المجلس الاقتصادي ينتقد إغفال الرياضة في السياسة التنموية للمغرب

صدرت دراسة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بتاريخ 21 ماي الجاري، بالجريدة الرسمية 6884، حول “السياسة الرياضية بالمغرب”، وذلك إثر توصله بإحالة من مجلس المستشارين بتاريخ 25 يوليوز 2018.
وذكر المجلس أن هذه الدراسة تمحورت حول إجراء تقييم لمدى أجرأة “الاستراتيجية الوطنية للرياضة في أفق 2020″، استنادا إلى الاعتماد على مقاربة تشاركية شملت الفاعلين الرئيسيين، وأبرز الخبراء العاملين في الحقل الرياضي الوطني.
وأوضح تقديم الدراسة التي اطلعت على تفاصيلها جريدة بيان اليوم، أن تنزيل الاستراتيجية الوطنية لم يمكن من بلوغ الأهداف المسطرة، كما أن الرياضة لا تحتل حتى الآن المكانة الجديرة بها في إطار السياسة التنموية للبلاد، على الرغم من وضعها لرؤية طموحة بفعل المحاور الاستراتيجية التي لا زالت تكتسي راهنيتها.
ووقف خبراء المجلس، عند العديد من العوامل التي حالت دون أجرأة الاستراتيجية، فمن جهة، لم يتم تنزيلها في شكل سياسة عمومية حقيقية ولم يتم إرساء آليات تضمن الإشراف عليها بكيفية فعالة.
ومن جهة ثانية، واجه الإطار القانوني والتنظيمي صعوبات جمة على مستوى التطبيق، لا سيما القانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة، وعلاوة على ذلك، فإن الموارد البشرية والمالية التي تمت تعبئتها كانت غير كافية بالمقارنة مع حجم التحديات التي يتعين رفعها، على حد تعبير تقرير المجلس.

مضامين متجاوزة

كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن السياسة الرياضية لا تحتل حتى الآن المكانة الجديرة بها في إطار السياسة التنموية للمغرب، بشكل يعكس أدوارها ويعزز انعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية والصحية والثقافية والبيئية والسياسية.
واعتبر المجلس في دراسة جديدة صدرت مؤخرا، أن الاستراتيجية الوطنية للرياضة 2008-2020، وضعت رؤية طموحة تروم “ترسيخ الممارسة الرياضية وقيمها في الحياة اليومية للجميع، وجعل المغرب أرضا للرياضة ومشتلا للأبطال”، كما حددت رافعات ومحاور استراتيجية لا تزال تكتسي راهنيتها، بيد أن هذه الاستراتيجية لم تترجم إلى سياسة عمومية بحسب ملاحظات الخبراء الذين أعدوا التقرير.
وسجلت الدراسة أن مضامين الاستراتيجية أصبحت متجاوزة اليوم، نظرا لعدم تلاؤمها مع أحكام الدستور وتحولات السياق الاجتماعي، والمعطيات الحالية المرتبطة بالمشهد الرياضي.
ونبه تقرير المجلس إلى عدم مراعاة الاستراتيجية للمقاربة القائمة على النوع الاجتماعي بالقدر الكافي، كما أن الحصيلة المقدمة تفتقر إلى مؤشرات دقيقة.
وكشف المصدر ذاته، أن الاستراتيجية تعاني من مشكل في التنزيل بفعل مجموعة من المصاعب والأسباب، من بينها؛ عدم تنزيلها في شكل سياسة عمومية، لأن الحكومات المتعاقبة لم تأخذ على عاتقها مسؤولية التنزيل أو التبني، كما أن مختلف الفاعلين المعنيين لم يتملكوها، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، لم تتم مواكبة الاستراتيجية ببرنامج بيداغوجي وخطة للتواصل، من أجل ضمان تضافر الجهود وتعبئة جميع الفاعلين حول هذا المشروع على المدى القصير والمتوسط والطويل، علاوة على أنه لم يتم الإشراف على الاستراتيجية وتنزيلها بكيفية محكمة ومستمرة.
وفي النقطة ذاتها، أوضح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أنه لم تتم إعادة النظر في هيكلة قطاع الشباب والرياضة، وملاءمتها مع أهداف الاستراتيجية الوطنية للرياضة.
إلى جانب ذلك، أفادت الدراسة في المجال الرياضي، أن الإطار القانوني والتنظيمي لازال رغم ما تحقق من تقدم في هذا الشأن، تعتريه العديد من النواقص ومكامن الضعف التي تعيق، بل وتمنع التنزيل الفعلي لمضامين الاستراتيجية.
وفي سياق متصل، ذكر التقرير إلى أنه لم يتم تحديد حجم الموارد البشرية، والمالية الضرورية لتنفيذ الاستراتيجية بشكل واضح، وذلك ارتكازا على برمجة متعددة السنوات للتمويل، فضلا عن أن منظومة المعلومات غير متطورة بالقدر الكافي، كما أن مؤشرات التتبع المتاحة تتسم بقصورها كما وكيفا ناهيك عن كونها تفتقد الدقة في كثير من الأحيان.
وفي نقطة أخرى، يرى المجلس أن حصيلة تنزيل الاستراتيجية الوطنية للرياضة تبقى متباينة من حيث النتائج، كما أن عناصر التشخيص التي تم الوقوف عليها في 2008، تظل على العموم هي نفسها بعد تقييم هذه الحصيلة.
وعلى مستوى آخر، رصد خبراء المجلس معاناة معظم الجامعات الرياضية والعصب الجهوية والجمعيات الرياضية من الهشاشة البنيوية والضعف في الأداء، بالإضافة إلى وجود ضعف على مستوى انخراط الجماعات الترابية في دينامية النهوض بقطاع الرياضة.
وأخيرا، نبه المجلس إلى عدم إيلاء الاهتمام اللازم والكافي لاقتصاد الرياضة، كما يسجل خصاص في تقدير نطاقه وفي دراسته بما يسمح بالنهوض به على الوجه الأمثل.
توصيات المجلس

وبعد سلسلة من الملاحظات حول الاستراتيجية المذكورة، قدم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مجموعة من التوصيات، من بينها، أولا الارتقاء بالاستراتيجية الوطنية للرياضة إلى سياسة عمومية، يتم إدراجها في قانون إطار، مع الحرص على احترام مبادئ ومقتضيات الدستور، وتحديد الأدوار المنوطة بمختلف الفاعلين بشكل واضح، وضمان قيادة مؤسساتية فعالة على الصعيدين المركزي والترابي.
ثم ثانيا، إعطاء الأولوية، في غضون السنوات المقبلة، للنهوض بالرياضة المدرسية والجامعية، وذلك من خلال العمل على وجه الخصوص على إعطاء التربية البدنية والرياضية مكانة بارزة في البرامج الدراسية، وتزويد مؤسسات التربية والتعليم المدرسي بالمؤطرين المؤهلين وتوفير البنيات التحتية الرياضية الملائمة.
وفي النقطة الثالثة، دعا المجلس إلى ملاءمة الإطار القانوني والتنظيمي، لاسيما القانون رقم 30.09، مع مقتضيات الدستور، والعمل، بالتشاور مع الفاعلين المعنيين، على مراجعته بما يمكن من تجاوز العوامل التي تعيق تنفيذه الفعلي وضمان إصدار جميع المراسيم التطبيقية ذات الصلة.
وعلى المستوى الرابع، شددت الدراسة على ضرورة وضع نظام مندمج للمعلومات، بالتنسيق مع مجموع الفاعلين المعنيين والمندوبية السامية للتخطيط، وذلك بما يتيح تتبعا وتقييما محكمين لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للرياضة ولانعكاساتها.
وبخصوص النقطة الخامسة، أوصى التقرير بمواصلة جهود تطوير البنيات التحتية الكبرى والتجهيزات الرياضية للقرب، مشيرا إلى أنه لتحقيق هذه الغاية ينبغي رصد وتحديد حجم الحاجيات بشكل دقيق في مجال الموارد البشرية والمالية على صعيد كل جهة، وذلك انسجاما مع مضامين برامج التنمية الجهوية.
وفيما يخص النهوض بالبنيات التحتية الكبرى على الصعيد الوطني، قال خبراء المجلس إنه يتعين العمل، بمعية الجهات، على اعتماد مخطط وطني خاص بها، مع الحرص على أن تستجيب هذه البنيات للمعايير الدولية وعلى أن تؤخذ بعين الاعتبار انعكاساتها البيئية، وكذا القدرة على الولوج إليها، ومردودية هذه البنيات على المديين المتوسط والطويل.
وتهم النقطة السادسة التي اقترحها المصدر ذاته، تعزيز جهود اقتصاد الرياضة، من خلال إنجاز دراسات وطنية وجهوية تمكن من الوقوف على الفرص التي يتعين اغتنامها، وتوجيه الاستثمارات العمومية والخاصة، وتطوير المنظومات التي يتطلبها النهوض باقتصاد الرياضة.
والتوصية السابعة، نبه فيها المجلس إلى ضرورة تعزيز عمل الجامعات الرياضية والعصب الجهوية والجمعيات الرياضية، مع العمل على مواصلة الجهود الرامية إلى النهوض بحكامتها، من خلال إرساء قواعد ومعايير موضوعية لمنح الإعانات، ثم وضع برنامج للمواكبة والدعم المالي والتقني، من أجل تمكين الجامعات الرياضية والعصب الجهوية والجمعيات الرياضية من الامتثال لمختلف المعايير الوطنية والدولية داخل أجل معقول ومن ثم تحسين أدائها.
والنقطة ما قبل الأخيرة، خصها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، لرياضة الأشخاص في وضعية إعاقة، حيث دعا إلى تطويرها من خلال إنشاء مركز بارالمبي من المستوى العالمي، والعمل بموازاة ذلك على إحداث اللجنة الوطنية البارالمبية المغربية، بالإضافة إلى إدماج رياضة الأشخاص في وضعية إعاقة في مؤسسات التربية والتعليم المدرسي وفي برامج تكوين الأطر الرياضية.
وأوصى في النقطة التاسعة والأخيرة، بدعم جمعيات الأنصار والمحبين وضمان انخراطها “الالتراس”، باعتبارها شريكا، في جهود الوقاية من مظاهر العنف أثناء التظاهرات الرياضية.

يوسف الخيدر

> تصوير: أحمد عقيل مكاو

Related posts

Top