تميز المهرجان العالمي 12 بموسكو بالمرونة التنظيمية وحرية التعبير والتنقل
عرف المهرجان العالمي 12 للشباب والطلبة بموسكو صيف 1985، نوعا من المرونة في التنظيم والتعبير الحر. وعكس هذا حدث في المهرجان 11 بهفانا كوبا، الذي كانت تحكمه سياقات الحرب الباردة، وطبيعة البلد المنظم، بحيث كان يطغى على المهرجان الطابع الأيديولوجي والسياسي، والمعاملة مع الدول على هذا الأساس: دول صديقة لكوبا، ومنها الدول الاشتراكية ودول عدم الانحياز كالجزائر وأنكولا والمزنبيق، ودول رجعية ومنها المغرب. وبالتالي، لم تراع قضايا الشعوب والشباب، كالحق في الدفاع عن الوحدة الترابية وعن حقوقهم.
ففي موسكو، استطاع الوفد الشبابي المغربي الذي كان منسقه الرسمي الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية، ممثلا في شخص الرفيق أحمد سالم لطافي، الكاتب الأول للشبيبة ورفاقه في قيادة المنظمة أن ينسق مع رفاقه وإخوانه في المنظمات الشبابية: الاتحادية وخاصة مع الأخ عبد الهادي خيرات، والاستقلالية والعاملة. كما كان الوفد يضم فعاليات ثقافية ومسرحية وفنية وموسيقية (باطما والسيد، من ناس الغيوان، والفكاهي بزيز، وصديقة باز..).
لقد كان الطابع الجماهري للمهرجان مدهشا، والتنظيم محكما، في الإيواء بالمراكز حسب القارات، والورشات الموزعة على العاصمة موسكو والتي تحتاج إلى نقل المشاركين والمشاركات الذين بلغ عددهم 40000 شابة وشاب، من مختلف القارات والبلدان والمستويات العلمية والفكرية ..وكان المنظمون يتكلفون بتوزيعها على مآت المراكز والورشات المتنوعة، في سياق التفتح الذي أصبح ينهجه الاتحاد السوفياتي، فيما سمي بالبريسترويكا، التي كان منظرها ميخائيل كورباشوف، الذي افتتح المهرجان العالمي للشباب والطلبة صيف 1985، في حفل فني ورقص وفلكلوري بهيج، أبرز عظمة الاتحاد السوفياتي، الذي سينهار مع ذلك، بعد 4 سنوات فقط بعد سقوط حائط برلين 1989، ومعه سينهار كل المعسكر الاشتراكي الذي كان يدور في فلكه (أوربا الشرقية) ليصبح ما سمي بالبلدان المستقلة..
مناوشات مع البوليزاريو قبيل افتتاح المهرجان بساعة
يوم افتتاح المهرجان بملعب موسكو في عهد البريسترويكا، حدثت مناوشات بين أعضاء من الوفد المغربي ومجموعة البوليزاريو، دفع المنظمين إلى تنقيلهم إلى مكان آخر، درءا للاحتكاك المباشر. وكان السبب في الحادث الذي لم يؤثر على النظام بالمهرجان، هو تحرك بعض أعضاء الوفد الشبابي المغربي، يتقدمهم الأخ عبد الهادي خيرات، الكاتب الأول للشبيبة الاتحادية، في اتجاه مجموعة البوليزاريو، الذين استفزوا المغاربة برفعهم راية ما يسمونه “جمهورية صحراوية”. وعملوا فعلا على طردهم من جوار المكان المخصص للوفد المغربي.
البرتقال المغربي في وجبة غذاء لشباب المهرجان بملعب موسكو
تعرف كل الشباب المشارك في المهرجان على بلدنا يوم الافتتاح، نظرا لتوزيع المنظمين للمهرجان وجبة غذاء خفيفة على الشباب الحاضر في الملعب قبيل الافتتاح، تتضمن برتقالة مغربية مع كل وجبة، مكتوب عليها إسم المغرب (Maroc).
إحباط الوفد المغربي الشبابي لمؤامرة “محاكمة المغرب” كبلد محتل لأراضي الغير
بفضل تلاحم الوفد الشبابي المغربي، ويقظته، تم إحباطه لمؤامرة “محاكمة المغرب” كبلد محتل لآراضي الغير بإيعاز من الوفد الجزائري، في إطار المحاكمة الرمزية للإمبريالية، والصهيونية، ونظام الميز العنصري في المهرجان العالمي 12 للشباب والطلبة بموسكو (الاتحاد السوفياتي) صيف 1985. واحتجاجا على رآسة المحكمة الشبابية الرمزية، بمجرد منحها الكلمة لممثل الانفصاليين، تم احتلال المنصة من طرف مناضلين من الوفد الشبابي المغربي الحاضرين بالورشة، وسحب الرفيق موسى كرزازي مكبر الصوت من ممثل البوليزاريو، وتدخل وفسر سبب احتجاج الوفد المغربي الذي جاء ليتضامن مع القضايا العادلة، وهو يرفض محاكمة الشعب المغربي الذي يدافع عن وحدته الترابية بعد أن حررها من الاستعمار. وكنا قد اتصلنا (شخصيا مع عضوين آخرين من الوفد) مع الإدارة المحلية المنظمة، ووعدونا، بأن البوليزاريو لن تعطى له الكلمة. ولكن كان ذلك، مجرد خديعة، وقفنا لها بالمرصاد في حينها.
لقد وقف كل الرفاق والإخوة في الوفد المغربي كامرأة واحدة ورجل واحد، للاحتجاج على هذه المهزلة. ولم يصغوا أبدا لنداء رآسة المحكمة التي دعت المغاربة إلى التزام الهدوء وإفراغ المنصة، بدون جدوى. فقد أصر الرفاق والرفيقات والأخوات والإخوة المغاربة على الصمود إلى حين بلوغ هدفهم في إصرار قل نظيره، باعتبار أن المحاكمة المصطنعة إن تمت، ستكون إهانة لشعب وبلد ودولة وقضية المغرب. ولذا، فقد ارتبكت رآسة المحكمة أمام إصرار المغاربة، واضطرت إلى توقيف جلسة المحاكمة، بعد هذا الاحتجاج، ورفعت الجلسة ولم يأخذ الكلمة ممثل البوليزاريو. وبحثوا عن الرفيق أحمد لطافي منسق الوفد، الذي كان في مركز آخر، وحضر، وأيد بطريقة ديبلوماسية الوقفة الاحتجاجية. وقد رابط كل الحاضرين من الوفد المغربي بمكان المحكمة، وتناولوا أكلة خفيفة على حسابهم في عين المكان. ولم يغادروا المركز في إطار الاحتياط واليقظة، حتى لا يأخذ الكلمة ممثل البوليزاريو الذي كان ينوي محاكمة الدولة المغربية.
أنشطة مكثفة لأعضاء الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية، وتوزيعها لوثائق هامة حول القضايا الوطنية وحقوق الشباب، وتنظيم عشرات اللقاءات مع المنظمات الصديقة
هيأت منظمتنا، قبل المهرجان، كتيبا هاما وزعت الآلاف منه بالعربية والفرنسية، على المشاركات والمشاركين في المهرجان، حول القضية الوطنية والمدن والجزر المحتلة، وقضايا الشباب المغربي والتعريف بالمنظمة. ففي إطار التحضير الجدي لوثائق المهرجان، كلفني وشرفني المكتب الوطني بتهيئ هذا العمل التاريخي، انطلاقا من مواقف الحزب وتصوره لقضية الوحدة الترابية، وكذا انطلاقا من مواقف وأدبيات ونشرات منظمتنا ونضالاتها حول حقوق الشباب. وفي هذا الصدد، فقد كنا قد تقدمنا كمنظمة شبابية بمذكرة حول حقوق الشباب المغربي بمناسبة السنة الدولية، تضمنها الكتيب المذكور. وهي مذكرة مركزة وهامة تظل في أرشيف منظمتنا الشبابية كمصدر موثق.
وعلى هامش المهرجان، عقدت عشرات اللقاءات مع منظمات صديقة وشقيقة، لتبادل التحاليل حول الأوضاع في بلداننا وقارتنا وحول سبل معالجة القضايا العربية في مقدمتها قضية فلسطين. والتعريف بالنضالات التي يخوضها شبابنا وشعبنا لاستكمال المسلسل الديموقراطي، وتوطيد الوحدة الترابية…
وفي هذا الصدد، لا بد من التذكير، بحضور رفيقنا نبيل بنعبدالله، الشاب الطالب آنذاك، الذي كان يتابع دراسته بفرنسا وينشط مع الرفاق في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بباريس، كان ضمن وفد الشباب المغربي لهذا المهرجان. وهو الذي سيقود الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية لاحقا بعد رجوعه من الخارج، حيث انتخب ككاتب أول في المؤتمر الثاني سنة 1988.
خواطر حول سياق حضور في المهرجان 12 بموسكو، غير متوقع: كان حظا سعيدا
هذا ما أسميه “المعجزة السياسية المغربية”، لقد تسلمت جواز السفر “العجيب”، سويعات فقط قبل إقلاع الطائرة، وطرت مع الوفد. وبكل بساطة، كان رفض السلطات منحي جواز السفر، كضريبة أديتها عن وعي، عن النضال في إطار الحزب والشبيبة خلال السبعينيات والثمانينيات (حكم سابق بشهر بدون تنفيذ يونيه1981 (سورسي) فيما أطلق عليه “أحداث غلاء الرغيف والزبدة”. كاد هذا الملف الموثق في محكمة الرباط سلا، أن يحرمني من تسلم جواز سفري للمشاركة كعضو في الوفد الشبابي المغربي في المهرجان العالمي للشباب والطلبة بموسكو صيف 1985.
فبعد هذه المحاكمة السياسية الصورية (فتحي لخضر وأنا شخصيا)، حرمت كمواطن لمدة، من تجديد جواز سفري، رغم تدخل الرفاق على يعته لدى وزير الداخلية، والرفيق إسماعيل العلوي لدى عامل عمالة سلا. ورغم الوعود الكاذبة لطمأنة الرفاق، لم تحرك وزارة الداخلية ساكنا، حتى أنني كدت أن أحرم من المشاركة في المهرجان العالمي، علما بأن منظمتنا، الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية، كانت المنسق الوطني لهذا المهرجان الدولي الذي تشارك فيه باقي المنظمات الشبابية الحزبية والنقابية والطلابية، المشاركة في الوفد المغربي، وقمت بأنشطة مكثفة ككاتب أول لفرع الرباط، وكعضو في المكتب الوطني، حيث زرنا في إطار مهامنا، كباقي الرفاق في المكتب الوطني، عدة فروع بأكادير، خنيفرة، مكناس.. .
ونظرا لأهمية المهرجان، فقد تدخل باستعجال بنحربيط، مدير ديوان وزير الداخلية، وأوفى بوعده، بعد أن كان قد استقبلني بمكتبه، وأصغى بإمعان لمطلبي بالحصول على جواز سفري، والذي فيه مصلحة الوطن، لكوني سأكون عضوا في الوفد الشبابي الذي سيدافع عن القضية الوطنية في المهرجان المذكور. وكانت المفاجأة عندما اتصل شخصيا بمنزلي عبر الهاتف، ثم عبر ديوانه ليخبر أسرتي وبإلحاح، بأن جواز سفري جاهز. وفعلا سحبت جواز سفري أخيرا، في صبيحة يوم اقلاع الطائرة من الدار البيضاء نحو موسكو. وطرت مع الوفد بعد يأس من الوعود. وطوي بذلك ملف تعليق السفر.
ولذلك أعتبر مشاركتي في هذا المهرجان، الذي لم أحرم منه، تجربة رائعة وحظا سعيدا. لأنني في ليلة ذهاب الوفد إلى موسكو، رافقت رفيقاتي ورفاقي إلى الدار البيضاء، على أساس توديعهم صبيحة الغد، نظرا لحرماني من الجواز. ولكن، بفضل “المعجزة المغربية”، نودي علي ذلك اليوم، ورجعت إلى الرباط، وذهبت إلى عمالة سلا باكرا، حيث حرر الجواز على عجل. وقادني صديق لي مباشرة إلى المطار بالدار البيضاء. وكانت الفرحة عارمة بالنسبة لي ولكل الرفيقات والرفاق وعموم الوفد الشبابي المغربي بمصاحبتهم إلى المهرجان. وكان في هذا القرار الحكيم للداخلية، خير للبلد، والشباب، وتجربة غنية لي.
وتحية حارة لرفيقاتنا ورفاقنا في المهرجان العالمي 19 للشباب والطلبة، بمدينة سوتشي الروسية.
> موسى كرزازي *
* عضو المكتب الوطني والكاتب الأول لفرع الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية JMPS (1977-1992)
* عضو الوفد الشبابي المغربي في المهرجان العالمي 12 للشباب والطلبة بموسكو 1985