نصوص مغربية وعالمية من أدب الوباء

واكب الإبداع الأدبي في مختلف مراحله الزمنية، المحطات الكبرى التي تمر بها البشرية، ومن بين هذه المحطات بطبيعة الحال، الوباء أو الجائحة، وما ينتج عنها من جوانب سلبية وإيجابية كذلك. في هذه النصوص نجد الذات والمجتمع في صراع مع عدو غير مرئي، وتلك هي سر قوته وطغيانه. من خلال حلقات هذه السلسلة إذن، نقف على عينة من النصوص الإبداعية المغربية والعالمية ومدى تفاعلها مع الوباء، حاضرا وماضيا على حد سواء.

الحلقة -1

كورونا في الطائرة

< بقلم: صقر حبوب *

بالطائرة المتجهة إلى منطقة الوباء، الكل يرتدون الكمامات الواقية، إلا أنا… كنت حرا طليقا. أفكر بتلك الوجوه الصفراء والقامات القصيرة كأسراب نمل، تعجز جيوش سليمان عن تحطيمها، ومدى اجتهادهم بالعمل حتى أصبحت منتجاتهم تغزو العالم بأثره. كمن يطلب أثرا بعد عين تحضرني تلك المظاهرات للطلبة بـ«ساحة تيانانمن» ومدى تشدد السلطات هناك في وأد حرية التعبير لتدعس الدبابات على أجسادهم العارية.
أخذت أعطس لتهيج الغشاء المخاطي، فيندفع الهواء من أنفي وفمي بقوة مصحوبا بصوت صاخب، مسموع للجميع..
أحدث نفسي:
(يبدو أنني قد أصبت بالإنفلوانزا لتغير الطقس بين المناطق التي أتنقل بينها). – نعم هو ذلك الفيروس اللعينأتت المضيفة بتهذب ولباقة شديدين تقول لي:
– سيدي من فضلك ارتد الكمامة متعجبا رددت:
– الكمامة لا داعي لها! فقط أحضري لي عصير الليمون الساخن.
تحدثت بلغة لا أفهمها ومضت إلى حال سبيلها. من حولي تكثر الهمهمات وكأنني ألمح الأفواه متسائلة من خلف سواترها، ليرد وجهي عليهم (فقط الإنفلوانزا). بالكرسي المجاور عن يميني سائحة أجنبية، تتصفح جوالها وتجلس بانحناءة شبه متعمدة، لتعطيني نصف ظهرها الأيسر، ألمح بطرف عيني المرهقة والتي تحول لونها إلى الحمرة جراء البرد الشديد تلك الجملة باللغة الإنجليزية
«Corona symptoms» والتي تعني (أعراض كورونا).تلتفت إلي برأسها مع المحافظة على تلك الإنحناءة، تنظر إلى وجهي، تقف مذعورة، تطلب من المضيفة استبدال كرسيها بآخر بعيد.من قبل كنت أستمتع بركوبي الطائرة فأنا دائم التجوال والسفر، ودائما ما يختار لي صديقي السيد «محمد عيد» والذي يعمل بالمطار موقعا مميزا بجوار النافذة، وبعيدا عن ضجيج المحركات فمن خلال ذلك المقعد «A6» أشاهد تلك السحب الكثيفة والبحار الشاسعة ورمال الصحراء الناعمة. وأقضي الوقت بين مشاهدة التلفاز والاستماع إلى الموسيقى، وتلاوة القرآن، فأنى يطاوعني النوم على ارتفاع عشرة آلاف قدم؟عشر ساعات بالطائرة ولم نصل وجهتنا بعد، ما يسلب متعتي تلك المرة هو ذلك الصداع الشديد والذي أرده لاختلاف الضغط على ذلك الارتفاع الشاهق وتلك الإنفلوانزا اللعينة التي أدت إلى نفور الجميع مني.
عطسات شديدة تسرق حتى تلك الإغفائات المتقطعة، ارتفاع في درجة حرارة جسدي، أمني النفس بكأس الليمون الساخن والأقراص المسكنة… حتى تلك المضيفة اللبقة، المهذبة لم تعد لي من حينها. أخيرا حان موعد الهبوط، يأتي صوت الربان بضرورة ربط الأحزمة، مع التنبيه على صاحب المقعد
.«A6»
بالالتزام بمقعده لحين مغادرة جميع الركاب، الكل يهرول بالنزول، يضعون أيديهم ذات القفازات فوق أفواههم المكممة، يولون الأدبار مني، ألمح من النافذة تحركات مريبة بالخارج لطواقم طبية وقوات أمن، أربعة أشخاص يتجهون صوبي، بملابس جلدية بيضاء وأقنعة، خلتهم أشباحا بأحلام يقظتي، يحملون أجهزة يقومون برشي من خلالها بمطهرات كيميائية تكاد تصيبني بالإغماء، لم أعد قادرا على التنفس، قاربت دماغي على التليف، وكأنني جرثومة بشرية اقتادوني إلى الحجر الصحي.
هناك اطمأنت السلطات لأمري حينما تيقنوا أني عربي مكمما للفم منذ الولادة.

< إعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top