القطار وتحولاته

الذين يداومون على ركوب القطار، لا بد أن يلاحظوا تغيرات كثيرة طرأت على طبيعة الرحلات التي تتم عبر وسيلة النقل هاته.
هناك تطور إلى حد نسبي، لا بد من الإقرار به على مستوى الخدمات وكذا على مستوى البنيات التحتية، خاصة في محطات المدن الكبرى: الدار البيضاء، الرباط، القنيطرة، طنجة، مراكش.. إلى آخره.
ولعل هذا التطور بالخصوص كان نتيجة إحداث الخط الخاص بالقطار ذي السرعة القصوى، المسمى البراق، لقد كان هذا المشروع بمثابة القاطرة التي سحبت محطات قطاراتنا في اتجاه التطور، مثلما حصل بالنسبة للخطوط الخاصة بحافلات الترامواي بمدينتي الدار البيضاء والرباط، وهما المدينتان الوحيدتان على كل حال؛ اللتان تتوفران إلى حد الآن على هذا النوع من الخطوط، وإن كانت هناك مدن أخرى بحاجة ماسة إليه، بالنظر لتوسعها وكثافتها، سيما وأن الظروف باتت تتطلب الاتجاه نحو التنقل المشترك، في ظل ارتفاع أسعار الوقود.
التطور الذي لحق وسيلة النقل المشار إليها في بداية هذا المقال، لم يقتصر على البنيات التحتية، بل هم كذلك طرق اقتناء التذاكر، حيث بات بإمكان تحميل تذكرة السفر عن طريق الهاتف الذكي، كما أنه صار لكل راكب رقم مقعد خاص به، هناك الدرجة الأولى أو الثانية، وهناك رقم العربة وكذا رقم المقعد، وما على المسافر إلا أن يتجه إلى موضع جلوسه، فهو محجوز له سلفا، وإذا وجده مشغولا من طرف مسافر آخر، فمن حقه أن يطالبه بإفراغه، وهذا ما يحدث مع الأسف في العديد من المرات، بالنظر إلى أن بعض المسافرين لا يريدون أن يستوعبوا أن قطاراتنا قد نظمت. إنهم ضد التنظيم. وهذا ليس شكلا من أشكال الاحتجاج، بل هو ناجم عن بلادة وتخلف بكل بساطة.
مع ذلك، فإن بعض حالات تأخر وصول القطار في مواعيده، لا تزال قائمة، بالرغم من كل المجهودات المبذولة، حيث أن هذا التأخر يصل في أحيان كثيرة إلى عشرين دقيقة فما فوق، الأسباب التي يتم بها تبرير هذا التأخر، غالبا ما تتعلق بحركة السير، لأجل تفادي وقوع الاصطدام مع قطار آخر قادم من الاتجاه المعاكس، كيف أننا إلى حد اليوم لم نتمكن من حل هذا الإشكال التقني البسيط؟ ما أكثر الإشكاليات البسيطة التي بإمكاننا حلها، لكن غياب الإرادة يحول دون ذلك.
إذا انتقلنا إلى مقصورة القطار، لا بد أن نلاحظ حدوث تحول على مستوى سلوك المسافرين، من قبل كان من المعتاد أن تجد بينهم من يحمل كتابا ورقيا أو جريدة ورقية، ومن يروي حكايات، ومن يستهويه تجاذب الحديث في مواضيع مختلفة، على العموم كانت هناك حركية تسود داخل هذا النوع من الفضاءات العابرة، لكن اليوم صار الانطواء والانغلاق على النفس هو السائد، وهذا راجع بطبيعة الحال إلى هيمنة التواصل الرقمي على حياتنا المألوفة، صارت شاشات الهواتف والحواسيب وغيرها من الأدوات التكنولوجية، هي وسيلتنا الرئيسية في التواصل وفي الاطلاع على الأخبار والمعرفة والفنون.
هذا يفرض علينا طرح السؤال: إلى أين؟ سيما وأن الحديث حاليا يدور حول ما يسمى بالميتافيرس، حيث يتم التحضير لشكل آخر من التواصل، يصير فيه بإمكان المتلقي لمس الأشياء وشمها كذلك بشكل افتراضي، وهذا من شأنه بكل تأكيد أن يخلق هوة بيننا وبين حياتنا الواقعية، وكما نقول بتعبيرنا الدارج: الله يدينا فالضو.

عبد العالي بركات

Related posts

Top