فجرت قضية الطفل المغربي ريان، تعاطفا لا مثيل له، تعاطف كانت له امتدادات، وأصداء عمت كل أرجاء هذا الكون، إلى درجة حيرت معها العديد من علماء الاجتماع، ومختلف الأوساط بتعدد مشاربها، مسجلة حجم هذه التلقائية، وكل هذا الانخراط والدعم والتعاطف الدوليين، والحجم اللافت للمساندة غير المسبوقة في تاريخ البشرية…
إنه البعد الإنساني لحالة طفل ينتمي لعائلة بسيطة تقطن بإحدى الدواوير وسط جبال الأطلس، وجد نفسه فجأة بقاع بئر، لم يخرج منه إلا جثة هامدة، حالة أبكت الملايين الذين حولوا قضيته إلى أيقونة للطفولة داخل المغرب وخارجه، ومناسبة بالرغم من الآلام والأوجاع التي خلفتها، إلى فرصة للمطالبة بحماية الطفولة، وضمان حقها في حياة أفضل.
فقضية الطفل ريان الذي يعيشها حاليا العالم بأسره، أحيى جزء من البعد الإنساني في ضمائرنا، ولعله يكون مدخلا لإنقاذ البشرية التي سقطت منذ زمن في بئر القسوة والأحقاد والصراعات العدمية.
حقيقة ليس ريان أول من زلت به قدمه إلى قاع بئر مظلمة، لكن هذا الطفل المغربي، حجز لنفسه أكبر مساحة ضوء منذ عقود، وتحوّل إلى أيقونة للألم والوحدة والمشاعر الجامعة بين كل الديانات والمعتقدات.
ووسط أجواء الحزن، لابد من التفكير في كيفية استثمار الحالة في الاتجاه الإيجابي، لابد من استغلال كل هذا التعاطف، قصد جعل ذكراه أفضل وسيلة لخدمة أطفال تمورت، وتقديم الدعم والمساندة من أجل إيصال الماء الصالح للشرب لكل دواوير المنطقة، وبناء مدرسة ابتدائية تحمل اسم “ريان” الشهيد الذي كان يستعد لدخول أول موسم دراسي له، مع تخصيص مرافق لعب الأطفال، حتى لا يضطر أقرانه للعب بجانب الآبار والأماكن الخطرة، التي عادة ما تهدد حياتهم وسلامتهم، أضف إلى ذلك جمع التبرعات لفتح طرق قصد فك العزلة وتسهيل التنقل، وغيرها من المتطلبات الضامنة لحياة كريمة…
والأكيد أن كل هذه المتطلبات التي لا غنى عنها، في حاجة إلى موارد مالية مهمة، وهنا نستحضر بعض المبادرات الإنسانية لرياضيين وفنانين، وبعض المؤسسات، والتي نحييها بكثير من التقدير والإشادة.
لكن لابد من تسجيل أن هذه المبادرات تعد حتى الآن قليلة جدا، والمطلوب أن تتحرك مبادرات أخرى، خاصة من طرف الذين استفادوا، ويستفيدون من الريع والامتيازات طيلة حياتهم.
فالوطن ينتظر منهم رد الجميل، والمساهمة كل حسب استطاعته في التخفيف من وطاء الحاجة وتأثير الفقر، وحالة الطفل ريان، فرصة لتأكيد على البعد الإنساني والتضامني المفروض أن يتحلى به من استفادوا من خيرات هذا الوطن…
محمد الروحلي