إذا أمعنا النظر في واقع البلدان العربية قاطبة، لوجدنا أن ثقافة الصحة والراحة النفسية لا تحظى بالقيمة التي تستحقها أبدا، كما أن الأرقام والإحصائيات غالبا ما تصيبنا بالدهشة..
أحيانا تصبح العناية بالصحة النفسية وتشخيص ندوباتها واضطرابتها أمرا يدعو إلى الخجل. يتحول الشخص الذي يعاني من مرض ما حينما يود زيارة طبيب مختص إلى عميل سري يذهب خفية ويحتاط من أن يقتفي أحد أثره وتصبح وضعيته برمتها سرا كبيرا لا يمكن الكشف عنه. في حين أن الأمر لا يختلف كثيرا عن مرض عاد يتم تشخيصه ليتعالج الشخص وتصبح صحته أفضل.
بدلا من أن نعطي الأولوية لراحتنا النفسية في كل مناحي الحياة، نهمل هذا الجانب الأساس إهمالا كبيرا.
نرهق أنفسنا، ندرس بكد أو نعمل لساعات طوال.. نطمح إلى الارتقاء سريعا، إلى تعلم المزيد وكسب المزيد… نستجيب لرغبات محيطنا الخارجي، لمسؤولياتنا وواجباتنا.. لكن رغبتنا الداخلية لا نعيرها اهتماما، قد تصرخ وقد تستغيث دون مجيب..
نقنع أنفسنا أن الراحة تأتي لاحقا.. حالما نصل إلى تلك المرتبة العليا، نحصل على تلك العلامة المرتفعة ونبلغ ذاك المنصب المنشود.. فننسى أن ننصت إلى ذلك الصوت الداخلي الذي لا يطلب منا سوى لحظات راحة صغيرة وخاطفة، أو ابتعاد عن مكان ضار أو بتر علاقات سامة..
نرهق أنفسنا معتقدين أن تلك الراحة ما هي إلا ميزة مصنفة تحت بند الرفاهيات صعبة المنال. في حين أنها قد تجعل حياتنا أفضل بكثير عن طريق خطوات غاية في البساطة: بذل مجهود أقل وانتقاء محيطنا بعناية..
«الراحة الحقيقية هي أن ترتاح من نفسك، أن تجد ما يشغلك عنها!» إحسان عبد القدوس.
عوامل أخرى قد تعكر صفو راحتنا دون رغبتنا فيطال تأثيرها مزاجنا ثم نفسيتنا. أشخاص يتجاوزون حدودك الخاصة واضحة المعالم ليتوغلوا في حياتك باسم الحرية.. آخرون يلقون باللوم والعتاب عليك من أجل تفصيل يتعلق بك دون أن تربطهم بك أية علاقة .. وغيرهم من يستصغر شأنك ويقلل من قيمتك ليسد فراغات حياته ويشعر بقوة مزيفة..
نتعب وننهك ذاتنا جراء تحملنا للكثير.. نضيع الكثير من الوقت وننسى أن بعض الأشياء لا تستحق منا اهتماما..
وبدلا من ذلك علينا أن ننتبه إلى تلك النفس التي لا تطلب سوى أذنا صاغية تنصت لها.. لكي ننطلق من جديد بقوة وبإيقاع أكبر..
بقلم: هاجر أوحسين
مهندسة طبوغرافية، خريجة معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة