سلاما يا بيروت…

بيروت منكوبة، حزينة، موشحة بالحداد والسواد…
بيروت، منذ مساء أول أمس، تلخص غضبنا كلنا، صدمتنا كلنا، حزننا كلنا، ورفضنا الجماعي للهمجية…
وقع انفجار مخزون مفرقعات في مرفأ المدينة، تهشمت واجهات المباني وانهارت الشرفات واشتعلت سيارات وشاحنات، وبلغ الخراب مقرات صحف ووسائل إعلامية وإدارات ومؤسسات مختلفة ومنازل…
صدم أهل بيروت، انتشرت الجثث في أكثر من جهة، قتل العشرات وجرح المئات، وفي دقائق صارت المدينة العاشقة منكوبة والتحفت سماؤها بالسواد.
صدم العالم جميعه من هول ما أصاب بيروت، وساد الحزن كل الأمكنة والنفوس، وجرى إعلان الحداد وحالة الطوارئ، وتولت السلطات العسكرية شؤون المدينة، وانطلقت أبحاث وتحقيقات الأجهزة الأمنية في خلفيات وسياقات وأسباب ما وقع، وتحولت مدينة الروح والحياة والشعراء إلى خراب وتيه، وكأن المدينة سرقت من المدينة…
لقد سبق أن كتب عبيدو باشا، خلال اجتياح بيروت صيف عام 1982، كلمات وإبداعا لحنهما وغناهما الرائع مارسيل خليفة، وهي أغنية بكلمات قليلة وبسيطة ترسم صورة الحزن الجميل المغلف بالسواد الذي في عيون بيروت وشوارع بيروت وبحر بيروت…
هي بيروت، التي صدت دائما الغزاة ومنعتهم عن أبوابها وقلبها، وتواجه اليوم همجا من هذا الزمان…
نذكر مما كتبه عبيدو باشا بلهجة أهل البلد:
«…..
بيروت مدينة
سودا وحزينة
بيوتا بيوت بعيدة
وشوارعها عيون
وبحرا بحر ملون
بلوان جديدة
وعفر الطرقات أرضا
عفر الطرقات مدينة
سودا وحزينة
سودا وحزينة… 
وسوادك يا بيروت
بدو قمر فضي
وسوادك يا بيروت 
بدو صوت يودي…
……..»
المدينة المثقلة بالتاريخ والرمزيات، وقصص الأدباء والفنانين، ومغامرات كل الهاربين، وحكايات البهاء والألفة، والمتناقضات، تقيم لنا ولكل الإنسانية خيمة حداد، ويلفها الحزن والبكاء.
ومع ذلك، يمسك الكثيرون بروح بيروت، يقبض العديدون على عناد المدينة وصمودها وإصرارها، مذ كانت، على الحياة…
نتذكر الأصدقاء هناك، نتذكر ما منحته بيروت لجميعنا من آداب وفنون ومعرفة وإلهام…
نذكر ونعيد قراءة محمود درويش ونزار قباني وبيروتياتهما، نذكر مارسيل خليفة وكل الرائعين الآخرين…
نقرأ القصيدة ونغني ونعيد ترديد النشيد…
«عند الفجر عند الفجر، نختتمُ القَصيدة
ونرتِّب الفوضى على درجات هذا الفجر
بوركت الحياةُ
وبورك الأحياءُ
فوق الأرض
لا تحت الطغاة
تحيا الحياة!
تحيا الحياة!»
سلاما يا بيروت…»

< محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

الوسوم , ,

Related posts

Top