الكتاب المغربي ينزف

هل نصدر الكتب من أجل عرضها فقط في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء على سبيل المثال؟
ألح علي هذا السؤال وأنا أبحث عن إصدارات سنة 2018 في أكبر المكتبات بوسط أكبر المدن المغربية دون أن أعثر عليها.
– “اسمح لي خدمتك معايا”
أقول لعامل المكتبة الذي قضى وقتا لا يستهان به وهو يبحث في قائمة الإصدارات المخزنة في حاسوبه عن بعض العناوين التي عرضتها عليه، دون أن يعثر عليها.
– “هل أنت متأكد من أنها صدرت؟ّ”
– “لقد تم الإعلان عن صدورها منذ عدة أسابيع”
يتكرر هذا الموقف عدة مرات، فكلما بحثت عن كتاب بعد علمي بصدوره لا أعثر له على أثر. لا يعني أن طبعته الأولى نفدت؛ فنحن بعيدين كل البعد عن ذلك الكاتب الأجنبي الذي يفتخر بكون كتبه تباع مثل الكرواسان.
نحن لا نقرأ الكتب لكننا نأكل الكرواسان بنهم، ولذلك لا نعثر على الإصدارات الجديدة موزعة في المكتبات شأنها شأن الكراوسان في المخبزات.
أعتذر عن هذا الاستطراد، لكنه كان ضروريا للتأكيد على أن الكتاب المغربي ينزف بالفعل.
شركات التوزيع لم تعد ترغب في توزيع إصداراتنا، وحتى إذا قبلت بذلك فإنها تفرض نسبة أرباح ليس في مقدور المؤلف أن يدفعها، علما بأنه لم يعد أحد يضمن رواج الكتب أكانت قديمة أم حديثة الصدور.
حتى المؤسسات التابعة للقطاع الحكومي، لم تعد تجرؤ على توزيع منشوراتها، ولعل أبرز دليل على ذلك مجلة الثقافة المغربية التي أصدرتها وزارة الثقافة منذ عدة أشهر؛ فهي غير موجودة في السوق، بالرغم من البروبغاندا التي أقيمت من أجلها.
إنها تعمل بذلك الحديث القدسي الذي يقول إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين؛ فمن خلال التجربة، بات من المؤكد أن الألف نسخة من الكتاب التي يتم توزيعها عادة في مختلف المدن المغربية، كبر شأنها أم صغر، تكاد ترجع بكاملها من حيث أتت، وفي حالة متردية فوق ذلك، وبالتالي يكون من الأفضل الاحتفاظ بها في علبها داخل الأقبية المظلمة، سالمة معافاة، عوض تعريضها للشمس وللغبار وللأيادي الآثمة.
يكون علينا إذن انتظار المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء الذي يعقد مرة في السنة، على مدى أسبوع واحد، لأجل البحث بين رفوفه عن كتب علمنا بصدورها منذ عدة أسابيع وشهور دون أن نعثر عليها في أماكنها المعهودة، وهي المكتبات بطبيعة الحال.
من بين أطرف الأشياء، وبها سأختم، أننا قد نطلع على إعلان عن صدور كتاب ما على صفحات شبكة التواصل الاجتماعي، من طرف صاحبه، نرى الغلاف بأعيننا، زاهيا يكاد ينطق من الحسن، على صدره عنوانه وجنسه واسم مؤلفه، وفي ما بعد نتأكد من أن الكتاب لم يصدر قط، بل لم يتم تأليفه أصلا، وأن صاحبه أراد أن يبلغنا بأنه لا يزال موجودا بيننا، حيا يرزق، وأنه لم يعد يهمه أن يستمر في التأليف ما دام يعلم أنه سواء ألف أم لم يؤلف، الأمر سيان؛ ففي النهاية لا أحد سيذهب للبحث عن كتابه الجديد لكي يقرأه.

عبد العالي بركات

[email protected]

Related posts

Top