بمناسبة الدخول الثقافي.. 5 أسئلة إلى كتاب مغاربة

الشاعر والباحث الأكاديمي صلاح بوسريف: رغم وجود كتب كثيرة افتراضيا فأنا أقتنيها وأقرؤها ورقيا

بمناسبة الدخول الثقافي، توجهنا بأسئلتنا إلى مجموعة من الكتاب المغاربة، من أجيال مختلفة، للحديث حول أحدث إصداراتهم وحول المتابعة النقدية ومدى أفضلية الكتاب الورقي عن الرقمي.. إلى غير ذلك من القضايا.
اليوم مع الشاعر والباحث الأكاديمي صلاح بوسريف.

> ما هو أحدث إصداراتك؟
< أعتقد أن وضع الوباء، أتاح لي، كما أتاح لغيري من الكُتَّاب والمفكرين والمبدعين، أن نتهيأ أكثر لإنجاز ما كان، إما مؤجلاً من أعمال، أو إنهاء بعض ما كان لم يكتمل، أو كُنَّا نتلكَّأ في إتمامه. دائما على طاولة الكاتب، أعني من عمله اليومي البحث والكتابة والقراءة، أعمال، أو مشاريع، أو أفكار وتصوُّرات، تكون قيد التأمّل والإنجاز والمُراجعة.
في هذا السياق، كانت الأعمال الأخيرة التي نُشِرَت، وأصبحت رهن يد القارئ، في الشعر، «كتاب الليل والنهار» و«آخر الموتى» ومختارات شعرية بعنوان «على وتيرة الغيم» والجزء الرابع من الأعمال الشعرية، وآخر عمل صدر، قبل أيام، هو «كوميديا العدم»، وهو عمل شعري واحد مثل سابقيه، لكن هذا العمل الذي ذهبَ إلى فكرة العدم، وجرى في مساحة غير مُتاحة في رؤيتنا، أو لا نذهب إليها رهبةً وتهيُّباً، هو عمل شعري فني، برسومات مُساوِقَة للنص، أنجزها الشاعر والفنان الأردني محمد العامري.
أما في الكتابة النظرية، صدر لي «شعرية الصمت ــ الأفق الشعري للكتابة» و«الفكر النائم ــ في نقد ومُساءلة الشعرية العربية المعاصرة» و«السهم والوتر ــ بيانات في حداثة الكتابة»، وسيرة شعرية ثقافية بعنوان «زرقة الشعر (ما أنا وما أكون) ».
هذه الأعمال، صدرت جميعها خارج المغرب. العملان الوحيدان اللذان صدرا لي في المغرب ، هما «زرقة الشعر» عن دار مقاربات بفاس، و «أنا الذئب ياااا يوسف»،عن دار أجورا بطنجة، وهو عمل شعري في نفس واحد، كما دأبتُ خلال العقدين الأخيرين على الاشتغال شعرياً، على مفهوم
النص أو العمل الشعري، كما برَّرْتهُما نظرياً في أكثر من
كتاب، بما فيها الكتب الصادرة حديثا.

> كيف تعرفنا بآخر كتاب صدر ضمن هذه الكتب، وتقَربنا من محتواه؟
< سأكتفي بكتاب «كوميديا العدم»، وهو عمل شعري شَبَكيّ مُركَّب، بِنَفَسِه الملحمي. فيه اتَّخذتُ من دانتي، حادِياً لي، إلى ما وراء الوجود، لنترحَّل في مواطن العدم، في السَّديم الذي، عادةً ما نتفاداه، أو نغُض عنه فكرنا وخيالاتنا.
العمل هو رؤية الهناااالك، في جو من الرُّعب والدهشة والخوف، وفي جو من اللقاء بكثيرين من الشعراء والمفكرين والفنانين، من مختلف الأعصر والأجيال والأعمار والأطياف، من كل جغرافيات الوجود البشري. فالعدم هو وحدة، وهو أرض لقاء بغير حواجز أو فواصل وموانع، وهو ما عملت على تأكيده بالبحث عن الذين أميل إلى ما كتبوه وقالوه وتركوه من أعمال، ليس الجميع، هذا غير ممكن، لكن من يمثلون البُعد الرمزي في ما أميل إليه من شعر وفكر وكتابة وفن.
في هذا العمل، تجد السرد والحوار والاسترجاع، وهي من خواصّ الشِّعْر في بنائه الملحمي، وليست طارئة عليه، أو أتت إلى الشعر، كما يدَّعي البعض من الرواية أو من المسرح، بل إن الشِّعر هكذا جاء، في بداياته، قبل ظهور المسرح والرواية. وهو كان، في جوهره سؤالاً كبيراً، ليس حول الوجود، بل حول العدم.
في «كوميديا العدم»، كنتُ أحتفي بالوجود، واعتبرتُ، أن هؤلاء الذين حاورتُهم، قبلي احتفوا بالوجود، لذلك وضعتهم في المَحْشَر، في مكان لا هو جنة ولا هو جحيم، بل هو المكان نفسه الذي عاشوا فيه وهم أحياء، في مجتمع قريب من المجتمع، بعيد عنه، في ذات الآن. لأنهم كانوا بين الناس، وهم غير هؤلاء، لأنهم كانوا يرون الأرض بغير ما كان غيرهم من عامة الناس يرونها به.

> هل هو امتداد لأعمالك السابقة أم أنه يشكل قطيعة معها؟
< لا أستطيع أن أذهب إلى مفهوم الاستمرار في الشِّعر، ولا إلى مفهوم القطيعة نفسه. فأنا أعمل على مشروع شعري، فيه صيرورة وامتداد، كل عمل، هو إضافة، هو حجر آخر في البناء، فكريا وجمالياً، وليس شروعا. الشروع موجود في هذه الأعمال، باعتباره أماما، وباعتباره انتقالا من رصيف إلى آخر، ومن ماء إلى ماء، هو الماء نفسه، لكنه بتدفقات أخرى. فكما لا يمكننا أن نسبح في النهر أكثر من مرة، لا يمكننا أبداً، في هذا الأفق الشعري المتصير، أن نقرأ نفس النص أو نفس العمل. الشمس نفسها، ولكنها بضوء مُغاير.
يمكن أن تلمس هذا في البناء، وهو جوهر الشِّعر اليوم، وفي توسيع دوالّ الشِّعر، في الصفحة التي تُتِيح للنص أن يكون هو الشِّعر، وليس الخطاب أو الشفاهة، فأنت أمام الكتابة، ليست اللغة وحدها ما يواجهك، بل الصمت والحذف والفراغ والبياض، الأبعاد السيميائية في النص، من أشكال هندسية ورسوم، ومن إشارات ورموز، لأن اللغة في الكتابة لم تعد وحدها تكفي لنقول كل شيء، رغم هيمنتها وحضورها القوي في الشِّعر. الإيقاعات في العمل الشعري، تختلف، تتلوَّن
وتتنوَّع، مثلما نجد في الكونشيرتو. الإيقاعات هنا، هي كونشيرتو شعري، بأكثر من آلة، وبأكثر من صوت ولون وغناء.
اسمح لي أن أقول لك، إنني أصبحت أكثر اقتناعا بأنني لا أكتب شعرا مختلفا، بل شعرا آخر، وهذا ما ستلمسه في هذا العمل، وغيره من الأعمال الأخرى. ليس من الضروري أن نبقى في نفس طريق من سبقونا، ولا في نفس طريق من يُعاصروننا. علينا أن نكون نحن بما نبتدعه ونكتبه ونذهب إليه، مهما كانت اخترافاتُه، وما فيه من مغامرة في التجريب.

ما مدى المتابعة النقدية لما تكتبه من إصدارات؟
< أدرك، منذ سنوات، أن ما أكتبه ليس متاحا بسهولة للقراءة، وكان يحتاج إلى وقت، وإلى وضوح في التصور والرؤية. يبدو لي اليوم، أن هناك إقبالا على ما أكتبه، في شقيه الشعري والنظري، لأنهما متوازيين، رغم أن الشعر هو ما يوجه النظر ويقوده، لا العكس.
ثمة كتب صدرت عن التجربة، وهي موجودة ومتاحة، بينها كتاب جماعي، وثمة كتاب جماعي آخر في الطريق. ما ينشر في المجلات والجرائد المغربية والعربية، أراه مهما، وقد كتبت قراءات كثيرة عن عدد من الأعمال الأخيرة، ما يعني أن هذه الأعمال، رغم ما فيها من مشكلات على صعيد التلقي، فهي شرعت تصل إلى قارئ، هو من راهنت عليه، قارئ يحتمل الشعر مثلما أكتبه، باعتباره شعرا آخر، وليس ما نقرؤه ونعرفه من شعر، كما كرسته الجامعة والمدرسة مع الأسف.
ثمَّة أطاريح جامعية، إما حول تجربتي بشكل مفرد، أو ضمن تجارب لآخرين، وهذا، في ذاته، يعني أن الشعر، رغم صعوبته، ورغم ما فيه من مشكلات، ما زال يجد طريقه إلى القراءة والتأمل.

      هل تفضل أن يكون إصدارك القادم ورقيا أم رقميا؟
< الإصدار الرقمي، عندنا، ما يزال غير واضح، ولا يعني المعنى الذي يحمله. إذا كان الكتاب يصدر في نفس صورة الكتاب، رقمياً، بنفس الحوامل، فلا داعي له، لأن الورق يكفي ليقوم بهذه المهمة. لم نصل إلى النشر الافتراضي، بإبداعات أخرى، ووسائط تختلف في جوهرها عن الورق، لذلك، وباعتباري كائناً ورقياً، فأنا أقرأ ورقيا، وأكتب على الورق بالحبر، رغم إتقاني للحاسوب وكتابتي عليه دون أي مشكل، بل بسرعة أكثر من سرعة الحبر على الورق. لكن شهوة ومتعة الكتابة والشطب والحذف، وسيلان الحبر على الورق، هي متعة لا تُضاهى، وحتَّى حينما أنتقل إلى رقن النص على الحاسوب، فهذا يكون نوعاً آخر من المراجعة، والحذف والإضافة، والتأمل والمراجعة في نفس الوقت. رغم وجود كتب كثيرة افتراضيا، فأنا أقتنيها، وأقرؤها ورقيا، فقط، حين يكون الكتاب مفقودا، أقوم بسحبه ورقيا، أقرؤه بهذا المعنى وهذا الوسيط لا بغيره.

< إعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top