في التقرير التاسع لمرصد «عيون نسائية»

اختار المرصد المغربي للعنف ضد النساء “عيون نسائية” موضوع “نساء فقيرات ضد العنف”، كمحور لتقريره السنوي التاسع، حول العنف ضد النساء.
التقرير الذي تم إعداده بناء على حالات العنف المرصودة من قبل جمعیات تناضل ضد العنف بكل من مدن الحسیمة، طنجة، وزان، المضیق، مارتیل، شفشاون، العرائش، بني ملال، الدار البیضاء، وأكادیر.. جاء تقديم خلاصاته متزامنا مع الحملة العالمية لمناهضة العنف ضد النساء، ومع إعادة فتح النقاش العمومي حول مشروع قانون مناهضة العنف ضد النساء 103-13، المعروض حاليا على مجلس المستشارين.
وأوضحت الناشطة والباحثة نجاة الرازي، التي قدمت، عن المرصد، خلاصات التقرير ضمن ندوة صحفية، يوم الجمعة الماضي، بالدار البيضاء، أن الفقر يشكل في ذات الوقت “شرطا ونتيجة للعنف الممارس على النساء”، بحيث تعد وضعية الهشاشة التي تعيشها الكثير من المغربيات محفزا ومشجعا لممارسات الأشخاص المعنِّفين لهن. كما أن تلك الممارسات كثيرا ما يكون لها المزيد من الآثار السلبية، اقتصادية واجتماعية، على النساء المعنَّفات، مما يساهم في استمرار دوامة الفقر والعنف التي تدور فيها هذه الفئة.
وبالأرقام، يكشف التقرير أن النساء المعنفات اللواتي تمكن من الوصول إلى مراكز الاستماع التابعة للجمعيات في المدن المذكورة هن نساء “فقيرات في غالبيتهن، يقطن سكنا غير لائق، ولا يتوفرن على موارد دخل مستقل”، إذ تقيم 38.93% منهن في سكن صفيحي أو من غرفة واحدة، و60.03% منهن هن ربات بيوت عاطلات ولا يتمتعن باستقلالية اقتصادية. أما النساء اللواتي صرحن بممارستهن لنشاط اقتصادي فهن في غالبيتهن عاملات بسيطات (16.50%) أو عاملات منازل (9.01%). ونسبة كبيرة منهن (42.88%) لا يتوفرن على سكن أسرة مستقل، بل يقمن مع عائلة الزوج أو عائلة الزوجة.
ويضيف التقرير أن معظم النساء موضوع التقرير هن شابات تتراوح أعمارهن بين 18 و38 سنة (64.48%)، و155 امرأة من بينهن أقل من 18 سنة فيما يفوق عمر 37 امرأة معنفة 60 سنة. كما أن نسبة كبيرة من النساء المعنفات هن متزوجات (54.87%)، وأمهات لأطفال (90.27%) ومنهن من يتجاوز عدد أطفالها ستة (4.28%).
وسجلت كل من نجاة الرازي، والمحامية والناشطة خديجة الروكاني التي أدارت الندوة الصحفية، أن إصدار التقرير التاسع لمرصد عيون نسائية صادف تراجعا في حماية النساء من العنف وترديا لأوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية، تجلى في ارتفاع معدل البطالة في أوساطهن، وانتشار الفقر المؤنث، وغياب الحماية بشكل أصبح يعرض النساء لارتفاع الاعتداءات الجنسية والجسدية في الفضاءات العامة، ويصل إلى حد تعريض حياتهن للخطر، كما وقع لنساء باب سبتة، ولنساء جماعة بولعلام بإقليم الصويرة.
وأضافتا أن استمرار ارتفاع نسب العنف الممارس على النساء يعد امتحانا مستمرا لحقوق الإنسان بالمغرب ويسائل بحدة الفاعلين المؤسساتيين حول ضرورة الحد من الظاهرة ومن معاناة النساء اللواتي يواجهن كافة أشكال العنف في جميع الفضاءات العمومية وداخل الأسرة، خاصة في ظل استمرار تعقيد مساطر المحاسبة وإفلات مرتكبي العنف من العقاب، بل كثيرا ما تكرس المساطر سلطة مرتكبي العنف على ضحاياهن. وأوردت الرازي في هذا الصدد حالة امرأة معنفة ومطرودة من بيت الزوجية أرجعها القضاء إلى بيت الزوجية فكان جزاؤها القتل من قبل الزوج المعنِّف.
ويرسم التقرير واقعا قاتما وقائما للعنف ضد النساء، بحيث سجلت مراكز الاستماع، خلال سنة 2016، توافد 4603 امرأة معنفة، 6 منهن فارقن الحياة خلال نفس السنة في جرائم قتل، وواحدة منهن أقبلت على الانتحار. وبلغ عدد أعمال العنف المرتكبة ضد هؤلاء النساء، حسب مرصد عيون نسائية، 14 724 أفعال عنف من جميع الأشكال، يتصدرها، في التصنيف، العنف النفسي بنسبة 41 بالمائة، يليه العنف الجسدي بنسبة 34 بالمائة من الحالات، ضمنها حالات احتجاز (241 حالة)، واعتداءات وصلت إلى محاولة القتل (246 حالة) والقتل بـ 6 حالات. وسجل التقرير حالات عنف اقتصادي بنسبة 10.91 بالمائة، يعد الحرمان من النفقة أبرز مظاهره بسبة 35% من مجموع الحالات، ثم يليه الطرد من البيت بنسبة 17% (277 حالة).
كما رصد التقرير تعرض النساء للعنف الجنسي بنسبة 4.22% من مجموع الحالات، مسجلا أن أعمال العنف الجنسي كثيرا ما تظل محاطة بالكتمان، وتسبب أضرارا جنسية وجسدية ونفسية واجتماعية فادحة، لكن يتعذر إثباتها وتغيب التدابير الخاصة والمناسبة لمعالجتها وتتبعها.
وتطرق التقرير، أيضا، إلى حالات العنف القانوني، حيث سجل 1419 ممارسة تضررت منها النساء المعنفات. واعتبر أن أحكام النفقة تعد من أبرز مظاهر العنف القانوني، إذ بلغت حالات التضرر منها 439 حالة، بنسبة 3.094%.
ومن مظاهر العنف القانوني التي تواجهها النساء المعنفات كذلك، وخاصة المطرودات من بيت الزوجية، الصعوبات المتعلقة بإثبات الزوجية والنسب، ومشاكل التبليغ والتنفيذ، ومشاكل تمدرس الأبناء والحصول على الوثائق الإدارية الخاصة بهم، وأحكام الرجوع إلى بيت الزوجية، وأحكام النفقة وسكن المحضون، وغيرها من المساطر التي ما تزال النساء تجد صعوبة في الولوج إليها ومتابعتها، وكذا في الولوج إلى الخدمات الاستشفائية والتكفل الطبي بهن كمعنفات. وفضلا عن ذلك، أكد التقرير أن العنف الممارس على النساء يخلف آثارا نفسية مدمرة عليهن وعلى أطفالهن، وأخرى اقتصادية واجتماعية وصحية، تزيد من شعورهن بالضعف وإهدار كرامتهن، وتساهم في معاناتهن بشكل أكبر من الفقر والهشاشة.  
واعتبر التقرير، في خلاصاته، أن استمرار انتشار العنف ضد النساء يرجع كذلك إلى غياب سياسة عمومية في مجال مناهضة العنف ضد النساء، وغياب إرادة فعلية في النهوض بأوضاعهن، وفي إقرار المساواة بين الجنسين. وأوصى بجعل العنف ضد النساء قضية شأن عام، ومعالجتها باعتبارها أولوية في الاستراتيجيات والميزانيات الحكومية. كما دعا إلى ملاءمة القوانين، وإخضاع قانون مناهضة العنف ضد النساء 103-13 لمراجعة جذرية وشاملة وكذلك القانون الجنائي، ومراجعة مدونة الأسرة بإلغاء المقتضيات التمييزية ضد النساء، وتفعيل تدابير الوقاية والحماية، وضمان مجانية الفحوصات والشهادات الطبية للنساء ضحايا العنف، وضمان المساعدة القضائية لهن، وإعفائهن من أداء الرسوم القضائية.

> سميرة الشناوي

****

مغربيات يواجهن الموت والعنف في معبر باب سبتة

نددت حكيمة الناجي، عن جمعية السيدة الحرة للمواطنة وتكافؤ الفرص، بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ولحقوق النساء على وجه الخصوص، التي يعرفها ما أسمته بـ «معبر الذل» في باب سبتة، وهو المعبر الذي يعتبر مسرحا لوفاة عدد من النساء المعروفات بـ «الحمالات» خلال التدافع الذي يرافق عبورهن وهن عائدات من سبتة.
وانتقدت الفاعلة الجمعوية، خلال الندوة التي نظمها مركز عيون نسائية يوم الجمعة الماضي بتنسيق مع جمعية السيدة الحرة، لتقديم تقريره السنوي حول العنف ضد النساء، التعتيم الكبير الذي تنهجه السلطات ووسائل الإعلام العمومية حول الظاهرة، مما يؤكد، حسب قولها، عدم وجود إرادة سياسية في حل المشكل، خاصة في ظل استمرارية حساسية وضعية مدينتي سبتة ومليلية اللتين مازالتا تحت النفوذ الإسباني. واعتبرت الناجي أن الاتحاد الأوربي غير معفي بدوره من مواجهة هذا المشكل الذي يشكل، كما تقول، «وصمة عار» في جبين جهود التنمية في المنطقة، إذ صنفت تقارير حديثة معبر سبتة في المرتبة السابعة عالميا من بين الحدود التي تعرف أكبر نسبة من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية.
وأكدت الناجي أن 30 ألف شخص يعبرون يوميا «معبر الذل»، أزيد من نصفهم نساء (أكثر من 15 ألف) يتم استغلالهن في أعمال تجارة متوحشة، وتمتهن كرامتهن وتمارس عليهن جميع أشكال العنف والتمييز، وتستلب حقوقهن وعلى رأسها حقهن في الحياة التي يدفعنها ثمنا لدراهم معدودات.
وأضافت الناجي في عرض أكدت أن معظم معطياته مأخوذة من مصادر إسبانية، في ظل التعتيم الممارس على الموضوع من قبل السلطات العمومية المغربية، أن معظم هؤلاء النساء هن حمالات للبضائع التي يتراوح وزنها بين 40 و100 كيلوغرام عند كل عملية عبور، أو ممتهنات جنس أو عاملات منزليات في بيوت سبتة.
ومن بين مظاهر العنف التي تتعرض لها هؤلاء النساء، السلوكات العنصرية من قبل الحرس الإسباني، وإهانة الكرامة والابتزاز والتحرش الجنسي، فضلا عن حرمان النساء عاملات البيوت، اللواتي يصل عددهن إلى 5000 امرأة، حسب مصادر إسبانية دائما، من أبسط حقوقهن الاقتصادية، إذ أن نسبة 80 بالمائة منهن تشتغل دون عقد ودون حماية اجتماعية.
واعتبرت المتحدثة أن حوادث التدافع التي تعرفها المعابر الحدودية في الشمال المغربي، والتي تسفر عن سقوط ضحايا في صفوف النساء الحمالات، تلقي بمسؤوليتها على السلطات – من الجانبين- التي تخلق شروط هذا التدافع ثم تتنصل من المسؤولية السياسية والأخلاقية وراء حوادث القتل التي تروح ضحيتها نساء فقيرات، في كارثة إنسانية تكرس ظاهرة العبودية الجديدة للنساء، وتتجاوز القوانين ومواثيق حقوق الإنسان.
ودعت الناجي كافة المسؤولين على المستويات المركزية والجهوية والمحلية، إلى فتح نقاش جدي ومسؤول حول هذه الظاهرة، يشخص الوضع ويفضي إلى اقتراحات استراتيجية لمواجهته، بحيث تكون المجالس الجهوية والجماعات المحلية في صلب تلك الاقتراحات، بما أنها تعد، حسب المتحدثة، الجهة الأكثر ملاءمة لمعالجة الإشكالية، من خلال توفرها على الإطار القانوني والآليات والإمكانيات اللازمة.

Related posts

Top