الكاتب الجزائري رشيد بوجدرة لـ: بيان اليوم

في حوار أجرته “بيان اليوم” مع الكاتب والروائي الجزائري رشيد بوجدرة، تحدث هذا الأخير عن علاقته الشخصية بالمغرب، وكيف عاش به لمدة خمس سنوات، كما يقدم في هذا الحوار قراءته للأوضاع بالساحة الجزائرية والمغربية ومستقبل العلاقات بين البلدين.
كما يبرز الروائي والكاتب بوجدرة التحولات التي تعرفها المنطقة المغاربية والعربية بصفة عامة، على مستوى العديد من المستويات، ويرصد التغييرات التي طرأت في كثير من البلدان والتغييرات المستقبلية المرتقبة على المستوى السياسي، وأيضا، الحقوقي..

> اليوم تعيش الساحة المغاربية والعربية، مجموعة من الاحتجاجات والحركات الاجتماعية، كمثقف له مؤلفات عدة حول هذه المجتمعات، كيف ترى هذه الحركات؟، ولماذا نلاحظ غياب المثقف العربي عن هذه المحطات؟
< صراحة بالنسبة للحراك الجزائري، أعرفه جيدا، شاركت فيه منذ البداية، لم يكن متوقعا ولم يتوقع المثقفون مثل هذه الاحتجاجات، وحتى في بداية الحراك كان الجميع مستغربا ويقول بأنه لن يستمر ولن يدوم طويلا، ولكن بعد المظاهرة الأولى والثانية، ثم الثالثة أصحبت القضية كبيرة وأخذت أبعادا أخرى، وكما قلت في البداية، لم نكن نتوقع احتجاجات من الحجم الذي شاهدناه، وهذا في الحقيقة خلل لدى المثقفين، وأيضا، عند وصول الإسلاميين إلى السلطة وقيام الحرب الأهلية في الجزائر نهاية التسعينيات الماضية، إذ لم نكن نترقب أن يأتي يوم يذبح فيه جزائريون أبناء بلدهم، وهذا دليل على أن المثقف ليس دائما قادرا على التفكير واستباق الأمور، خصوصا سياسيا، من حيث التغييرات الكبرى، والانقلابات، والاحتجاجات، وغيرها.
دائما آخذ حراك الجزائر كمثال، فالمثقف موجود، لكن هناك إشكال أنه حين يقوم مثقف مشهور بالمشاركة في الاحتجاجات يتم طرده من قبل الشباب، وحدثت معي في بدايات الحراك، ومع كثير من المثقفين المشهورين، لكن سرعان ما تعود الأمور إلى طبيعتها بعد المظاهرات الأولى، حيث يواكب المثقفون ما يحدث من احتجاجات، حتى وإن ابتعد بعضهم عن الميادين، بسبب ما ذكرت، فإنه يواصل الكتابة عن الحراك ويتحدثون عبر الصحافة ويشجعون الحراك ومطالبه.

> بحكم تتبعك لما يجري بالساحة، ما تقييمك للحراك الجزائري اليوم؟
< الحراك الجزائري نجح نجاحا كبيرا، لأنه لا أحد من الجزائريين كان يعتقد ويتصور أنه في يوم من الأيام ستتم إزاحة عبد العزيز بوتفليقة من منصبه، وهذا أمر كبير، واستطاع المحتجون تحقيقه، وتم إزاحته عن رأس السلطة إلى جانب آخرين، لذا أعتبر أن الحراك انتصر مرتين.
أول انتصار يكمن في انسحاب بوتفليقة من الانتخابات التي كانت مقررة أو كما كنا نسميها في الجزائر “العهدة الخامسة”، حيث تم محو هذه القضية.
وثاني انتصار، هو أنه ما يزال مستمرا ويطالب بتنحي جماعة وحاشية بوتفليقة التي كانت محيطة به، والتي كانت تخرب البلد ومرتشية ارتشاء رهيبا، أعتقد أن الحراك سوف ينتصر عليهم لا محال، والانتصار سيصل ذروته بإقرار انتخابات حرة وديمقراطية حقيقية.

> بالمقابل، ما هي أبرز الإشكالات التي تسجلها على الحراك؟
< الإشكال هو أن هذا الحراك لم يتمكن من “خلق” أو “صناعة” شخص أو شخصين أو أكثر من القادة الذين يمكنهم قيادة الحراك، والذين يمكن أن يصبحوا رؤساء للجمهورية، وهذا ضعف حقيقة في الحراك، وهي نقطة الضعف الوحيدة، لكن كما نقول، فالتاريخ طويل وأقواسه قصيرة، ونحن اليوم في الحراك الجزائري بين قوسين.

> ما تعليقك على التجربة الجديدة في تونس والانتخابات الأخيرة التي شهدها هذا البلد؟
< صراحة أشعر بالخيبة واستأت من نتائج تونس، لأنه بنظري وصول هذا الشخص إلى رئاسة الجمهورية التونسية، خصوصا وأنه مشبوه بكونه “إسلاموي”، وحظي بأصوات حركة النهضة وله خطاب ليبرالي أكثر من كونه اشتراكي، جعلني أشعر بالخيبة، كما قلت، لكن على العموم، لم أتتبع الأمر بالتدقيق بحكم الانشغال مع الحراك الجزائري، وكما قلت، هناك متغيرات كثيرة بعد سقوط بنعلي، وحتى اليسار التونسي الذي كان قويا في النضال وضد بنعلي انهار كثيرا، ولم يحصد سوى نسبة ضعيفة جدا في الانتخابات الماضية، في حين الرئيس الذي تم انتخابه هو أستاذ جامعي غير معروف والذي حظي بالأغلبية الساحقة.

> تحدثت عن انهيار اليسار بتونس، كيف ترى مستقبل اليسار بالمنطقة المغاربية والعربية؟
< بالنسبة لليسار صحيح أنه انهار، لكن كما قلنا التاريخ طويل وأقواسه قصيرة، وهذه أقواس مفتوحة، فاليسار انهار ليس بالمنطقة المغاربية والعربية فقط، وإنما في العالم ككل، لكن هناك بوادر في الأفق ليس بصعود اليسار وإنما ببداية سقوط الرأسمال الذي تعب وبدأ يعكس فشله في الواقع، وهو ما يمكن لمسه من خلال الأزمات التي يعرفها الرأسمال عالميا، وأتمنى أن يستغل اليسار الثغرات الحالية ويعود للواجهة خصوصا على المستوى العربي وخاصة على مستوى المنطقة المغاربية.

> أنت دائم الزيارة للمغرب، كيف هي علاقتك بهذا البلد؟
< علاقاتي بالمغرب حميمية، لأنني عشت هنا بالمغرب، وصراحة عشت خمس سنوات “ملكا”، خمس سنوات كانت نوعا من الحلم اللذيذ، وبدوري أهديت للمغرب ابنتي الوحيدة التي تزوجت هنا وتعيش منذ 25 سنة ولها ابنة هنا من مواليد الدارالبيضاء، إذن فعلاقتي بالمغرب هي أكثر من حميمية، فحتى الأصدقاء لهم دور كبير، فأنا صدقا وبدون مجاملة، لي صديق هنا في المغرب وهو المخرج السينمائي لطيف لحلو ليس لي في الجزائر مثله أبدا.

> وكيف ترى مستقبل العلاقات المغربية – الجزائرية ومشكل الحدود بين البلدين؟
< أظن أنه ستفتح الحدود قريبا، وهذا من نصيب الحراك ومكسب له، إذ أن العقلية في الدولة وحتى في السلطة الجزائرية تغيرت وتسير نحو إعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح وفتح الحدود، وننتهي عما قريب من قضية الصحراء الغربية والتي أقولها منذ زمن طويل هي مغربية والتاريخ يقول أنها صحراء مغربية، وهناك البعض ممن يروج لقوانين الأمم المتحدة.. أي قوانين؟ وأعتقد أنه لا قيمة لها، بالنسبة لي، لاسيما وأن التاريخ ينصف المغرب، وكما قلت فالعلاقات المغربية – الجزائرية تسير في اتجاه الانفراج، وقبل هذا فالعلاقات بين الشعبين متميزة، حين آتي إلى المغرب يحتفى بي من قبل الناس ومن قبل الأصدقاء، ونفس الأمر بالنسبة للمغاربة في الجزائر، وكم مرة ألتقي بمغاربة يقطنون أو سبقوا وأن زاروا الجزائر هنا بالمغرب، ويعربون لي عن اشتياقهم وحبهم للجزائر، إذ فالعلاقات طيبة بين الشعبين والعلاقات الرسمية أعتقد أنها تسير نحو الانفراج وستفتتح الحدود قريبا.

> وبخصوص الوحدة المغاربية؟
< أعتقد أننا وصلنا لنقطة اللارجوع، ونسير نحو الانفراج، وهذه أصبحت رغبة داخلية مسكوت عنها، وهي رغبة الشعوب في تجاوز هذه المرحلة وانتهاء هذه الفترة السوداء، سواء بين المغرب أو الجزائر أو حتى في علاقة البلدين مع تونس، فالوحدة المغاربية لا بد أن تعود وأن تحدث انفراجات بين جميع البلدان المُشكّلًة للمغرب العربي.
وبالمناسبة، ما زلت أتذكر المساعدات التي قدمها لنا كل من المغرب وتونس أيام ثورة التحرير الجزائرية، وشخصيا خلال تلك المرحلة كنت أهرب السلاح من إسبانيا من خلال المغرب لإيصاله إلى الثوار بالجزائر، فالمغاربة والتونسيين لهن دين على الجزائر منذ الثورة وبدونهم لم نكن لننجح والعلاقات لا بد أن تعود إلى طبيعتها.

> كيف ترى عودة النقاش حول الحريات الفردية بالمغرب وباقي الأقطاب المغاربية والعربية؟
< التطور إجباري ليس فقط بالمنطقة المغاربية والعربية، وإنما على المستوى العالمي ككل، لذا فالتطور حتمي بالمغرب والبلدان المجاورة في مسألة الحريات الفردية، بدليل الاختلاف الكبير الذي نعيشه اليوم بالمقارنة مع سنوات السبعينات، فمغرب اليوم ليس هو مغرب الماضي، ومدينة الرباط اليوم مختلفة كثيرا عن الرباط في السبعينات، لقد تغيرت كثيرا من الناحية الاقتصادية والمدينية والثقافية وحتى من ناحية الحريات، كما أنه بالنسبة للمغرب هناك قوانين متقدمة ليس لنا مثلها في الجزائر، وما يزال مسار التطور مستمرا بالمغرب وباقي بلدان المنطقة من أجل تشريع يتيح هامش حرية أكبر ويعطي مكانة اكبر للحريات الفردية، فمصير الحريات إلى الأمام وستصير أمرا عاديا في المستقبل، خصوصا وأن الناس اليوم يتعاملون ويتصرفون بنوع من الحرية رغم وجود بعض القوانين التي بقيت حبيسة الكتب القانونية والتشريعية، فالعلاقات بين الرجال والنساء على سبيل المثال أصبحت عادية بالمقارنة مع السبعينات التي عشت خلالها هنا بالمغرب، فضلا عن وصول المرأة إلى مراكز قيادية ومراكز جد مهمة هنا بالمغرب والجزائر وتونس وباقي البلدان.
> بنظرك، كيف السبيل إلى ثورة ثقافية قادرة على النهوض بالمجتمعات العربية؟
< مع الأسف، المجتمعات العربية متخلفة ثقافيا جدا ويلزمها وقت طويل، وكثير من الفنانين، ومن ضمنهم مثلا الصديق لطيف لحلو ساهموا ويساهمون في شيء، لكن لا ندريه، ولا نلاحظه.. فقط، نقول إن التاريخ بطيء ولا يظهر التغيير بسرعة كما نطمح إلى ذلك، وهنا بالمنطقة المغاربية تقدمنا كثيرا خلال العقود الأخيرة، ويمكن أن أقول إننا أفضل بكثير من بلدان المشرق، ولي أمل كبير في السنوات القادمة في وحدة المغرب العربي وتقدمه، وتحسين الأمور، والنهوض بأوضاع المجتمع، وأعتقد أننا سنسير نحو التقدم، ولو بشكل بطيء، لكن الأهم أننا سنسير إلى إليه.

حاوره: محمد توفيق أمزيان – تصوير: عقيل مكاو

Related posts

Top