الجزائر.. الحضور الأفريقي الباهت

هل في حوزة الرئيس الجزائري المؤقت، عبدالقادر بن مصالح، شيء يقدمه إلى الأفارقة في القمة الأولى روسيا- أفريقيا التي بدأت أشغالها في مدينة سوتشي الروسية الأربعاء 23 أكتوبر الجاري وانتهت يوم 24 منه؟ ثم ما هو جدوى المشاركة الجزائرية في هذه الندوة أصلا في الوقت الذي تشهد فيه البلاد هزة عنيفة شاملة تنذر بنهاية درامية على المستوى السياسي والاقتصادي معا، وتحيط بشرعية الجهاز الحاكم حاليا عدة علامات استفهام؟
وفي الواقع فإن النظام الجزائري ليس له أي دور محوري له فرادته وتأثيره في أفريقيا على مستوى العلاقات الثنائية، أو ضمن صيغة الاتحاد الأفريقي، لأن الجزائر لا تحتل أي موقع اقتصادي أو ثقافي أو سياحي في العمق الأوروبي رغم رفع هذا النظام للشعارات الجوفاء التي لا نجد لها أثرا في الواقع الأفريقي الرسمي أو الشعبي. وهنا نتساءل ما هي هذه الإمكانيات الثقافية والعلمية والاقتصادية التي تملكها الجزائر والتي يمكن أن تمارس بواسطتها تأثيرا إيجابيا يخول لها أن تكون لاعبا أساسيا في القارة السمراء باستثناء التبعية للنظام الرأسمالي المتوحش الذي ترفضه معظم بلدان أفريقيا، وغياب الاستقرار في داخل البلاد في ظل استمرار الحراك الشعبي الذي يرفض وجود هذا النظام أصلا؟
الملاحظة الأولى التي ينبغي أن تسجل في هذا الخصوص تتمثل في أن موقف الجزائر ضعيف في هذه القمة لأسباب كثيرة وهي نتيجة لكون النظام الجزائري عاش على ذلك التراث القديم الذي ربط الجزائر بأفريقيا في عهد الكفاح الوطني ضد الاستعمار الفرنسي، ولكن ذلك التراث لم تتجدد دماؤه حيث لم يبق منه الآن سوى بعض الأصداء الشاحبة التي يكاد يطويها الزمان.
وفي هذا السياق ينبغي التذكير بأنه في بداية استقلال الجزائر سعى الرئيس الراحل هواري بومدين إلى دعم النشاطات الثقافية الجزائرية – الأفريقية، ولتحقيق ذلك بادر بعقد الأسبوع الثقافي الأفريقي في الجزائر غير أن تلك المبادرة كانت حدثا يتيما حيث لم يتجسد في ذلك الوقت في مؤسسات ثقافية وإعلامية وروابط ودور نشر وفرق مسرحية ومراكز ترجمة الإنتاج الثقافي والفكري ذات طابع مشترك. وأكثر من ذلك فإن تلك المبادرة اختزلت في ما بعد في استغلال النظام الجزائري لمواقف بعض الدول الأفريقية واستخدمها كورقة ضغط في الأزمات الإقليمية بشكل براغماتي مكشوف.
أما في المرحلة التالية لوفاة بومدين فقد قام الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد بكسر أبرز القيم التي ناضلت من أجلها قارة أفريقيا طوال عهود الاستعمار الغربي مثل مشروع فك الارتباط مع موروث النظام الاستعماري ومختلف أبنيته الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. والأدهى أن الجزائر قد تورطت في عهد بن جديد في رمي المجتمع الجزائري بين مخالب الجانب المظلم والعدواني من الرأسمالية المستوردة من أوروبا، وجراء ذلك تراكمت المديونية وغرقت البلاد في مستنقع التبعية لصندوق النقد الدولي وترتب على ذلك هتك أسلوب الإنتاج الأفريقي الذي كانت الجزائر تنتمي إليه ثقافيا وتنظيما اجتماعيا وسلوكا أخلاقيا.
زيادة على ذاك فإن حلم إنشاء قطب مغاربي موحد يكون نواة لبناء معمار القطب الأفريقي المؤثر اقتصاديا وثقافيا وسياسيا قد ذهب أدراج الرياح. في ثمانينات القرن الماضي حاول اتحاد الكتاب الجزائريين، خارج أطر النظام الجزائري، أن يؤسس لبدايات الانفتاح على الفضاء الأفريقي ولقد تحقق بعض من ذلك في صورة ندوة الحوار الثقافي العربي/ الأفريقي التي انعقدت بالجزائر في فترة 1982-1983، وفي تبادل وفود الكتاب والأدباء، وفي التنسيق داخل اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا ولكن هذه المحاولات لم تتطور إلى تأسيس جبهة ثقافية أفريقية موحدة، كما لم يتحقق مشروع إدراج الإنتاج الثقافي والفكري والفني في المناهج التعليمية الجزائرية والأفريقية. ولقد حصل هذا جراء انعدام إرادة سياسية للدولة الجزائرية في هذا المجال، فضلا عن فقدان الدعم المادي والأدبي في الميدان العملي من طرف وزارة الثقافة بشكل خاص ووزارات الإعلام والخارجية والتعليم بكل أنماطه إلى جانب غياب فعاليات مؤسسات المجتمع المدني بشكل عام.
رغم هذه الإخفاقات المتتالية وجدنا النظام الجزائري يروج لصورة زائفة عنوانها الكبير أن الجزائر تحتل مكانا مرموقا في العمق الأفريقي، غير أن الواقع يدحض مثل هذه المزاعم، وما يؤسف له أن الدبلوماسية الجزائرية في علاقاتها بأفريقيا، سواء في ظل الرؤساء السابقين لعبدالعزيز بوتفليقة أو في عهده، لم تتأسس على الوازع الثقافي والفكري، وعلى مشروع التنمية الحديثة المشتركة مع بلدان أفريقيا. ونتيجة لذلك فإن جميع الملحقين الإعلاميين والثقافيين والاقتصاديين الجزائريين لم يحققوا شيئا يذكر سواء في مجال الثقافة والفكر والفن أو في مجال الاستثمار المتبادل يمكن مقارنته، مثلا، بحجم ثمار العلاقات الفرنسية-الأفريقية أو البريطانية-الأفريقية، أو الصينية-الأفريقية راهنا.
والخلاصة هي أن مكانة الجزائر في القارة الأفريقية في ظل النظام الجزائري بمختلف مراحله بعد وفاة هواري بومدين تتميز بأنها باهتة، ومن المستحيل أن يأتي أحد من بطانة هذا النظام ليبرهن على عكس هذا خاصة أن الوقائع تثبت يوميا أن الدول الأوروبية والغربية والصين ما فتئت تقصي الجزائر من تشكيل أي حضور جدي في الفضاء الأفريقي. علما أن فرنسا تسيطر على الجزء الأفريقي الفرنكفوني اقتصاديا وثقافيا ولغويا وعسكريا، وتهيمن بريطانيا على الدول الأفريقية الأعضاء في الكومنولث البريطاني. أما الصين فقد شرعت منذ عدة سنوات في الاستثمار المنهجي في الاقتصاديات الأفريقية، هذا ونجد إسرائيل تنحت مواقع لنفسها في بعض دول أفريقيا، وها هي روسيا تبحث عن موقع قدم في العمق الأفريقي، فهل تبقّى شيء للجزائر أن تفعله؟

بقلم: أزراج عمر  كاتب جزائري

Related posts

Top