بمناسبة اختيار فيلمها الروائي القصير “حبال المودة” (2021) للمشاركة في مسابقتين خاصتين بهذا الجنس السينمائي: الأولى بالدورة الحادية عشر لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية من 4 إلى 10 مارس القادم، والثانية بالدورة الخامسة لمهرجان بيروت السينمائي الدولي للمرأة من 6 إلى 11 مارس 2022، أجرينا مع المخرجة المغربية الشابة وجدان خاليد حوارا لتسليط بعض الأضواء على هذا الفيلم الجديد، الذي يعتبر أول تجربة إخراجية احترافية لها.
تجدر الإشارة إلى أن السيناريست والمخرجة وجدان خاليد خريجة المعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما (ISMAC) بالرباط وماستر السينما الوثائقية بكلية الآداب بتطوان، أخرجت ثلاثة أفلام روائية ووثائقية خلال تكوينها الأكاديمي وشاركت بها في مهرجانات وطنية ودولية. كما شاركت في كتابة سيناريوهات أفلام روائية تلفزيونية طويلة، واشتغلت كمساعدة مخرج في مجموعة من الأعمال السينمائية والتلفزيونية.
* نجح فيلمك القصير “حبال المودة” (25 د) فنيا في تقريب المتلقي من الحالة الإنسانية التي تتمحور حولها قصته، أي تمزق امرأة شابة بين تطلعاتها العاطفية الجامحة وواجب العناية بأمها المشلولة، وذلك باقتصاد في الحوار وفسح المجال للكاميرا ونظرات الشخصيات وتعابير وجوههم وحركات أجسادهم للإفصاح عن المشاعر والأحاسيس الداخلية.. هل في هذا تعبير عن موقف لك من الأفلام الثرثارة؟
– كمخرجة شابة، واعتمادا على مراجعي السينمائية التي ترتكز أساسا على جمالية الصورة كلغة سينمائية وعلى قوة تعابير الشخصيات داخل الإطار، أرى أن توظيف الحوار يستدعي عدة مقاربات وتساؤلات أثناء عملية كتابة السيناريو وبناء الشخصيات. فإذا كانت الصورة السينمائية وحدها كفيلة بالتعبير عن الأحاسيس المطلوبة، فهذه إشارة على قوة نزعتها البصرية. أعتقد أن الحوار يشكل جزءا مهما من الجانب الصوتي في السينما، لكن أحيانا لا يجب أن يطغى على المؤثرات الصوتية المرتبطة بالحياة العادية والمتمثلة أساسا في عناصر الطبيعة الأربعة: الماء (قطرات الصنبور والاستحمام)، النار (القنديل)، الهواء (رياح الفضاء الخارجي)، التراب (الطريق الترابية ومسار راضية ذهابا وإيابا). السينما في بدايتها كانت صامتة وتمكنت رغم ذلك من إبهار المشاهد العادي وقتها.
* المقاطع الموسيقية والغنائية في الفيلم تم توظيفها عند الحاجة إليها، أي في لحظات القلق والتردد والتصعيد الدرامي وغير ذلك، كيف جاء اختيارك لهذه المقاطع؟ ولماذا؟
– أرى أن الموسيقى التصويرية تمثل جزءا مهماً من التركيبة الفنية للفيلم، وذلك من خلال تدعيمها للإيقاع الدرامي في المشاهد. كما تعكس الحالة النفسية الداخلية للشخصيات. لا يجب أن تكون مجرد مقطوعات عشوائية، بل ينبغي أن تكون داعمة لسينمائية الصورة ومتماشية مع نمط توجه الفيلم وتيمته.
استدعت مني مرحلة اختيار الموسيقى التصويرية الكثير من الوقت، ربما أكثر من مرحلة المونتاج. وقد عمل على تأليف الموسيقى أكسيل كميل حشادي، المؤلف الموهوب والمتمكن من أدواته، حيث كان هناك توافق كبير بيننا على مستوى اختيار الآلات الموسيقية والأسلوب الموسيقي الذي سيتماشى مع تيمة الفيلم وحمولته السينمائية. بعد مشاهدة أكسيل كميل للفيلم وقراءته للسيناريو عاش أجواءه بأحاسيسه الذاتية.. اعتمدنا على “دودوك” (DUDUK) كآلة رئيسية لعزف موسيقى الفيلم، وهي آلة يطغى عليها الطابع الروحاني. كانت اقتراحات كميل جد مقنعة ومبهرة، لدرجة صعب علينا التنازل على الموسيقى في بعض المشاهد.
* من نقط القوة في الفيلم اختيارك لممثلين مقنعين ثلاثة، جليلة التلمسي (في دور راضية) وعبد النبي البنيوي (في دور عيسى) ونزهة التباعي (في دور الأم). جليلة وعبد النبي برهنا عن علو كعبهما في أعمال سينمائية وتلفزيونية سابقة، هل بالإمكان تعريفنا بالسيدة نزهة التي كان أداؤها تلقائيا للغاية؟
– تشرفت بالاشتغال في هذا العمل مع ممثلين سينمائيين متمكنين، هما جليلة التلمسي وعبد النبي البنيوي، علما بأن إدارة ممثل محترف تختلف شيئا ما عن إدارة مشخص مغمور. بالنسبة لنزهة التباعي تعرفت عليها عند مشاهدتي لفيلم “غزية” لنبيل عيوش، حينها أعجبت بحضورها وملامحها التي تفرض الصمت. كان هناك تناسب بين تشخيص نزهة ودور الأم المراقبة القوية رغم شللها.
* لاحظت أن إيقاع الفيلم كان متوازنا من البداية إلى النهاية، خصوصا وأن موضب الفيلم ومساعدك الأول في إخراجه هو يزيد القادري، مخرج الفيلم المتميز “مداد أخير”، كيف اشتغلتما معا على المونطاج؟
– أرى أنه من الضروري انخراط المخرج في عملية المونتاج باعتبارها كتابة ثالثة للفيلم.. الاشتغال مع المخرج يزيد القادري، كمساعد مخرج أول وموضب، شكل نقطة إيجابية، بحيث استفدت جيدا من تجربته السينمائية ونظرته الفنية للعمل.. اشتراكنا في العمل نابع من ثقة متبادلة، خصوصا بعد اشتغالنا معا في مجموعة من الأعمال السينمائية والتلفزية سابقا.
* هناك اهتمام بالتفاصيل على مستويات اللباس والديكور والإنارة والأكسيسوارات وغير ذلك، هل يمكن الحديث عن عوالم وطرق اشتغال مشتركة بينك وبين يزيد القادري، خصوصا وأنكما تشتغلان مع مبدعين شباب آخرين في الإنتاج (فيصل القادري) والصورة (وليد لمحرزي العلوي) والصوت (معاد المغراوي)وجوانب أخرى؟
– منذ قرابة أربع سنوات ونحن نعمل كفريق، مما بلور انسجاما و تكاملا بيننا. زد على ذلك أن غالبية أعضاء الفريق التقني والفني هم شباب من خريجي معاهد السينما، شغوفون ومتمكنون من آليات العمل. ولعل ما يميز عمل فريق “البجعة للإنتاج” (Cygnus Productions) هو اشتراك الجميع في رؤية فنية موحدة.
* نهاية الفيلم شابها نوع من الغموض، هل من توضيح؟
– بالنسبة لي، لم تكن نهاية الفيلم غامضة بقدر ما طغى عليها طابع سريالي روحاني. وهذا يحتم على المشاهد إقحام نفسه ليصوغ نهاية تتلاءم وخلفيته الفكرية والعاطفية.
* ما هي مبررات اختيار “حبال المودة” عنوانا للفيلم؟
* الحبال تحيل على الامتداد والربط بين طرفين، وكذا على المتانة والقوة. فكلما توفرت حبال الحب والعواطف والمودة، كلما كان هناك انتصار للذات الإنسانية، شبيه بانتصار كل من راضية وأمها في الفيلم.
أجرى الحوار: أحمد سيجلماسي