شكلت محكمة النقض، منذ إحداثها غداة الاستقلال، -المجلس الأعلى سابقا -، قمة هرم التنظيم القضائي المغربي، لما لها من اختصاصات وأدوار مهمة، أهمها مراقبة تطبيق القانون من طرف محاكم الموضوع، سواء تعلق الأمر بقوانين الشكل أو قوانين الموضوع، كما تضطلع بدور أساسي في ترسيخ اجتهادات قضائية متقدمة في إطار الدور الذي تضطلع به من أجل تطوير القاعدة القانونية، والتأثير الايجابي على المحاكم الدنيا في اتجاه توحيد اجتهاد جميع المحاكم في كل ربوع المملكة بشكل يحقق الأمن القضائي.
وقد صدرت عن محكمة النقض، في السنوات الأخيرة، قرارات وصفت بعضها بالجريئة، كإقرار سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية، واعتبار إدانة المتهم من أجل الأفعال المنسوبة إليه دون مراعاة لظرف التعذيب البدني الذي طال الضحية يجعل القرار المطعون فيه ناقص التعليل وينزل بمنزلة انعدامه. وفي المجال الصحي، اعتبرت محكمة النقض أن التدخين داخل مقر العمل يعد خطأ جسيما يمكن أن يترتب عنه الفصل، مادام هذا الفعل يشكل إخلالا بقواعد حفظ صحة الأجراء وسلامتهم. وتكريسا للمصلحة الفضلى للطفل، قررت المحكمة عدم الاستجابة لطلب الأم الرامي إلى إسقاط الحضانة، مراعاة للاستقرار النفسي والمدرسي الذي ينعم به الطفل المحضون الذي عبر عن تشبته ورغبته في العيش مع جده الحاضن. وفي مجال مسؤولية الدولة عن الأخطاء المرفقية، قررت محكمة النقض مسؤولية الإدارة العامة للأمن الوطني عن حجزها لسيارة وإيداعها بالمستودع بدون مبرر، معتبرة أن هذا الفعل يعد خطأ مرفقيا موجبا للتعويض عن الضرر المتجلي في الحرمان من استعمال السيارة وتصريف الأمور الشخصية والمهنية والمس بالكرامة.
كما أقرت المحكمة مسؤولية مرفق السكة الحديدية عن الحوادث التي تتسبب فيها القطارات، بسبب عدم اتخاذها الاحتياطيات اللازمة للحيلولة دون تعرض المواطنين لأي ضرر، وبخصوص معايير تحديد المرفق العمومي، اعتبرت محكمة النقض أن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم مرفق عام، وبالتالي تبقى العقود التي تبرمها والقرارات التي تتخذها بمناسبة تسييرها للمرفق المذكور تكتسي صبغة إدارية يرجع اختصاص الفصل في النزاعات الناشئة عنها للقضاء الإداري.
وللوقوف أكثر عن اجتهادات محكمة النقض، سواء في المادة الجنائية، أوالمدنية أو الإدارية، أوغيرها، اختارت بيان اليوم نشر مجموعة من القرارات الصادرة عن هذه المحكمة، تعميما للفائدة.
حكم أجنبي بالتطليق – أثره قبل التذييل بالصيغة التنفيذية
القرار عدد 21
الصادر بتاريخ 14-01-2009
في الملف رقم 177-2-1-2008
باسم جلالة الملك
حيث يؤخذ من وثائق الملف ومن القرار عدد 54 الصادر عن محكمة الاستئناف بوجدة بتاريخ 30-01-2008 في القضية عدد 732-07 أن الطالبة زبيدة ادعت امام المحكمة الابتدائية بنفس المدينة بتاريخ 04-05-2007 أنها كانت زوجة للمسمى امحند بمقتضى عقد الزواج عدد 647 وتاريخ 13-08-1991، وطلقت منه بمقتضى الحكم الصادر بتاريخ 27-07-1999 عن ابتدائية وجدة والقاضي بتذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية، وأثناء العلاقة الزوجية، ازدادت لهما البنت وداد بتاريخ 18-11-1993 ولم تقيد بسجلات الحالة المدنية لوالدها، ملتمسة الحكم بتسجيل البنت وداد المزدادة من أمها زبيدة ووالدها امحند والإبن محمد أمين بسجل الحالة المدنية لهذا الأخير، وأرفقت مقالها بعقد الزواج المذكور وبنسخة من الحكم عدد 2616 وتاريخ 27-07-1999 في الملف رقم 243-99 وبعقد ازدياد البنت وداد مترجم من اللغة الهولندية وبشهادة عدم التسجيل مسلمة من القنصل العام المغربي بأمستردام للإبن محمد محمد أمين وبشهادة ازدياد هذا الأخير مترجمة من اللغة الهولندية. وبعد إجراء البحث وانتهاء المناقشة، قضت المحكمة الابتدائية بتاريخ 24-08-2007 بتسجيل البنت وداد وبعدم قبول الطلب بالنسبة للولد محمد أمين لازدياده بعد الطلاق بسنتين وهوالحكم الذي أيدته محكمة الاستئناف بقرارها المطلوب نقضه بوسيلة وحيدة متخذة من نقصان التعليل وعدم الارتكاز على أساس، ذلك أن الأحكام الأجنبية لا نفاذ لها إلا من تاريخ تذييلها بالصيغة التنفيذية، وبذلك فهي تعتبر زوجة للسيد امحند إلى غاية 27-07-1999 تاريخ صدور الحكم القاضي بتذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية، وخلال الفترة الواقعة بعد صدور الحكم الأجنبي بتاريخ 05-04-1995 وتذييله بالصيغة التنفيذية ازداد الولد محمد امين، حيث كان الطرفان يعتبران متزوجين طبقا للقانون المغربي لأن صدور الحكم الأجنبي بالطلاق لا يمنع الزوجين من المعاشرة الزوجية، والمحكمة لما اعتبرت غير هذا تكون قد جعلت قضاءها منعدم الأساس ويتعين نقضه.
لكن؛ حيث إن العمل القضائي استقر على أن الأحكام الأجنبية الصادرة بالطلاق يسري نفادها ابتداء من تاريخ صدورها، وابتداء من هذا التاريخ يترتب عنها إنهاء العلاقة الزوجية بين الطرفين، وأن تذييلها بالصيغة التنفيذية من طرف محكمة مغربية ما هو إلا وسيلة لجعلها نافذة في المغرب من وقت صدورها، فإذا كانت العلاقة الزوجية بين الطالب والمطلوبة في النقض قد انحلت بمقتضى الحكم الصادر من طرف المحكمة الابتدائية بأمستردام بتاريخ 05-04-1995 فإن آثار هذا الحكم تمتد من تاريخ صدوره لا من تاريخ قابليته للتنفيذ في المغرب، والمحكمة لما قضت بذلك تكون قد جعلت لقضائها أساسا صحيحا مما يجعل الوسيلة بدون أساس.
لهذه الأسباب قضى المجلس الأعلى برفض الطلب.
السيد رئيس الغرفة ابراهيم بحماني والسادة المستشارون: أحمد الحضري مقررا وعبد الرحيم شكري ومحمد ترابي وحسن منصف أعضاء وبمحضر المحامي العام السيد عمر الدهراوي وبمساعدة كاتبة الضبط بشرى السكوني.
القاعدة
الأحكام الأجنبية الصادرة بالطلاق يسري نفادها ابتداء من تاريخ صدورها، وابتداء من هذا التاريخ يترتب عنها إنهاء العلاقة الزوجية بين الطرفين، وأن تذييلها بالصيغة التنفيذية من طرف محكمة مغربية ما هو إلا وسيلة لجعلها نافذة في المغرب من وقت صدورها.
اعداد: حسن عربي