استراتيجية خاصة حيث صنفت هذه الخلايا ضمن مراحل وألحقتها بمسميات مثل “الذئاب المنفردة” و”مناصرين” و”مؤيدين”، وهي لا تقل خطورة عن الخلايا المنظمة.
وتبقى الخلايا النائمة تحديا أمنيا كونها تمثل صاعق تفجير لتنفيذ العمليات الإرهابية، وتكون جاهزة، وما تحتاجه فقط ساعة الصفر. وتعتبر خلايا “سائبة” لا تعتمد على الهيكل التنظيمي للتنظيم. ويقول الباحث محمد نعمة في كتابه الخلايا النائمة إن العلاقة ما بين التنظيمات المتطرفة والخلايا النائمة، ليست علاقات خيطية مجردة، تجعل الحلقة الأولى أو الرأس الأول بمعزل عن الحلقة الثالثة، لضمان عدم الكشف وحسب، وإنما هي تنظيمات متكاملة من حيث البنية. وهي مجموعة أشخاص يتعاطون ذات الأيديولوجيا المتطرفة وبينهم ميثاق غير مكتوب.
وسبق أن أقرت بعض أجهزة الاستخبارات الأوروبية بوجود ثغرات في جدار أمنها القومي، لذا دعا رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك، دول الاتحاد الأوروبي إلى التركيز على سبل مكافحة الإرهاب وتقوية جبهته الداخلية من خلال تبادل المعلومات بين دوله والدول المعنية.
وتكمن المشكلة اليوم في وجود العديد من شبكات العمل التي تنشط داخل دول أوروبا لترتيب عمل الأفراد الذين يريدون الالتحاق بالتنظيمات المتشددة وتأمين أوراق سفرهم وحجوزاتهم من أجل الالتحاق بتنظيم داعش، رغم تشديد الإجراءات عند الحدود والمطارات.
وما يزيد المشهد تعقيدا أن أغلب عناصر تنظيم الدولة الإسلامية حصلوا على الخبرات وشارك معظمهم في عمليات قتالية، وهذا ما يرجح احتمالات وقوع عمليات إرهابية وشيكة في أوروبا رغم حالة الاستنفار والتأهب.
تقوم استراتيجية تنظيم داعش الآن على التحول من مسك الأرض إلى منظمة سرية تنفذ عمليات انتحارية إرهابية في عواصم دولية وعربية بالاعتماد على الخلايا النائمة. فما عاد تنظيم داعش يحتاج إلى ارسال عناصره إلى أوروبا والغرب بقدر ما يراهن على أنصاره ومؤيديه في الداخل، وهنا يكمن التحدي لدى أجهزة الاستخبارات. بعض الباحثين في مكافحة الإرهاب يقولون إننا نحتاج أكثر من جيل للتخلص من التطرف والإرهاب في أوروبا.
ولمواجهة الدعاية المتطرفة لتنظيم داعش، اتخذت دول أوروبا حزمة إجراءات وسياسات جديدة منها فرض رقابة مشددة على وسائل التواصل الاجتماعي ونشاط الجماعات على الأرض وتبادل بيانات المسافرين. وهذا يعني أن سياسات أوروبا الأمنية ستبقى في حالة تحد وتأهب مع تنظيم داعش إلى سنوات طويلة.
لقد نحج تنظيم داعش في استنزاف قدرات أجهزة الاستخبارات من خلال تسريب الأخبار ومطاولة المواجهة وإن لم يستطع تنفيذ عمليات إرهابية. وأضحى جليا أنّ البلدان الأوروبية متوجسة هذه الأيام أكثر من غيرها، من التهديدات التي وجهها إليها تنظيم داعش والتي تستهدف أمنها القومي بالأساس. وهذا ما عكسته تصريحات مسؤولين أوروبيين رفيعي المستوى، اعتبروا أنّ احتمالات وقوع عمليات إرهابية على أراضي بلدانهم باتت وشيكة، وقد جاءت عملية نيس، لتؤكد صحة هذا القلق.
 محمد قاسم *
* باحث في قضايا الإرهاب

Related posts

Top