التقرير الذي عممه منذ أيام المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول السلامة الصحية للمنتجات الغذائية يفضح كثير مخاطر تتهدد غداء المغاربة وصحتهم وسلامة ما يستهلكونه يوميا، ويجعلنا كلنا نضع أيادينا على قلوبنا.
يكفي فقط أن نقرأ، وقد ورد ذلك أيضا في تقارير سابقة، أن ثمانية مجازر فقط تتوفر على ترخيص يجعلها مطابقة للمواصفات الصحية، أي أقل من 1% من عدد المجازر الموجودة بالمغرب.
ويكفي أن نعرف أنه جرى الترخيص لسبعة وعشرين مجزرة دواجن فقط، في مقابل وجود أزيد من خمسة عشر ألف محل ذبيحة غير مصرح به (الرياشات)، وأن فقط: 8% من لحوم الدجاج المعدة للاستهلاك تأتي من وحدات خاضعة للمراقبة، أي أن 92% من أصل 570 ألف طن تم إنتاجها مثلا عام 2018 في وحدات غير مهيكلة.
ونضيف إلى هذا ما نعاينه يوميا عبر الوجبات الغذائية المعروضة في كل الشوارع، وأيضا ظروف وطريقة عرض الخضر والفواكه..
ألا تستدعي هذه المعطيات وحدها ترتيب المسؤوليات واعتبار ما أوردته تقارير رسمية بهذا الخصوص فضيحة حقيقية تتطلب المحاسبة؟
منذ 2015 كان تقرير لمنظمة الصحة العالمية قد نبه، من جهته، إلى وجود عدد من الاختلالات الكبرى على صعيد السلامة الصحية للمنتجات الغذائية بالمغرب، وكان في سياق ذلك قد لفت إلى امتلاك المغرب نظام مراقبة محكم بالنسبة للمنتوجات الموجهة للتصدير، لكن مع الأسف لا يوجد الحرص ذاته تجاه السوق المحلية، أو لحماية صحة المستهلكين المغاربة، وهذا التمييز نفسه يطرح مشكلة قانونية وأخلاقية ويستدعي ترتيب المسؤولية.
إن الغذاء الصحي والآمن يعتبر حقا كونيا لكل البشرية، وفِي الدستور المغربي أيضا هناك السند الذي يؤكد على ذلك، ومن ثم الأمر ليس قضية بسيطة أو عابرة، وإنما يتعلق بفضيحة حقيقية، وبتهديد لصحة المغربيات والمغاربة.
التقرير الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في إطار الإحالة الذاتية، جاء تحت عنوان: “من أجل سياسة عمومية للسلامة الصحية للأغذية، تتمحور حول حماية حقوق المستهلكين وتعزيز تنافسية مستدامة للمقاولة على الصعيدين الوطني والدولي”، وقد نبه إلى وجود مشاكل في حكامة هذا القطاع، وهو ما يمنع المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية من القيام بمهامه وممارسة كامل سلطاته.
اليوم لدينا عديد وزارات ومؤسسات معنية وتتدخل في هذا المجال، لعل أبرزها وزارة الفلاحة، ولكن أيضا هناك وزارة الصحة ووزارة التجهيز ووزارة التجارة والصناعة ووزارة الداخلية والجماعات المحلية، وهذا يجعل مهام التنسيق والمراقبة مستعصية على أرض الواقع، وتنجم عن ذلك اختلالات تنظيمية، ما يترك، على أرض الواقع، صحة المواطنين معرضة لمخاطر حقيقية جراء تشتت المسؤولية بين قطاعات ومؤسسات عديدة ومتنوعة، وكل منها يتكئ على الآخر لإنجاز المطلوب، وفِي النهاية لا أحد يقوم بأي شيء.
بعد أن يتم افتحاص هذا الواقع اليوم ورصد الخلل وتحديد المسؤوليات، يجب الانكباب على تغيير هذه المنظومة بكاملها، وذلك بما يسمح بوجود مؤسسة قادرة على المراقبة وفرض سلطتها على مستوى القطاع، وأن تمتلك الإمكانيات الضرورية للعمل، بما في ذلك الصلاحيات، وأيضا أن تستند إلى هيئة علمية ومهنية متخصصة ومؤهلة، وأن تعمل ضمن منظومة مندمجة وناجعة تختلف عن السائد اليوم.
من جهة أخرى، لا بد أيضا أن يشمل التغيير المطلوب تقوية وتمتين البحث والتطوير المتصلين بهذا المجال الحيوي، والسعي للتحكم في استخدام المدخلات الكيميائية والأسمدة ومبيدات الآفات الزراعية، والتي، برغم ضرورتها أحيانا، فهي تستوجب التحكم والتأطير والمراقبة بغاية الحد من تأثيرها على البيئة، وعلى صحة المستهلكين.
وفِي السياق ذاته، لا بد أيضا من توسيع مجالات التواصل والتوعية والتحسيس لفائدة المستهلكين والفلاحين والمنتجين، واستثمار وسائل الإعلام والمدرسة ومنصات التواصل الاجتماعي وتقنيات الرقمنة، لتطوير ثقافة الوقاية والاحتياط وسط شعبنا، وتعزيز التعاون مع جمعيات حماية حقوق المستهلكين واستثمار تجاربها على هذا المستوى، وبالتالي تعبئة كل الإمكانيات المتوفرة لحماية واقعنا البيئي وحفظ صحة شعبنا.
إن ظروف “كوفيد – 19” هذه الأيام كشفت أمامنا كلنا الحاجة الملحة للانتباه إلى ما نستهلكه كأغذية، وأن نسعى إلى الاهتمام، فرديا وجماعيا، بسلوكنا الغذائي والصحي، ولهذا فمسؤولية الدولة والسلطات المعنية أكبر بهذا الخصوص، وذلك لكونها مسؤولة عن الترخيص والمراقبة، ولها سلطة ومسؤولية حماية صحة المغاربة وسلامة غذائهم، وأمنهم الغذائي والصحي.
ما كشفه تقرير CESE، وتحدثت عنه تقارير أخرى من قبل، وتنقل فضائحه يوميا الصحف الوطنية، يعتبر فضيحة حقيقية، ويدق كل أجراس التنبيه والتحذير حوالينا، ويستدعي انكبابا عاجلا من طرف السلطات لتغيير هذا الواقع الذي يهدد يوميا صحة شعبنا، ولا يشرف صورة بلادنا.
< محتات الرقاص