كنت من بين الخبراء الذين كتبوا نص اتفاقية اليونسكو لصون التراث الثقافي غير المادي لسنة 2003

بيان اليوم تحاور الأنثروبولوجي والخبير لدى اليونسكو أحمد سكونتي

اليونسكو تجبر الدول الأعضاء على جرد التراث الثقافي غير المادي الموجود فوق أراضيها

رقصة “تاسكيوين” هي الوحيدة المدرجة في قائمة التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل

كثير من الضجيج يخيم حول موضوع التراث بشقيه المادي واللامادي، أينما حللنا وارتحلنا، أصوات نشاز تفتي في الموضوع حتى في مواقع التواصل الاجتماعي… لا يخجلون من إبداء آرائهم دون كلل أو ملل، وكأنهم خبراء.. بعيدا عن كل هاته الأصوات.. نستضيف في هذا الحوار، صوتا عاقلا، درس الأنثروبولوجيا وحصل على الدكتوراه في فرنسا، قبل أن يرجع إلى المغرب، ويشتغل في مديرية التراث بوزارة الثقافة، ثم كأستاذ للأنثروبولوجيا في المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث. أحمد سكونتي، رجل هادئ، يناقش برزانة، بعيدا عن العاطفة، قريبا من العقل، يعرف ماذا يقول من موقعه كخبير لدى اليونسكو في التراث الثقافي غير المادي. حوار مطول عن التراث ولا شيء غير التراث مع رجل من كبار أهل الاختصاص.

< أنت أستاذ للأنثروبولوجيا في معهد الآثار بالرباط، وأيضا، خبير لدى اليونسكو، هل يمكن أن توضح للقارئ المهام التي تقوم بها بالضبط؟
> بداية، أشكركم على الدعوة الكريمة لفتح هذا النقاش. درست في المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث الذي أحدثته وزارة الثقافة في الثمانينات من القرن الماضي. ثم توجهت إلى فرنسا، حيث حصلت على الدكتوراه في الأنثروبولوجيا من المدرسة العليا للدراسات الاجتماعية في باريس. عدت إلى المغرب واشتغلت مباشرة لمدة أربع سنوات في مديرية التراث بوزارة الثقافة، وتلك كانت بداياتي مع التراث، الذي أصبح الموضوع الأساس للأبحاث التي أقوم بها، والتي كانت تتمحور حول أسئلة عدة: ما هو التراث؟ وكيف يعتبر الناس ممارسة اجتماعية معينة تراثا؟
بعد ذلك، أصبحت أستاذا باحثا في المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث. مهامي ترتكز على تكوين الطلبة في المعهد، خصوصا في شعبة الأنثروبولوجيا، ومهام البحث الميداني في مواضيع تهم البحث العلمي. شاركت كمنسق أو عضو في مشاريع بحث أغلبها اهتم بمواضيع التراث الثقافي والنقوش والرسوم الصخرية والكتابة الأمازيغية القديمة.
بالرجوع إلى مهامي في اليونسكو، فقد أحدثت المنظمة عام 1998 برنامج “روائع التراث الشفهي اللامادي للإنسانية”، ودعت الدول الأطراف في المنظمة لتقديم ترشيحات للإدراج في هذا البرنامج. وهنا بدأت الاشتغال مع اليونسكو، بعد أن كلفني مدير التراث حينذاك، الأستاذ عبد العزيز توري، بالمشاركة في هذا البرنامج، وكان أول ملف قدمه المغرب هو ملف جامع الفنا. اشتغلت حينذاك مع أطر أخرى في وزارة الثقافة، وجمعية أصدقاء جامع الفنا لإعداد هذا الملف سنة 2000، وتم إرساله لليونسكو. وسنة 2001 تم الإعلان عن المجموعة الأولى لروائع التراث الشفهي واللامادي للإنسانية، وكان جامع الفنا من بين 19 من الروائع التي أدرجت في هذا البرنامج. لكن هذا البرنامج أثار انتقادات من بعض الدول الأطراف في اليونسكو، لأنه برنامج اختياري، أي ليس هناك من يجبر الدول على صون التراث الثقافي اللامادي، وليس لديه إطار للتمويل، ومفهوم الروائع في حد ذاته أثار انتقادات من الناحية الأنثروبولوجية، وكان السؤال، ما هي المعايير التي يتم الاعتماد عليها من أجل تحديد “الرائعة” Chef d’œuvre.

< ألهذا السبب اعتمدت المنظمة اتفاقية اليونسكو لصون التراث الثقافي غير المادي لسنة 2003؟
> بالفعل، اليونسكو تخلت على برنامج “الروائع” وقررت وضع اتفاقية لصون التراث الثقافي غير المادي لسنة 2003. ودعت الدول الأعضاء لإرسال مندوبين عنها للمشاركة في الاجتماعات لصياغة اتفاقية 2003، كنت ممثلا للمغرب في الاجتماعات التي انعقدت سنتي 2002 و2003. كما كنت من بين الخبراء الذين كتبوا نص الاتفاقية الذي أصبح الإطار المرجعي لتدبير التراث الثقافي غير المادي على المستوى الدولي.
أغلبية من شاركوا في صوغ هاته الاتفاقية هم أنثروبولوجيون ومتخصصون في القانون واللسانيات، ودبلوماسيون. وكان من الصعب وضع تعريف للتراث الثقافي غير المادي (المادة الثانية)، فبالنسبة لبعض الدول، كان يجب التخلي عن مفهوم “الرائعة” لأنه يضع تراتبية بين عناصر التراث الثقافي التي تعتبر متساوية مبدئيا، ومن هنا تم تبني مفهوم جديد وهو التراث الثقافي اللامادي أو غير المادي. كان هناك حرص على أن تكون خطوط حمراء في تعريف التراث الثقافي اللامادي، بعد تخوف البعض من أن تصبح اليونسكو تعترف بممارسات ضد حقوق الإنسان. لهذا فالتعريف يحرص على ألا يتعارض التراث الثقافي اللامادي الذي يدرج في اليونسكو مع حقوق الإنسان، كتحضير ملف حول الزواج ويدخل فيه زواج القاصرات، أو ملف حول ختان البنات.. كما يجب أن يكون الملف يتسم بالاحترام الواجب للجماعات والمجموعات والأفراد وألا يتعارض مع التنمية المستدامة، مثلا إذا كانت حرفة ما تستنزف مادة أولية معينة..
لأسباب مختلفة، كان هناك تحفظ من طرف بعض الدول الكبرى التي رفضت الانضمام لهاته الاتفاقية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا.. لكن يمكنها دائما أن تنضم إلى هاته الاتفاقية، كمثال بريطانيا التي انضمت السنة الماضية.

< أنت تنحدر من قبائل الرحل، وحتى أطروحتك حضرتها حول هذا الموضوع، ماذا تتذكر عن خصوصية نشأتك في مجال اتسم بالترحال؟
> أنا أنتمي إلى قبيلة من الجنوب الشرقي تدعى “آيت مرغاد”، وهي قبيلة تنتمي إلى اتحادية كبرى تسمى اتحادية “آيت يافلمان” تغطي الأطلس الكبير الشرقي والواحات المحيطة به. وجانب من قبيلة “آيت مرغاد” مستقر، لكن جانب مهم أيضا كان يعيش حياة الترحال، منهم فرقة كانت تنتمي لها عائلتي تدعى “آيت عيسى إيزم”. وكان جدي زيد أوسكونتي هو “أمغار” هاته القبيلة، وقد حاربوا فرنسا لمدة 25 سنة تقريبا من 1908 (معركة بودنيب) إلى أن استسلموا سنة 1933(معركة جبل بادو).
وجوابا على سؤالك، فقد ازددت في الخيمة وبقيت مع أمي رحمها الله إلى أن بلغت سبع سنوات، وقد أقنع أخي الأكبر الذي كان موظفا حينذاك بوزارة العدل في ورزازات والدي، لكي أذهب للدراسة عنده.. كان من الممكن أن تكون لي حياة أخرى لولا القدر.
في الحقيقة، لم أكن واعيا أثناء اختياري لموضوع الرحل في أطروحة الدكتوراه، وحينما كنت أعدها للمناقشة في باريس عام 1995، بدأت أطرح تساؤلات حول ما يترتب عن استقرار الرحل والتغيرات التي تطرأ عليهم من الناحية الثقافية (المادية واللامادية)، وقد أٌجبرت والدتي على الاستقرار سنة 1983، بسبب سنوات الجفاف المتتالية.. كانوا وحيدين دون مساعدات، فاضطر عدد كبير منهم للاستقرار في الثمانينات والتسعينات، بالرغم من أنه ما زال عدد منهم يمارس الترحال إلى اليوم.
وقد ركزت أطروحتي على إشكالية ماذا يحصل لثقافة الرحل بعد الاستقرار، وتبين لي أنهم ظلوا رحلا في ذهنياتهم بالرغم من استقرارهم، على الأقل في الجيلين الأول والثاني. أما الجيل الثالث فتطبع بثقافة المحيط، ويتجلى ذلك في التخلي عن عدد من العادات والتقاليد المرتبطة بالترحال، واللباس، وتصفيفة الشعر لدى النساء المتزوجات التي كانت تدعى “إخربان”وغيرها..

< كيف تتم عملية جرد وترتيب التراث اللامادي خصوصا وأن المملكة المغربية لها تراث غني ومتنوع بتعدد مناطقها؟
> اتفاقية اليونسكو تجبر الدول الأعضاء في المادتين 11 و12 كي تضع جردا للتراث الثقافي غير المادي الموجود فوق أراضيها. وجب الانتباه لهاته العبارة لأنه ليس المقصود منها “التراث الثقافي المغربي” مثلا، إذ يمكن ألا يكون أصله مغربي، ولكن موجود فوق أراضي المغرب، مثلا إذا استقرت جماعات نازحة بالبلاد.. يجب جرد تراث هاته الجماعات لأنه موجود فوق الأراضي المغربية.
الجرد مهم جدا لجمع المعلومات بطريقة منظمة حول التراث الثقافي غير المادي، والعملية غير إدارية بل يجب أن تكون تشاركية يتم الاشتغال عليها مع الجماعات المعنية التي تمارس هذا التراث، ويجب أن تعطي هاته الجماعات المعلومات التي ترضيها بالطريقة التي تعكس تراثها، كما يمكن أن يسجلوا تحفظاتهم فيما يتعلق بمواد الجرد (معلومات معينة أو مقاطع التصوير بالفيديو مثلا).
في نظري، ما زلنا لم ننظم الجرد بالطريقة التي تتماشى مع الاتفاقية، لا من ناحية طريقة جمع المعلومات وإشراك الجماعات المعنية كما سبق الذكر (المادة 15 من الاتفاقية)، وطريقة وضع وتصوير المواد المرافقة (الصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو)، واختيار المعلومات التي ستوضع للعموم وهل تحترم إشراك الجماعات المعنية، أي هل هي موافقة على مشاركة هاته المعلومات أم لا. كما يجب أن توافق الجماعات على الملف الذي يرسل إلى اليونسكو، وتسمى الموافقة الحرة (بدون ضغط) والمسبقة والواعية، ويمكن أن تكون مكتوبة أو عن طريق تصريح بالفيديو.
مسألة أخرى وهي أن الملفات غالبا ما تحضر في شبه سرية، مثلا الناس تفاجئ حينما تسمع أن اليونسكو أدرجت ملفا معينا للمغرب في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي. في حين، يجب أن يعرف المغاربة أن الملف يحضر ويمكن أن يعبر أي مغربي(ة) عن رأيه(ا) في الملف إذا كان يهمه(ها)، حتى إذا كان بالرفض، وهكذا، يكون تسجيل ذلك التراث على القائمة بمثابة ثمرة لعمل جماعي.

< ما هي معايير الإدراج في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي؟
> هناك خمس معايير، أولا أن يكون هذا التراث المرشح يستجيب لتعريف التراث الثقافي غير المادي كما هو وارد في المادة 2 من الاتفاقية، بما فيها الخطوط الحمراء المشار إليها سابقا. ثانيا أن يساهم هذا العنصر في إبراز التراث الثقافي غير المادي على المستوى المحلي والوطني والعالمي. ثالثا أن تكون هناك تدابير لصون هذا العنصر من طرف الدولة بمشاركة وموافقة الجماعات المعنية لتضمن استمراريته. رابعا يجب إثبات مشاركة الجماعات المعنية في إعداد الملف. خامسا يجب أن يكون العنصر مدرجا في الجرد على المستوى الوطني الذي تحدثنا عنه في السؤال السابق. تنبغي الإشارة إلى أن هناك قائمة أخرى تسمى قائمة التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل (اختصار: قائمة الصون العاجل) وكما يدل عليه اسمها تسجل فيها بناء على ملفات ترشيح من الدول الأطراف العناصر التراثية المهددة بالانقراض. ولديها نفس المعيار الأول والرابع والخامس مثل القائمة التمثيلية المذكورة ومعيار ثاني وثالث مختلفين. لدينا في المغرب 14 عنصر مدرج في القائمة التمثيلية وعنصر واحد مدرج في قائمة الصون العاجل هو رقصة تاسكيوين بالأطلس الكبير الغربي.

< ما قصة رقصة “تاسكيوين” المدرجة في قائمة الصون العاجل؟
> الرقصة بالفعل هي الوحيدة المدرجة في قائمة التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل، وأدرجت عام 2017 للحفاظ عليها من الانقراض. وهذا العنصر له الأولوية في قائمة الـ60 ملفا، وتوجد إمكانية الحصول على تمويل لإعداد الملف ولتنفيذ مشروع للصون يمكن للمغرب تحضيره. لكن الدول تتهرب من قائمة الصون العاجل، لأنها تظهر وكأنها لم تستطع الحفاظ على تراثها، بالرغم أن هاته القائمة هي آلية مهمة للحفاظ على تراث ما.
الرقصة تمارس في الأطلس الكبير الغربي من طرف الرجال بالأساس، وتشارك النساء في مرحلة متقدمة من العرض. وهي في الأصل رقصة حربية. هناك من المؤرخين من يرجعها إلى فترة المرابطين والموحدين، وهناك من يربطها بفترة السعديين لأنه يستعمل فيها البارود. وتسجيلها في قائمة الصون العاجل حفز جمعيات في بعض القرى على إعادة إحيائها بعد اندثارها.

< ما هي الخطوات التي يتبعها المغرب لتجهيز ملفه لإقناع اليونسكو بتسجيل تراثه في لائحة اليونسكو؟
> يتم إعداد الملف ومن المفروض أن يكون بصيغة تشاركية بين كل الأطراف المعنية خاصة الجماعات والمجموعات والأفراد الممارسين للتراث المعني، بعد ذلك يوقع عليه ممثل سامي للدولة، يمكن أن يكون الوزير أو الكاتب العام لوزارة الثقافة أو مدير التراث الثقافي. لكن هناك مسألة ما زالت غامضة نوعا ما وهي أن هناك وزارات أخرى يمكن أن تعد الملف، أي ليس بالضرورة فقط وزارة الثقافة، كمثال وزارة الصناعة التقليدية (بالنسبة للحرف)، وهي مسألة غير محسومة.. لا نعرف ما إذا كان يعد الملف بتنسيق بين الوزارتين، أم وزارة الصناعة التقليدية تعد الملف وترسله إلى وزارة الثقافة لترفعه بدورها إلى المندوبية الدائمة للمغرب لدى اليونسكو. ليس هناك إجراء رسمي بهذا الشأن..
بعد ذلك يضع السفير الممثل الدائم للمغرب لدى اليونسكو الملف عند سكرتارية اتفاقية التراث الثقافي غير المادي لدى اليونسكو، ثم تدرس السكرتارية الملف من الناحية التقنية، هل يحتوي على كل الوثائق المطلوبة أم لا، ثم تبرمجه ليحال على هيئة التقييم، لكن نظرا لكثرة الملفات، قررت اللجنة الدولية الحكومية منذ سنوات أن تكتفي باستقبال حوالي60 ملفا في السنة، منها ملفات مقترحة من طرف الدول للإدراج في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي، ومنها أيضا الملفات المقترحة من طرف الدول للإدراج في قائمة التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل، وكذا المشاريع والبرامج المقترحة للإدراج في سجل أجود ممارسة صون التراث الثقافي غير المادي، والتي لدينا تجارب ناجحة فيها مثل مدرسة الصنائع والفنون الوطنية بتطوان وأكاديمية الفنون التقليدية بالدار البيضاء التي أحدثتها وزارة الأوقاف ويمكنها أن تدرج في هذا السجل. ورابعا، المساعدة الدولية، إذ يمكن للدولة الطرف أن تطلب مساعدة مالية من صندوق صون التراث الثقافي غير المادي للقيام بالجرد أو مشاريع صون أخرى.. وبغرض انتقاء الملفات الستين السنوية، الأولوية في الملفات، حسب الفقرة 34 من التوجيهات التنفيذية لاتفاقية التراث الثقافي غير المادي، تكون لملف العناصر التي تحتاج إلى الصون العاجل والترشيحات التي تقدمها أكثر من دولة (أي التراث المشترك) وملفات عناصر مقدمة من الدول التي لديها أقل عدد من العناصر المدرجة في القوائم.

< ما هي الإجراءات التي تقوم بها اليونسكو للحفاظ على هذا التراث اللامادي بعد تسجيله في القائمة؟
> في الحقيقة اليونسكو لا تتدخل في سياسات الدول، ومسؤوليتها، من خلال اللجنة الدولية الحكومية المكونة من 24 دولة طرف منتخبة من داخل الجمعية العامة للدول الأطراف، تقتصر على مراقبة العناصر المدرجة في القائمة عن طريق تقارير تنجزها الدول كل ست سنوات، تعطى فيها معلومات عن تنفيذ الاتفاقية وعن وضعية العناصر المدرجة في القائمة التمثيلية وتقارير كل أربع سنوات حول وضعية العناصر المدرجة في قائمة الصون العاجل.
ويمكن للدولة أن تطلب تمويلا من اليونسكو (من صندوقها الذي يساهم فيه المغرب أيضا)، للحفاظ على تراثها اللامادي إذا لم يكن لديها تمويل وطني، ويتم ذلك عن طريق تحضير ملف لطلب مساعدة دولية بمشاركة الجماعات والمجموعات والأفراد والأطراف الأخرى المعنية.

< هل القوانين كافية لتحصين التراث المعماري من الهدم؟ وما هي الإجراءات التي تتخذها الوزارة الوصية في هذا الإطار؟
> الحماية القانونية مهمة في تدبير التراث المادي، لكنها غير كافية. هناك أمثلة لمعالم تاريخية موجودة ضمن المواقع المرتبة المحمية قانونيا بظهير، لكنها في الواقع لم يعد لها وجود. يجب أن تكون هناك تدابير فعلية من طرف الإدارة والجماعة الترابية المعنية لتتحمل مسؤولية حماية وإدارة الموقع. هناك أيضا نماذج أخرى لمواقع محمية بحماية قانونية ووضعيتها جيدة.
بالنسبة للهدم إذا كان مباغتا فلا يمكن للجهة المسؤولة أن تفعل شيئا والأمر مخالف للقانون، لكن إذا كانت تعرف فيمكنها الاعتراض، حتى ولو كانت البناية في ملكية الخواص، لأنها إذا كانت مرتبة في عداد الآثار، لا يمكن للخواص أن يقوموا بأي تغيير دون موافقة الإدارة. لكن يمكنهم أن يضعوا تصميما للتغييرات التي يريدون إحداثها في البناية، وإذا رأت الإدارة أن هاته التغييرات لا تمس بأصالة البناية فستمنحهم الترخيص للقيام بذلك.

< هناك العديد من المواقع الأثرية في وضعية مزرية، مثلا الجهة المتعلقة بالمدينة الإسلامية بموقع وليلي.. ومجموعة من العمارات ذات قيمة تاريخية ومعمارية، لكنها معرضة للإهمال والهشاشة مثل “قصبة بولعوان”. ما هي المقاربات التي يمكن نهجها من طرف وزارة الثقافة للحفاظ على نظافة وسلامة وأمن هذا التراث؟
> لكي نكون منصفين، يجب أن ننظر إلى النصف الممتلئ من الكأس، الدولة تقوم بمجهودات مهمة لحماية التراث الثقافي المادي (المعالم التاريخية، المواقع الأثرية، المتاحف…)، هناك مجهود وتدابير وتمويل في هذا الإطار.
النصف غير الممتلئ من الكأس هو ما قلته في سؤالك. حينما نرى جرد هذا التراث المادي، نجد أن أغلبية التراث المحمي قانونيا والموضوع في الجرد معروف منذ فترة الحماية، وما تم القيام به بعد الاستقلال متواضع جدا، أي أننا ورثنا عن فترة الحماية أغلب ما تمت حمايته. بعد الاستقلال، كان هناك نوع من الركود عقبه، ابتداء من نهاية التسعينيات، مجهود في حماية عدد من المباني والمواقع في عداد الآثار، وغالبا ما يتم الاعتماد على التسجيل لأنه خفيف من الناحية الإدارية وكذا من ناحية ما يترتب عنه قانونيا. نتكلم هنا عن قانون 22-80 الذي هو بصدد المراجعة في إطار مشروع قانون 33-22.
الدولة أيضا فوضت تدبير أجزاء من التراث لمؤسسات وقطاعات حكومية أخرى أخرى، مثل التراث العسكري الذي تدبره اللجنة المغربية للتاريخ العسكري، والمتاحف التي أصبحت تابعة للمؤسسة الوطنية للمتاحف، والمدارس العتيقة والخزانات التابعة لوزارة الأوقاف.. الدولة اعتبرت أن وزارة الثقافة غير قادرة لوحدها على تدبير كل هذا التراث. والسؤال هنا مزدوج: ما مدى نجاعة تدبير التراث الثقافي اللامادي من قبل قطاعات مختلفة خاصة عندما لا تتوفر على الموارد البشرية المتخصصة وعلى ثقافة تدبير هدا النوع من الموروث؟ ثم ما مصير ما تبقى من المباني التاريخية والمواقع الأثرية بين يدي قطاع الثقافة في زمن مليء بتحديات متنوعة مرتبطة بالحماية والترميم والتهيئة والتثمين، خاصة في ظل تصاعد عدد الزوار والسياح والاستحقاقات الرياضية القارية والعالمية المقبلة؟
خلاصة القول أن ما تحقق مهم جدا وما ينبغي القيام به كثير أيضا. وينبغي إسراع الوتيرة لإدراج أكبر عدد ممكن من المواقع في الجهات، خصوصا بالاشتغال مع الجماعات الترابية وتفعيل الجهوية الموسعة في مجال تدبير الثقافة عامة والتراث الثقافي خاصة، لأن ذلك من شأنه أن يساهم في التنمية المحلية والجهوية.
< هناك تراث موجود في المغرب، ويمكن أن نجده عند جماعات أخرى في بلدان أخرى، أي هو تراث مشترك. من الناحية القانونية، كيف يمكن التعامل مع تجنيس هذا التراث وربطه ببلد ما؟
> في البداية، أحب أن أشير لقراء الجريدة، بأن العبارة التي نسمع “المغرب غني بتراثه”، متداولة في كل البلدان التي زرتها ولو كانت بلدانا صغيرة، وخصوصا حينما نتكلم عن التراث الثقافي غير المادي، لا يجب أن نتصور بأننا الوحيدون الذين نمتلك تراثا غنيا ومتنوعا.. بطبيعة الحال، هذا لا يمنعنا من الافتخار بتراثنا.
ثانيا، من طبيعة التراث الثقافي غير المادي أن يكون مشتركا، لأن الحدود، سواء كانت قديمة أم حديثة بين الدول، تبقى مصطنعة واعتبارية، صحيح من الناحية القانونية هي كذلك، لكن من ناحية التراث والثقافة هناك امتدادات لا تنتهي مع حدود البلد، لذلك غالبا ما سنجد تشابها بين التراث الذي يوجد بين الكثير من الدول. نأخذ كمثال العنصر المدرج في القائمة التمثيلية والذي يسمى “تابيازت”، أي الصيد بالصقر الحر، أظن أنه اليوم وصل إلى 24 دولة كتراث مشترك بينهم، من جنوب شرق آسيا إلى بلجيكا.. ثلاث قارات، إفريقيا وأوروبا وآسيا. طبعا هذا التراث تختلف ممارسته من دولة إلى أخرى. وكخلاصة، إذا تفاهمت الدول فيما بينها فيمكن أن تسجل أي تراث كتراث مشترك، وإذا لم يكن هناك تفاهم، يمكن لكل دولة أن تسجل ملفها لوحدها. وسواء كان خاصا أو مشتركا، فأي تراث فهو مرتبط بالأرض التي تمارس عليها دولة ما سيادتها.
موقع وليلي موجود في المغرب، إذن هو تراث مغربي. العيطة غناء يمارس من طرف جماعات في السهول الغربية المغربية، إذن فهي توجد بالمغرب. من الناحية القانونية، المباني التاريخية والمواقع الأثرية المحمية قانونيا وفعليا لا خوف عليها. التحف الأثرية والإثنوغرافية والفنية المحفوظة في المتاحف العمومية وبعض المتاحف الخاصة تخضع للقوانين الوطنية مثل قانون 22-80 والقانون 19-05 المكمل له وكدا اتفاقية اليونسكو بشأن مكافحة الاتجار غير المشروع في الممتلكات الثقافية (1970). أما التراث الثقافي غير المادي فحمايته قانونيا مسألة شائكة لأنه يصعب إخضاعه للآليات الموجودة في مجال الملكية الفكرية وحماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة. هده الأخيرة مبنية على المبدع الفرد والإبداع الجديد غير المسبوق بينما التراث الثقافي غير المادي مليء بتعابير وممارسات ومعارف ومهارات جمعية ومتوارثة. هناك عمل جاري لإيجاد حلول لهده المسألة التي تهم الدول والجماعات اليوم بين منظمة اليونسكو والمنظمة الدولية للملكية الفكرية. وقد صادق المؤتمر الدبلوماسي للمنظمة الدولية للملكية الفكرية في ماي 2024 على معاهدة بشأن الملكية الفكرية والموارد الجينية والمعارف التقليدية المتصلة. وتهدف بالأساس إلى تأطير براءة الاختراع في مجال الموارد الجينية وحماية المعارف التقليدية المرتبطة بها والتي – أي المعارف – تدخل في التراث الثقافي اللامادي. ولكن أكبر حماية لتراث غير المادي هي الجماعات والمجموعات والأفراد الذين يمارسونه ويلقنونه وخاصة عندما يقومون بذلك في ظروف جيدة. لذلك ينبغي العمل على تحسين الوضع المادي والمعنوي والاعتباري للممارسين كي يستمروا وكي يجلب مجال اشتغالهم شبابا هو بمثابة الخلف الضروري لاستدامة التراث.
< في ظل تشنج العلاقات بيننا وبين الجارة الشرقية، نجد أن هناك احتداما كبيرا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي حول الصراع الهوياتي لأشكال التراث. ما الدور الذي يلعبه أهل الاختصاص اليوم لبناء نقاش عقلاني والحد من كل هذا الضجيج حول الموضوع؟
> يجب مناقشة مثل هاته المواضيع ببرودة دم وبدون تجريح… في التاريخ، هناك أمثلة لدول خاضت حروبا، والآن تعيش في سلم وفي علاقات أخوية مثل فرنسا مع بريطانيا أو فرنسا مع ألمانيا.
كما يجب النظر إلى المستقبل بنظرة أخرى، بالنسبة لي، هاته التشنجات بيننا وبين الجارة الشرقية هي فترة عابرة وستمر سواء طالت أم قصرت، ومصير دول منطقتنا هو التعاون والعيش في السلم وتبادل المصالح. ومن يعبر عن مثل هاته الآراء يمكن أن يظهر وكأنه خائن ولا يدافع عن مصالح الوطن، لكن بالعكس، الدفاع عن مصالح الوطن يمكن أن يكون من باب تهدئة الأوضاع والمناقشة بعقلانية، لأن هناك تراثا مشتركا بيننا شئنا أم أبينا، وكل بلد له خصوصيته. وللأسف، الضجيج يطغى وسط الأصوات العقلانية التي لا نسمعها كثيرا، بالرغم من أن هناك آراء ومقالات يعبر عنها هنا وهناك.
لأهل الاختصاص دور مهم في دراسة التراث والتعريف به. وأعمالهم تبين خصائص هذا التراث بما في ذلك تاريخه ومنطقة تواجده ومكوناته والمهارات الكامنة خلف إبداعه واستمراره… كل ذلك يمكن من تعرية المعلومات الخاطئة المعزولة أو الممنهجة، الفردية أو الجماعية التي يقوم بها البعض لادعاء تملك هذا التراث أو ذاك. لهذا، من المهم تشجيع البحث العلمي عبر برامج تمويل عمومية و/أو خاصة لجرد وتوثيق ودراسة التراث الثقافي والطبيعي بكل مكوناته وفي كل جهات المملكة وإتاحة نتائجه للعموم.

< تشهد بلادنا أوراشا مهمة تخص عمليات ترميم بعض المباني الأثرية والمواقع، فإلى أي حد يتم احترام المعايير المنصوص عليها في المواثيق الدولية المؤطرة لعمليات الترميم ؟
> هناك ميثاق البندقية (Charte de Venise)، ووثيقة نارا (Document de Nara) المدينة الموجودة في اليابان، والتي جاءت بإضافات لميثاق البندقية.
من الصعب القول إنه يتم احترام هاته المواثيق الدولية في الترميم بالمغرب. وربما وقع لنا كما في اليابان، حينما دعت لعقد اجتماع نارا عام 1994، لأنها لم تستطع احترام المواثيق الموجودة مثل ميثاق البندقية، فمثلا اليابانيون حينما يريدون ترميم بناية ما كالمعابد المبنية بالخشب، ليس لديهم مشكل في إزالة الجوانب المهترئة وتعويضها بمواد جديدة، في حين، حسب ميثاق البندقية، عليهم الحفاظ على نفس مواد البناء الأصلية. ويبدو لي أننا نقوم في المغرب تقريبا بما تقوم به اليابان. مثلا حينما نريد ترميم قطع الزليج التي تلاشت ألونها، نعوضها بقطع جديدة. وهذا نقاش مفتوح، هل نترك الزليج المتقادم بدون لون كي يعبر عن تاريخه وآثار الزمن عليه أم نعوضه بقطع جديدة؟ أي هل نعوض القديم بالجديد.. في حين، في أوروبا نجدهم يحاولون الحفاظ على القديم قدر الإمكان، وتعويض المواد القديمة بمواد جديدة يكون في حالات استثنائية. ويجب النظر إلى آثار الزمن على البناية بنظرة إيجابية لأنها مهمة من ناحية قراءتها وفهمها ومنظرها.
أعتقد أن الأمور بدأت تتغير نوعا ما مؤخرا، حينما بدأت تتأسس شركات للترميم والمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بتكوين مهندسين معماريين في مجال ترميم المباني التاريخية، بالإضافة إلى خريجي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث.. وخطاب احترام المواثيق الدولية بدأ ينتشر.. أظن أن الأمور ستتحسن لكن يجب أن يكون هناك نقاش بين المهتمين لتحديد ماذا نريده نحن كمغاربة، هل احترام المواثيق الدولية أم اتباع طريقتنا المتوارثة وتطويرها والاشتغال عليها أم طريقة وسطى بين الاثنين.

< سبق أن قلتم إن هناك ما يسمى باقتصاد التراث حاليا، كيف ذلك؟
> هذا الميدان تطور في 20 إلى 30 سنة الأخيرة. هناك توجه داخل دراسات التراث يهتم بقيمة التراث وسبل الاستفادة منه: (أ) لرفع جاذبية البلدان والجهات والأقاليم، (ب) خلق موارد مالية من مداخيل المباني التاريخية والمواقع الأثرية والمتاحف والمهرجانات والكرنفالات والمعارف والمهارات، (ج) خلق مناصب شغل في مهن التراث. لهذا، ما زالت تلزمنا دراسات في مجال اقتصاد التراث، لتكون لنا صورة واضحة في مساهمة المعالم والمواقع التاريخية والمتاحف والتراث اللامادي في اقتصاد البلاد. ومن خلال هاته الدراسة يمكن الرفع من قيمة هاته المداخيل. من شأن هده الدراسات أن تبين لنا حصة مساهمة التراث الثقافي (والطبيعي أيضا) في الاقتصاد الوطني ونسبة التشغيل التي يحققها. كما يمكن لها أن تدلنا على ذلك الكم الهائل من التراث “النائم” أو “التراث خارج التغطية” الذي لم يتم تحديده وصونه وتأهيله وتثمينه ليرفع من الحصة المذكورة ضعفين أو ثلاثة أضعاف.

< أحدثت اليونسكو ما يسمى بالكنوز البشرية الحية.. هل يمكن أن تعطينا نماذج مغربية في هذا الإطار؟
> بالفعل هو برنامج أحدث في اليابان وضعته بعد الحرب العالمية الثانية، وسمته بالكنوز البشرية الحية سنة 1950، ثم تبعتها كوريا سنة 1962 التي وضعت نظاما مشابها.. شيئا فشيئا بدأ الاهتمام بهاته الآلية، واعتمدتها اليونسكو عام 1993 كآلية للمساهمة في المحافظة على التراث اللامادي (قبل برنامج روائع التراث الشفهي واتفاقية 2003).
هذا البرنامج من الناحية القانونية سهل، إذ تضع الدولة إطارا قانونيا للاعتراف بأفراد بعينهم، كمثال السي عبد القادر الوزاني، صانع أقمشة “البروكار” في فاس (الطرز بخيط الذهب)، وأمثاله كثيرون في كل مجالات التراث الثقافي غير المادي كالرقصات الجماعية والغناء والأدب الشفهي والعروض الفرجوية وفنون الطهي والمعارف المرتبطة بالطبيعة والكون ومهارات الصناعة التقليدية… هذا الشخص الذي يحصل على صفة “كنز بشري حي” هو فريد، لديه معارف بارزة وسط المجموعة التي ينتمي إليها، والناس الذين يمارسون نفس تلك المعارف يعترفون بأنه “معلم”. في إطار هذه المنظومة، تكون لديه واجبات وحقوق، وتساهم في إشهار ما يمارسه من مهارات، مما يذر عليه فائدة مادية، كما تقدم له مساعدة مالية، يمكن أن تكون شهرية أو سنوية، وتمكنه كذلك من الحقوق الاجتماعية المرتبطة بالتقاعد والحماية من المرض.. أما الأساسي في الواجبات، هو أنه عليه الالتزام بتكوين جيل جديد وبتلقينه تلك المعارف، والمساهمة في توثيقها، عن طريق استقبال الباحثين والطلبة ووسائل الإعلام والتعاون معهم. وتكون هناك مراقبة دورية للسلطة الحكومية المعنية، لتتبع التزام هذا الشخص بواجباته. وقد كنت كلفت من طرف مكتب اليونسكو في الرباط ووزارة الثقافة مع فريق مختص في 2009-2010 بإعداد دراسة في الموضوع أرفقناها بمشروع قانون للكنوز البشرية الحية للأسف لم تتم مناقشته بغرض اعتماده. مؤخرا في 2022، بطلب من مكتب اليونسكو بالرباط وقطاع الصناعة التقليدية، قمت بإعداد دراسة مماثلة مرفقة بمشروع قانون خاص بمجال الحرف التقليدية. وللإشارة، فقد أدرج مشروع قانون التراث 33-22 مفهوم الكنوز البشرية الحية ضمن مواده.

“يجب ألا يتعارض التراث الثقافي اللامادي الذي يدرج في اليونسكو مع حقوق الإنسان، مثل تحضير ملف حول الزواج ويدخل فيه زواج القاصرات، أو ملف حول ختان البنات..”

“رقصة تاسكيوين تمارس في الأطلس الكبير الغربي من طرف الرجال بالأساس، وتشارك النساء في مرحلة متقدمة من العرض. وهي في الأصل رقصة حربية”

“الدولة فوضت تدبير أجزاء من التراث لمؤسسات وقطاعات حكومية أخرى.. لأنها اعتبرت أن وزارة الثقافة غير قادرة لوحدها على تدبير كل هذا التراث”

“الشخص الذي يحصل على صفة “كنز بشري حي” هو فريد، لديه معارف بارزة وسط المجموعة التي ينتمي إليها، والناس الذين يمارسون نفس تلك المعارف يعترفون بأنه (معلم)”

< حاورته في مراكش: سارة صبري

Top