منذ أن دعا جلالة الملك محمد السادس، في خطابه السامي بتاريخ 8 أكتوبر 2021، إلى وضع “ميثاق تنافسي جديد للاستثمار”، بدأ العمل من أجل تنزيل هذه الرؤية الملكية “بأقصى سرعة ممكنة”، والتي يتمثل هدفها الأساسي في دعم دينامية الاقتصاد المغربي.
وفي هذا الصدد، تمت المصادقة على القانون الإطار 03.22 بمثابة ميثاق الاستثمار خلال المجلس الوزاري بتاريخ 13 يوليوز 2022 ثم في البرلمان بتاريخ 29 نونبر، ونشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 12 دجنبر، قبل اﻟﻤﺼﺎدﻗﺔ ﻋﻠﻰ مرسومه التنفيذي المتعلق بتفعيل الأحكام الرئيسية والاستراتيجية ﺧﻼل ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻤﻨﻌﻘﺪ ﺑﺘﺎرﻳﺦ 26 ﻳﻨﺎﻳﺮ 2023.
وانطلقت حينها سلسلة من المشاورات بين الحكومة والجهات المؤسساتية المعنية والجهات الفاعلة في القطاع الخاص بغية وضع اللمسات الأخيرة على ميثاق الاستثمار الجديد والكشف عن الخطوط العريضة الأولى لمقتضياته.
وفي 3 مارس الماضي، استكملت الحكومة الترسانة القانونية المتعلقة بتفعيل نظام الدعم الأساسي للاستثمار ونظام الدعم الخاص المطبق على مشاريع الاستثمار ذات الطابع الاستراتيجي بالتوقيع على عدة قرارات تحدد شروط حصول المستثمرين على منح.
ويضم ميثاق الاستثمار الجديد، في محوره الأول، أربعة أنظمة لدعم الاستثمار، بما فيها نظام دعم أساسي واحد وثلاثة أنظمة دعم خاصة موجهة لمشاريع الاستثمار ذات الطابع الاستراتيجي وللمقاولات الصغرى والصغيرة والمتوسطة، ولتشجيع المقاولات المغربية على التواجد على الصعيد الدولي.
ويقدم نظام الدعم الأساسي للاستثمار ثلاثة أنواع من المنح التي يمكن الجمع بينها في حدود 30 في المائة من مبلغ الاستثمار، وهي خمس منح مشتركة ومنحة ترابية واحدة ومنحة قطاعية واحدة. وتعد أهلية الحصول على هذه المنح مشروطة باستيفاء أحد المعيارين المحددين بدقة.
وللاستفادة من منح نظام الدعم الأساسي، يتعين على المستثمر الانخراط في مشروع استثمار يساوي أو يفوق مبلغه الإجمالي 50 مليون درهم بالإضافة إلى خلق ما لا يقل عن 50 منصب شغل. وينص معيار الأهلية الثاني على خلق ما لا يقل عن 150 منصب شغل قار.
وعند استيفاء أحد المعيارين، يحق للمستثمر الاستفادة من مختلف منح الدعم التي تقدمها الدولة، وذلك بما يتماشى مع المعايير الخاصة بكل واحدة منها.
ويتم تخصيص المنح المشتركة الخمسة للاستثمارات تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية وأهداف النموذج التنموي الجديد والبرنامج الحكومي.
القيمة المضافة لميثاق الاستثمار الجديد
يسجل المغرب واحدا من بين أعلى معدلات الاستثمار في العالم، حيث يمثل 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام، مقابل متوسط عالمي يبلغ قرابة 20 في المائة. ورغم ذلك، فإن الاستثمار الوطني يفتقر إلى النجاعة، حيث تبلغ حصة استثمار الدولة ثلثي إجمالي الاستثمار مقابل مساهمة القطاع الخاص بالثلث فقط.
وتعزى هذه الوضعية أيضا إلى عدم توجيه الاستثمار الخاص بشكل كاف نحو القطاعات المدرة لمناصب الشغل وللقيمة المضافة. ومن هذا المنطلق، تبرز أهمية ميثاق الاستثمار الجديد.
ويتمثل الهدف الرئيسي للميثاق في عكس معادلة الاستثمار الخاص والعام، ليشغل القطاع الخاص الثلثين، أي 350 مليار درهم بحلول سنة 2035 وليحظى الاستثمار العمومي بالثلث، وذلك بناء على التزام قوي من جانب السلطات لفائدة المقاولات من حيث الضرائب أو العقار أو الولوج إلى الطلبيات العمومية أو تبسيط الإجراءات الإدارية.
وبحلول سنة 2026، تهدف الحكومة، بموجب هذا الميثاق المدعوم من القطاعين الخاص والبنكي، إلى تعبئة 500 مليار درهم من الاستثمارات الخاصة وخلق 500 ألف منصب شغل، من أجل ضمان اتساق التزامات مختلف الجهات الفاعلة.
خارطة طريق تأخذ بعين الاعتبار جميع الرهانات
يجسد ميثاق الاستثمار الجديد مقاربة شاملة في إطار السعي لتحقيق أهداف التنمية السوسيو-اقتصادية التي سطرتها المملكة في أفق سنة 2026، ويأتي استكمالا للإصلاحات الحديثة، بما فيها رؤية سنة 2035 التي رسمها النموذج التنموي الجديد.
وتهدف خارطة الطريق الجديدة، التي تحمل شعار الاستثمار، إلى تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المغربي من خلال مجموعة من التدابير الفرعية المتعلقة بتحسين مناخ الأعمال وبمبدأ الحكامة الرشيدة.
وإلى جانب طابعه الاقتصادي، يسعى ميثاق الاستثمار الجديد إلى أن يكون بالأساس شاملا، ويروم قبل كل شيء وضع الآليات اللازمة والكفيلة بتمويل الأوراش الكبرى للدولة الاجتماعية التي يطمح المغرب إلى إرسائها.
ومن خلال وضع تدابير ملموسة وشاملة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، فإن الرؤية الجديدة للاستثمار، التي توفر إطارا قانونيا شفافا ومحفزا للمستثمرين، تسعى لضمان نمو مستدام من خلال العمل، بشكل متساو، على إدماج كل من العنصر البشري والبعدين الترابي والاقتصادي.