منذ الإعلان عن تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا بالمغرب، تم وضع خطة وطنية لمحاربة الفيروس والحد من انتشاره بالمملكة، والتي من ضمنها الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية لمدة شهر، من 20 مارس الماضي إلى 20 أبريل الجاري.
انخرطت جميع مكونات المجتمع المغربي في محاربة هذا الوباء، غير أنهم وجدوا أنفسهم يحاربون أيضا، الإشاعة والأخبار الكاذبة وبعض الفيديوهات التي تسيء إلى الجسم الأمني والصحي.
فطيلة هذه الأيام، أصبحت تطل علينا بعض الصفحات في الفيسبوك، والكثير من القنوات في موقع اليوتيوب التابعة لبعض المواقع الإلكترونية غير القانونية، ب”لايفات” (البث المباشر) وفيديوهات توثق لعمليات تدخل السلطات العمومية في الشارع العام، بصورة فضائحية باسم ممارسة العمل الصحافي، الذي هو بريء منهم ومن الصفة التي ينتحلونها.
وأثارت هذه الفيديوهات موجة من الانتقادات وسط الزملاء الصحافيين في المهنة، الذين ينتقدون أصحابها والسلطات العمومية التي تتسامح معهم في بث حملاتهم على المباشر، وتسجيلها في موقع اليوتيوب، وتقاسمها في الفيسبوك، وكذا تطبيق التواصل “الواتساب”.
وتثير هذه الفيديوهات، العديد من المشاكل بالنسبة للسلطات المحلية التي في اعتقادها أنها تتواصل مع المواطنين، لاسيما خلال بعض التدخلات التي تثير حنق الرأي العام المغربي، والتي تتفاعل معها وزارة الداخلية بفتح تحقيقات مع رجال السلطة والأمن.
ويطالب العديد من المشتغلين في المجال الإعلامي بتشديد المراقبة على جميع منتحلي صفة صحافي، من خلال سهر السلطات المحلية على مطالبة كل الأشخاص ببطاقة الصحافة المهنية للمجلس الوطني للصحافة.
غير أنه بالرغم من نشر كل هذه الفيديوهات الفضائحية والمفبركة، فضلا عن الأخبار الزائفة والشائعات، أصبح الرأي العام المغربي يتعاطى معها بحزم من خلال رفض مضمونها، والتبليغ عنها لدى إدارة اليوتيوب والفيسبوك، وكذا وضع شكايات لدى النيابة العامة في الموضوع.
وثقافة الرفض والتشكيك في المعلومات والفيديوهات التي يتم تداولها، أصبح قبولها من طرف الرأي العام صعبا، من خلال التحقق من مصدرها، فضلا عن انتقاد طريقة معالجة النص والصورة، وهو ما جعل العديد من المواقع الإلكترونية شبه الصحافية منبوذة ومرفوضة بسبب تطفلها على مهنة الصحافة.
ونتيجة هذا الهروب من المواقع التي تنسب نفسها إلى مهنة الصحافة، أصبحت وسائل الإعلام الجادة سواء الصحافة المكتوبة أو الالكترونية أو المرئية والمسموعة، تجد إقبالا من طرف الرأي العام المغربي الذي يتقاسم أخبارها، باعتبارها وسائل تتعاطى مع الأخبار بموضوعية، علاوة على تحليها بالمصداقية في معالجة كل المواضيع التي لها صلة بفيروس كورونا.
وبحسب العديد من الممارسين في المجال، فإن جائحة كورونا، ميزت الغث من السمين، كما أنها فضحت بعض المنتسبين إلى المهنة والمنتحلين للصفة، لاسيما وأن باقي الصحافيين أبانوا عن مهنيتهم في التعاطي مع كل الأخبار التي تهم فيروس كوفيد-19، من خلال السهر على إنجاز روبورطاجات ميدانية، وحوارات مع مسؤولين ومختصين في مجال الصحة.
ويشتكي الجسم الصحافي من الدخلاء على المهنة، المنتحلين لصفة صحافي ببطائق مزورة لا علاقة لها بالبطائق التي يصدرها المجلس الوطني للصحافة باعتباره المؤسسة الدستورية التي تشرف على المجال الإعلامي بالمغرب، أو من خلال وضع سترات للصحافة غير قانونية أو “ماكارون” للصحافة في السيارات بالرغم من أن الشخص لا علاقة له بالمجال الإعلامي.
خرافات وتأويلات
وفي هذا الإطار، سبق للمجلس الوطني للصحافة أن أصدر بلاغا صحافيا، عقب تسجيل العديد من حالات الإصابة بالفيروس بالمغرب، دعا كل وسائل الإعلام فيه إلى الانخراط في الدفاع عن صحة المغاربة من خلال التوعية والتحسيس.
وطالب المجلس بضرورة الالتزام بميثاق أخلاقيات الصحافة، الذي تمت المصادقة عليه من طرف المجلس، والذي يتضمن كل القواعد والمبادئ المهنية والأخلاقية، التي ينبغي أن تكون السلوك اليومي في العمل الصحافي، والتي يجب استحضارها في معالجة ومتابعة تطورات
انتشار الوباء، لتجنب الأخطاء المحتملة.
وأدان لجوء بعض المواقع الصحافية، إلى المتاجرة بموضوع وباء كورونا، من خلال نشر تسجيلات تروج للخرافة وتبخس المعطيات العلمية حول المرض، بهدف تحقيق نسب أعلى من المشاهدة، معبرا عن رفضه أيضا، لنشر بعض المواقع لصور وهويات الأشخاص الذين يخضعون للفحص.
وانتقد المجلس الوطني للصحافة طريقة تعاطي بعض المواقع مع جائحة كورونا، من خلال تقديم تأويلات وتفسيرات وحكايات عن المؤامرات، بعيدة عن ما هو علمي، وهدفها تجاري محض، يتعارض مع العمل الصحافي، شاجبا هذه الممارسات التي يهدف من ورائها إلى تحقيق أرباح بشكل غير مشروع، بالبحث عن النقرات، وعدد المشاهدات.
وفي الوقت الذي تشتغل فيه مجموعة من هيئات التحرير بخطة مدروسة وبرنامج عمل مضبوط، من خلال تخصيص اجتماعات منتظمة لتقييم الوضع وتبادل المعطيات، تعمل مواقع أخرى بشكل عشوائي وغير مهني، وهو ما يساهم في نشر وتوسع الفيروس وليس الحد منه، وذلك عن طريق نشر الأخبار الكاذبة والسماح لبعض الأصوات غير المسؤولية بالإدلاء برأيها في مجال الصحة بتقديم وصفات بعيدة كل البعد عن لقاحات الفيروسات الفتاكة.
ومن هذا المنطلق، شدد المجلس على التصدي للأخبار الكاذبة والإشاعات والخرافات والتفسيرات غير العلمية، بمضاعفة الجهود والمشاركة في حملة التحسيس والتوعية، للوقاية من الوباء واتخاذ الاحتياطات الصحية والاجتماعية الضرورية للحد من انتشاره.
دليل الصحافيين
من جانبها، أصدرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية دليلا مهنيا للصحافيين والمؤسسات الإعلامية، لمساعدة الصحافيين على مواكبة جائحة كورونا قبل انتشار الفيروس بهذا الحد، والذي يتضمن مبادئ أخلاقيات المهنة الواجب اعتمادها أثناء التعاطي المهني مع هذا الوباء.
ويتضمن الدليل الذي أعدته النقابة محورين، الأول يتعلق بكيفية التعامل مع وباء كورونا من الناحية المهنية، أما الثاني فيهم شروط السلامة للصحفيين الذين ينزلون إلى الميدان ويحلون بالاستديوهات والبلاطوهات للمساهمة في التوعية.
ودعت النقابة في الدليل، الصحافيين إلى القيام بتغطية مسؤولة، عبر استخدام عدد أقل من أحكام القيمة في التقارير، واستخدام الصور بعناية لتجنب نشر رسالة غير مناسبة، فضلا عن شرح الإجراءات الوقائية لجعل المقالات أقل رعبا.
وذكر الدليل، أن التحليل الإحصائي أقل إثارة للخوف من القصص الفردية، مشددا على ضرورة تجنب العناوين المثيرة مع محاولة الإبداع في العرض التقديمي للمقالات، مؤكدة على اتباع ميثاق أخلاقيات المهنة الصادر عن المجلس الوطني للصحافة، باعتبار ذلك من بين شروط التغطية المسؤولة.
وبخصوص المصادر المرتبطة بالوباء، أكد الدليل أن المصدر الوحيد في وضعية الوباء هو وزارة الصحة، مشيرا إلى أن المعالجة الإعلامية التي ستحيط بالجوانب التوعوية والاجتماعية والاقتصادية يكون هدفها الإخبار بدقة وحياد.
والمحور الثاني، يتعلق بشروط السلامة الواجب اتخاذها أثناء العمل بالميدان، حيث اعتمد الدليل على الإرشادات التي نشرتها لجنة حماية الصحفيين، لتغطية أحداث فيروس كورونا.
كما دعا الدليل المؤسسات الإعلامية، إلى الالتزام بتوفير مستلزمات التعقيم والنظافة في أماكن العمل وتوفير معدات السلامة، وكذا تنظيم العمل للصحافيين للقيام بعملهم عن بعد وتوفير شروط التنقل الصحية للمكلفين بالتغطية الميدانية.
وأخيرا، أبانت العديد من وسائل الإعلام المغربية عن حسها الوطني، المتمثل في التعبئة الوطنية الشاملة، منذ الإعلان عن دخول أول حالة إصابة إلى البلاد، استنادا إلى تنظيمها لحملات تواصل عامة وهادفة، بكل الوسائل المتاحة، الحديثة والتقليدية، المكتوبة والسمعية البصرية والمصورة، لنشر ثقافة الوقاية والاحتياطات الصحية، من أجل أن تصل إلى مختلف فئات الشعب، في كل الأحياء والقرى، وبين كل الأعمار والطبقات الاجتماعية.
يوسف: الخيدر تصوير: أحمد عقيل مكاو