عندما نعاين الكم الهائل من الملتقيات الثقافية والفنية التي تقام بكيفية متواترة خلال الفترة الصيفية بالخصوص، ربما يكون من غير المنطقي السؤال عن الدخول الثقافي مباشرة بعد انتهاء هذه الفترة الزمنية من السنة.
الحركة الثقافية لا تتوقف، اعتبارا لأنها مرتبطة بوتيرة الحياة، ولأنها تعطي معنى لهذه الحياة في حد ذاتها. لا يمكن تصور مدينة سياحية، سواء كانت شاطئية أو جبلية أو صحراوية، بدون تنشيط ثقافي؛ فهذا النوع من الأنشطة يعد مكملا، وتزداد الحاجة إليه في هذه الفترة، حيث تنشط الحركة السياحية، الداخلية و الأجنبية على حد سواء.
ليس اعتباطا ربط التنشيط الثقافي بالتنمية الاقتصادية، بالنظر لما يحققه من رواج على مختلف المستويات.
هناك العديد من المدن المغربية التي ارتبطت بتظاهرة ثقافية معينة، تقام في هذه الفترة بالذات من كل سنة. ومن هذه المدن من لها تاريخ عريق في التنشيط الثقافي الصيفي، من قبيل مدينة السعيدية، وحاليا تحتضن مدينة أصيلة موسمها الثقافي السنوي الذي يمكن اعتباره من أعرق التظاهرات الثقافية التي تقام في هذا الفصل من السنة، ولعل ما يميز هذه التظاهرة أنها تجمع بين التنشيط الفني والموسيقي والعروض الفكرية ذات الطابع الأكاديمي، وهناك مدن تركز اهتمامها على فن معين، قد يكون ذا طابع فولكلوري، من منطلق حرصها على الحفاظ عليه من الاندثار، وقد تكون له صبغة عصرية بهدف تطويره والعمل على انتشاره.
على العموم، لا يمكن تصور مرور فصل الصيف دون تنشيط ثقافي. قد يكون ذلك على امتداد فترته الزمنية التي تبتدئ مع منتصف هذا الشهر، وتنتهي في أواخر شهر غشت؛ ليتم الانشغال بمواعيد سنوية أخرى، ذات وتيرة مختلفة.
من الملاحظ أن العديد من اللجان التنظيمية للتظاهرات الثقافية الصيفية، تفضل إقامة أنشطتها في الهواء الطلق، وإضفاء طابع كرنفالي عليها – إذا صح القول- اعتبارا لأنها تتوجه إلى فئة معينة من الجمهور، هي فئة السياح – تحديدا- التي تقصد هذه المدينة أو تلك، ليس فقط من أجل شمسها وشواطئها وكثبان رمالها الصحراوية.. بل كذلك بطبيعة الحال، رغبة في التزود بالمعرفة المرتبطة بحياتها الثقافية والفنية والحضارية، وطبعا يبقى السبيل لتقديم هذا المنتوج هو إقامة تظاهرات ومهرجانات ومعارض وما إلى ذلك.
أغلب الجمعيات والمنظمات التي تضطلع بمهمة التنشيط الثقافي في هذه الفترة الصيفية على الأقل، تحصل على دعم محترم من طرف الدولة، وبالتالي من المفروض أن يكون عملها في مستوى تطلعات الجمهور بمختلف فئاته، وان لا تخذله، من هنا يكون من الضروري تقييم ودراسة حصيلة نشاط كل جهة منظمة على حدة، وفي ضوء ذلك يمكن الاستمرار في تقديم الدعم لها أو سحبه منها، من أجل الرقي بمستوى أنشطتنا الثقافية، وإن كانت ذات بعد سياحي أكثر من أي شيء آخر.
عبد العالي بركات