المتابعون لشأننا السياسي الوطني وحياتنا الحزبية سجلوا ما عرفه حزب التقدم والاشتراكية في الفترة الأخيرة من دينامية تنظيمية وإشعاعية وتواصلية في العديد من جهات المملكة، فضلا عن اتخاذه عددا من المواقف والقرارات، جعلته يحضر في المشهد السياسي والانتخابي كفاعل ليس بلا أهمية.
بغض النظر عن النتائج الانتخابية والسياقات المفضية إليها، وعن حجم المقاعد ومراكز الترتيب، يقر المحللون والمؤرخون الموضوعيون أن حزب التقدم والاشتراكية، باعتباره من أعرق القوى السياسية في بلادنا، امتلك دائما صفات تكاد تكون”جينية”تميزه عن سواه:
– التقدم والاشتراكية نجح باستمرار في التواجد والبقاء برغم مختلف الضربات والإرباكات التي استهدفته، وبرغم تحولات العالم وتبدل موازين القوى.
– التقدم والاشتراكية أصر دائما على استقلاليته، ورفض الذوبان أو أن يفرض عليه الأفول والاختفاء والتواري إلى الخلف.
– التقدم والاشتراكية واظب دائما على التواصل مع الرأي العام الوطني وإعلان موقفه من مختلف القضايا والإخبار بها، ولم يتوقف عن ذلك حتى أثناء زمن الجائحة، حيث بقي يصدر بلاغات أسبوعية عقب اجتماع قيادته السياسية وتداولها.
– التقدم والاشتراكية ارتبط دائما بإنتاج الأفكار والرؤى والاقتراحات، وبالتالي عرف بما قدمه للنقاش العمومي من تصورات وبرامج في مختلف المجالات طيلة عقود.
– التقدم والاشتراكية، وفضلا عن كل ما سلف، بقي دائما ممسكا بمقاربة عقلانية تقوم على”التحليل الملموس للواقع الملموس”، وتنتصر للمصالح العليا لبلادنا وشعبنا، وترفض المغامرة والشعبوية والتطرف وكل الالتباسات الأخرى.
كل هذه التميزات أعلاه، لا تسعف مثل هذا الحزب دائما ليحقق النجاح الانتخابي الميداني الملائم، وذلك اعتبارا لسياقات العمليات الانتخابية كما ألفتها بلادنا، وما تفرضه سوسيولوجيتنا الانتخابية، وهو ما بدأ الحزب يسعى لتغييره منذ سنوات، ويحقق بشأنه بعض الخطوات الإيجابية…
ولكن في مقابل هذا التشخيص الواقعي التاريخي، فإن الأحزاب السياسية القوية ليست فقط هي التي”تحصد”المقاعد الانتخابية في مختلف الاقتراعات، وليست فقط التي تتصدر النتائج والرتب، ذلك أن الاكتفاء بهذا لا يضمن الاستدامة والقدرة الحقيقية على التأثير والتأطير، ولا يحول الحزب المعني، بالضرورة، إلى فاعل سياسي ومجتمعي.
الأحزاب تكتسب قوتها من خلال ما تقدمه للبلاد من أفكار ورؤى وحلول ومخارج، خصوصا في مراحل الأزمات والصعوبات، ومن خلال ما تنتجه من أدبيات ومواقف، ومن خلال ما تمارسه فعليا من تأطير وحضور يومي وسط الناس، وأيضا من خلال ما يميزها من مصداقية تاريخية ووطنية وسياسية، وما تستطيع القيام به من أعمال الوساطة والتعبئة، والسعي لإحداث الأثر.
قد تنجح بالفعل بعض القوى في مراحل معينة في كسب الانتخابات، كما تجري في واقعنا المحلي، وذلك عبر الاعتماد على فعاليات محلية أو أموال أو ارتباطات عائلية وقبلية أو ضغوطات إدارية أو مصالح نفعية محدودة، ولكن من الصعب النجاح في إدارة البلاد والخروج من الأزمات وإحداث الانفراجات الضرورية من دون امتلاك الرؤى والبرامج والأفكار والأطر، ومن دون مصداقية سياسية ونزاهة أخلاقية ووضوح كامل في النظر لمستقبل البلاد…
وترتيبا على ما سبق، فقد بقي حزب التقدم والاشتراكية دائما يستطيع”النزول”إلى الميدان، والإعلان عن مواقفه بلا حرج أو تردد، ولم تمنعه من ذلك مختلف المواقع، كما لم تحد كل الضربات والاستهدافات التي شملته من ذلك، ولكنه كان كل مرة”ينبعث”ممسكا بإصراره ومصداقيته واستقلاليته، ويعلن عن وجوده، وعن تطلعه للمستقبل.
اليوم أيضا يمشي التقدم والاشتراكية واثقا نحو المستقبل، ويطور ديناميات تواصلية وتنظيمية وانتخابية وإشعاعية وسياسية لتمتين تموقعه القادم ضمن المشهد السياسي والمؤسساتي والانتخابي، وذلك ليستطيع تقوية فعله الوطني، باعتباره حزبا وطنيا يساريا تقدميا حداثيا يمتد عمره لما يقارب ثمانية عقود، وعرف دائما بانتصاره أولا للوطن.
محتات الرقاص