المعدلات المرتفعة..

يعود هذه الأيام، كما في السنوات المنصرمة، إلى الواجهة، النقاش حول المعدلات المرتفعة لنتائج امتحانات الباكالوريا، ومن ثم التساؤل حول مصداقية هذه المعدلات ومطابقتها الفعلية للمستويات المعرفية والتعلمية الحقيقية للناجحات والناجحين.
عندما نتابع الإجماع الواضح منذ سنوات لدى كل المتدخلين والمعنيين بشأننا التعليمي، وإقرارهم بالتراجعات المسجلة، ودعوتهم إلى إصلاح وتأهيل حقيقيين لكامل المنظومة التربوية، فإن هذا الارتفاع في المعدلات ونسب النجاح، يطرح فعلا مشكلة، ويحث على البحث عن المعنى في هذا الواقع الغريب عندنا.
هذه المفارقة التي يتحدث عنها الكل، تجرنا جميعا إلى طرح الأسئلة بشأن حقيقة الأرقام والنسب المعلن عنها، وأيضا حول تمثيليتها الفعلية لمستوانا التعليمي العام…
وترتيبا على ذلك، يمكن لهذه الأسئلة أن تدفعنا نحو الشك، ونحو ما إذا كانت العملية نفخا مقصودا أو تضخيما لغايات متعددة أو مجرد لعبة تجارية وتسويقية، سيصير شبابنا وأطفالنا ضحايا لها، ومن ثم ستتلقى مدرستنا الوطنية وشهاداتنا التعليمية ضربة موجعة تمس مصداقيتها وجدارتها العلمية والأكاديمية.
لا يمكن لنا أو للأسر المغربية إلا أن نفرح للنتائج والمعدلات التي يحصل عليها أبناؤنا وبناتنا، ولكن نخشى أن يكون ذلك وهما أو مجرد بناء فوقي بلا أي أساس معرفي أو تكويني، ومن ثم نستمر كلنا في الدوران ضمن حلقة مغلقة، تجعلنا مقيمين في الهشاشة والتدني والتراجع.
معظم الملاحظين اليوم يؤكدون أمام هذا التناسل السخي للمعدلات المرتفعة، أنه إما أن وضعنا التعليمي ككل يعتبر جيدا وممتازا، وكل ما أنجز، بالتالي،  من تقارير حول اختلالاته وأزماته يبقى خاطئا تماما، وإما أنه لدينا مشكلة في منظومة التقويم والتنقيط، وأيضا في سلوك المدرسين، ولدى أرباب مؤسسات التعليم الخصوصي أساسا، وإما أنه لدينا مشكلة عميقة في منظومة الامتحان، وفي أسلوب تقييم المستويات التحصيلية للتلاميذ، وفي ظروف وأشكال إجراء الامتحانات…
وفي كل الأحوال، مختلف هذه الأسئلة والاستفهامات تنتهي بنا في وسط دائرة الخوف من المس بمصداقية الشهادات التعليمية الوطنية، وضرب المدرسة المغربية وكامل المنظومة التربوية.
من جهة أخرى، لا يمكن لكل ما سبق أن يجعلنا نغفل وجود تلميذات وتلاميذ نالوا فعلا معدلاتهم عن جدارة واستحقاق، وكثمرة لمجهودهم وتعبهم، وأيضا بفضل تضحيات أسرهم، والكفاءة التربوية لعدد من المدرسات والمدرسين، ولكن، في نفس الوقت، لا بد أن نستحضر أن اشتراط عدد من المدارس العليا ومؤسسات التعليم العليا ذات الاستقطاب المحدود  معدلات مرتفعة وميزات للولوج إليها، كان أيضا سببا رئيسيا في تنامي «فوبيا» المعدلات وسط التلاميذ وذويهم، وهو ما يجعلنا نطرح أيضا أهمية متابعة تقييم مسارات التلاميذ الناجحين فيما بعد الحصول على الباكالوريا، وكيف تكون المآلات والمستويات…
هذه كلها أسئلة وتخوفات، لا بد من الانكباب عليها بعمق، لوضع مقومات إصلاح حقيقي لبنياننا التربوي الوطني بشكل عام.

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top