الموسيقي والموسيقار

في برنامج حواري بإذاعة طنجة، بث ليلة الثلاثاء الأخير، أثار انتباهي إصرار ضيف البرنامج على اعتبار أحد المطربين المغاربة فنانا وليس موسيقارا، ودخل في شد وجذب مع محاوره، واتفقا في الأخير على أن لكل واحد نظرته الخاصة إلى هذا الفنان أو ذاك.
الفنان الذي تم سحب صفة الموسيقار عنه هو عبد الوهاب الدكالي، لم تشفع له تجربته الطويلة في الميدان الغنائي لحنا وأداء، بأن يحظى بصفة موسيقار من طرف ضيف ذلك البرنامج الإذاعي. بدا أن الأمر لا يعدو أن يكون غيرة الفنانين في ما بينهم، سيما عندما يستشعر أحدهم أنه أقل مستوى من الآخر الذي تم استحضاره باعتباره نموذجا.
لكن ما الفرق بين الموسيقي والموسيقار؟ هل هذا الأخير أقل شأنا من الأول؟
ألح علي هذا السؤال كثيرا، سيما عندما ارتأى ضيف ذلك البرنامج الإذاعي على اختيار اسم من خارج المغرب لتقديمه باعتباره النموذج الذي يستحق حمل صفة موسيقار.
ألم ينجب بلدنا طيلة المسار الفني شخصا يستحق بالفعل حمل صفة موسيقار؟
اصطف أمامي شريط طويل من الوجوه الفنية المغربية التي مارست فن الموسيقى وقدمت إضافات لا يستهان بها: أحمد البيضاوي، إبراهيم العلمي، عبد الوهاب الدكالي.. وآخرون كثيرون، ألا يستحق أي واحد منهم حمل صفة موسيقار عن جدارة؟
لقد حظيت أعمال هؤلاء وغيرهم بإعجاب قطاع واسع من الجمهور، داخل الوطن وخارجه، بالنظر إلى تفرد إبداعاتهم الغنائية، من حيث اللحن والأداء، على حد سواء.
منذ عقود عديدة تخلصت الأغنية المغربية العصرية من التأثر بالفنانين المشارقة: رياض السنباطي، بليغ حمدي، محمد عبد الوهاب.. وغيرهم.
لقد صارت للأغنية المغربية العصرية هويتها، سيما بعد أن تم الالتفات إلى ما يزخر به تراثنا الموسيقي من مقامات والنهل منه. جرى توظيف بعض إيقاعات هذا التراث في العديد من الإنتاجات الغنائية المعاصرة، مما أضفى عليها التميز والفرادة.
وبطبيعة الحال، فإن هذه الإنتاجات كان وراءها مبدعون مغاربة، غير أن ضيف البرنامج الإذاعي الآنف الذكر، لم يجد بينهم من يستحق حمل صفة موسيقار.
ليس ضروريا أن يصل إنتاجك إلى أبعد نقطة في هذه الجغرافيا الكونية، لكي تكون أهلا لأن ينادونك بالموسيقار.
يكفي أن تقدم إضافات نوعية جديرة بتلقيها، ثم قبل هذا وذاك، فالنعوت والصفات تظل مجرد تسميات لا تقدم ولا تؤخر، وما يهم في النهاية هو المنتوج الفني في حد ذاته، هل هو جيد أم لا؟ هل صاحبه أتى بجديد أم أنه لا يعدو كونه يجتر ما أتى به الفنانون الآخرون أو ما أتى به هو نفسه.
لعل النبرة التي تصدر عند نطق كلمة موسيقار، وهي نبرة تحيل على الفخامة والأبهة، هي ما تجعل كل من ينعت بالموسيقار يبدو أكبر شأنا من الموسيقي أو من أي فنان آخر يشتغل في ميدان الموسيقى.
بعيدا عن النعوت والصفات المجانية، في المغرب فنانون موسيقيون، جديرون بهذه التسمية، وهذا يكفي.

< عبد العالي بركات

Related posts

Top