نظم المجلس الوطني لحقوق الإنسان ندوة فكرية يوم 24 يونيو 2021 حول موضوع: تقنين حق الإضراب وحقوق الإنسان، ساهم في تأطيرها الأستاذ محتات الرقاص عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي قام بتسييرها والأستاذ جمال أغماني خبير لدى منظمة العمل الدولية ووزير التشغيل سابقا، الأستاذ محمد القري اليوسفي أستاذ التعليم العالي بجامعة مولاي إسماعيل مكناس، الأستاذ هشام زوانات رئيس اللجنة الاجتماعية للاتحاد العام لمقاولات المغرب، وكنت ضمن المساهمين بصفتي باحثاً في المجال النقابي ومستشاراً برلمانيا سابقاً. وقد كانت تدخلات الأساتذة المؤطرين متكاملة فيما بينها، سلطت الأضواء على الموضوع من مختلف جوانبه، خاصة وأن هذا الموضوع ظل يحظى باهتمام كبير من طرف الفاعلين الاجتماعيين والرأي العام الوطني. ويعد النقاش الفكري والعلمي وسيلة أساسية لهيئات الحكامة، لما له من دور أساسي وفعال، كما أن ربط تنظيم حق الإضراب باحترام حقوق الإنسان كان اختيارا صائبا من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو ما ينسجم مع طبيعته ومهامه، ولكون هذا الموضوع له طابع اجتماعي ومجتمعي.
ولما للموضوع من أهمية، ارتأيت أن أقوم بكتابة ونشر مداخلتي التي قدمتها بكيفية مجملة قصد المزيد من التوضيح لما طرحته مع إضافة بعض الجوانب التي لم أتمكن من تفصيلها لما قد تكون له من فائدة لكون الحصة الزمنية المحددة في 20 دقيقة لكل متدخل لا تسمح، ولكون طبيعة الموضوع تستدعي ذلك، وفي البداية أجدد شكري إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان على قيامه بهذه المبادرة لتحريك النقاش في هذا الموضوع لما له من أهمية.
مناقشة موضوع تنظيم حق الإضراب يعود بنا إلى ما قدمته الطبقة العاملة من تضحيات ومن شهداء ومعتقلين ومطرودين لسنوات طويلة منذ بداية النهضة الصناعية في نهاية القرن ما قبل الماضي إلى أن تمكنت من إقرار ممارسة هذا الحق بعد مصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة في فاتح دجنبر 1966 على العهد الدولي لحقوق الإنسان، كما نصت على ذلك المادة الثامنة منه.
وعلى المستوى الوطني انتزعت الطبقة العاملة المغربية حق الإضراب خلال مرحلة الاستعمار، وقد استعملته بالدرجة الأولى في تلك المرحلة للمساهمة في إخراج المستعمر إلى جانب باقي مكونات الشعب المغربي، وبعد الاستقلال واصلت استعماله من أجل الدفاع عن حقوقها المشروعة، وقد عرفت المرحلة بين 1956 و1959 تطورا كبيرا حيث تم صدور ظهير 17 أبريل 1957 حول الاتفاقيات الجماعية وظهير 16 يوليوز 1957 حول النقابات المهنية كما عرف مجال الاتفاقيات الجماعية تطورا كبيرا حيث تم إبرام العديد من الاتفاقيات الجماعية خلال هذه الفترة، رغم أن المجلس الأعلى للاتفاقيات الجماعية لم يصدر إلا في 29 نونبر 1960 ولذلك كان من الطبيعي أن يتضمن دستور 1962 حق ممارسة الإضراب.
وعلى مستوى القضاء توصل الاجتهاد القضائي المغربي الصادر عن محكمة النقض القرار عدد 440 بتاريخ 25 أبريل 2017 في الملف الاجتماعي عدد 844- 5- 1- 2017 والذي أكد على أن حق الإضراب مضمون بمقتضى العهد الدولي ودستور المملكة لسنة 2011.
ومن خلال ما أشرنا إليه يتضح أن حق الإضراب محسوم بشكل واضح قانونيا ودستوريا ولا اختلاف على ذلك.
وبعد هذه المقدمة سأقسم الموضوع إلى ثلاثة جوانب:
أولا: قراءة في مشروع القانون رقم 15-97 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب
ثانيا: أسباب ودواعي ممارسة حق الإضراب
ثالثا: تقليص نسبة الإضرابات وترسيم التوافق القائم على أرض الواقع
أولا: قراءة في مشروع القانون رقم 15-97
بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب
ويتكون هذا المشروع من 49 مادة تنقسم إلى ستة أبواب
الباب الأول: أحكام عامة المواد من 1 إلى 6.
الباب الثاني: شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب بالقطاع الخاص المواد من 7 إلى 29.
الباب الثالث: شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب بالقطاع العام المواد من 30 إلى 33.
الباب الرابع: أحكام خاصة بالإضراب بالمرافق الحيوية المادة 34 .
الباب الخامس: العقوبات، المواد من 35 إلى 46 .
الباب السادس: أحكام مختلفة وختامية المواد من 47 إلى 49.
وسأقف عند مواد المشروع لإعطاء أمثلة على الاختلالات التي يعرفها ومنها :
* المواد من 1 إلى 6: الفئات التي يعنيها ممارسة حق الإضراب
– حيث لم تشمل جميع الأجراء وبالأخص العمال البحارة (ظهير 31 مارس 1919 مدونة التجارة البحرية).
– ولم تشمل العمال المنجميين (ظهير 24 دجنبر 1960 بمثابة قانون المستخدمين في المقاولات المنجمية) .
– ولم تشمل فئات المهنيين غير الأجراء بمختلف أصنافهم.
– ولم تشمل الطلبة الذين يخوضون إضرابات في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، خاصة وأنه في بعض الأحيان تحدث مواجهات بينهم، قد يساعد تنظيم حق الإضراب من إزالتها خاصة وأن الإضراب يمارس على أرض الواقع.
– إعطاء حق ممارسة الإضراب عند عدم وجود النقابة، وإن كان من حيث المبدأ لا يمكن الاختلاف على ذلك. غير أنه بالرجوع إلى الواقع يتبين أن جل المقاولات التي تنتخب المندوبين المستقلين منذ صدور ظهير 29 أكتوبر 1962 تستهدف من ذلك التضييق على العمل النقابي، وإذا تمت إزالة هذه المضايقات سيفضلون الالتحاق بالنقابات، علما أن التشريع المقارن مثل وضعية الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وألمانيا حيث يتطلب وجود النقابة أو الانتساب إليها لممارسة حق الإضراب وهو الوضع الذي يناسبنا في المغرب علما أن فرنسا لا زالت لم تقم بتقنين الإضراب بالنسبة للقطاع الخاص ويتم اعتماد الاجتهاد القضائي وبالنسبة للقطاع العام يتم من طرف النقابة الأكثر تمثيلية.
* المادة 7 تحديد فترة الإخطار pré avis في 30 يوما من توصل المشغل بالملف المطلبي دون الأخذ بعين الاعتبار الإضرابات التي تتم بسبب التضييق على الحريات النقابية أو المطالبة بتطبيق القانون أو التأخير في أداء الأجور وفي هذه الحالات يجب عدم التقيد بمهلة الإخطار، حيث تم اعتماد ما كان ينص عليه ظهير 19 يناير 1946 حول المصالحة والتحكيم والذي سبق للنقابات أن رفضته منذ مرحلة الستينيات من القرن الماضي. وهناك الحالات التي تكون طبيعة الآلات أو المواد الأولية تتعرض للتلف والضياع عند التوقف الفوري وفي هذه الحالات فالنقابات تعرف ذلك جيدا ويأخذونه بعين الاعتبار ولا يطرح أي مشكل ويمكن التوافق حول فترة الإخطار عندما يتعلق الأمر بتقديم الملفات المطلبية.
* المادة 10 و34 الحد الأدنى من العمل حيث أعطيت صلاحيات واسعة للمشغلين عند رفض الأجراء المكلفين بتوفير الحد الأدنى من الخدمة وكان يجب أن تعطى هذه الصلاحية للقضاء وفق مساطر القضاء المستعجل لكي لا يكون المشغل خصما وحكما علما بأن النقابات لا تمانع في ذلك سواء في أقسام المستعجلات بالمستشفيات والمؤسسات الصحية والمرافق العمومية وعند الحالات الضرورية التي تستدعي ذلك أو في الحراسة بالنسبة للمقاولات أو لغيرها، وفي كل الحالات لا يطرح هذا الموضوع أي مشكل لكون النقابات تعرف ذلك جيدا وتأخذه بعين الاعتبار، وتدخله في برامجها عند قيامها بالإضراب، غير أنه يجب أن يبقى في حدود ما هو ضروري.
* المادة 12 حول تنفيذ الإضراب بكيفية متتالية في نظام الفرق بالنسبة للعمال الذين يشتغلون بالتناوب، وفي هذه الحالات يقوم العمال بالإضراب في كل فرقة لمدة زمنية محددة قد تكون ساعة أو ساعتين في الفوج، غير أنه يجب أن لا تتم عرقلة العمل بالنسبة للعمال الذين لا يريدون المشاركة في الإضراب، وهو إجراء غير مقبول لكونه يمس بحق الإضراب.
وقد يكون المقصود من هذه المادة الإضراب الدائري الذي يعني التخفيض من الإنتاج أي SABOTAGE هذا النوع من الإضراب لا تعتمده النقابات في برامجها لكونه يتنافى مع القيم الدينية والأخلاقية.
* المادة 14 عدم أداء الأجر أثناء فترة الإضراب، وإن كان هذا الإجراء مقبولاً في الحالات التي يتقدم العمال فيها بالملف المطلبي، وفي بعض الأحيان يتم الاتفاق على أداء الأجور جميعها أو جزء منها بالتوافق، غير أنه في الحالات التي يتم فيها الإضراب من أجل التأخير في أداء الأجر أو التضييق على الحريات النقابية أو المطالبة بتطبيق القانون في هذه الحالات يجب ألا يتم اعتماد هذه القاعدة، وهو ما يتماشى مع الاجتهاد القضائي الفرنسي، وبالنسبة للقطاع العام فإن حالات الاقتطاع التي تتم لا مبرر لها لكونها تعتمد على المرسوم رقم 2.99.1216 الصادر في 10 ماي 2000 بتحديد بشأن الاقتطاعات من رواتب موظفي وأعوان الدولة والجماعات المتغيبين عن العمل بدون عذر، علما بأن هذا المرسوم ومراسيم أخرى صدرت في نفس التاريخ على عهد حكومة المرحوم عبد الرحمان اليوسفي والتي جاءت بهدف محاربة التغيب عن العمل غير المبرر ومحاربة الموظفين الأشباح، ولا علاقة له بالإضراب، وقد سبق للمحكمة الإدارية أن أصدرت حكما بإلغاء قرار الاقتطاع في الملف رقم 3772 بتاريخ 27/11/2013.
* المادة 16 للإخبار بتاريخ ومكان انعقاد الجمع العام الذي يتخذ فيه قرار الإضراب، فلا يعقل أن يتم اعتماد هذه القاعدة بأن تقوم النقابة بإخبار المشغل بتاريخ ومكان الاجتماع الذي يتخذ فيه قرار الإضراب، وهو إجراء استفزازي يمس بمصداقية العمل النقابي.
* المادة 27 منع احتلال مكان العمل خلال سريان الإضراب، فهناك الحالات التي يتم فيها خوض الإضراب لمدة ساعة أو ساعتين أو أقل أو أكثر وهذه القاعدة لا يمكن قبولها كما أشرنا إلى ذلك في المادة 12 لكونها تمس بحق الإضراب.
وبالنسبة لحالات الاعتصامات التي تقع في بعض الأحيان والتي يعود سببها إلى منع توظيف عمال جدد أثناء الإضراب أو إخراج الآلات أو المواد الأولية بهدف تصنيعها في أماكن أخرى، وهي حالات محدودة تقع في بعض الأحيان يمكن إزالتها مع إزالة أسبابها.
* المادة 33 الفئات المستثناة من ممارسة حق الإضراب والذي يتطلب استثناء الجيش والشرطة فقط حيث تم منع جميع موظفي وزارة الداخلية علما بأنهم ليسوا كلهم مكلفين بحفظ الأمن بالإضافة إلى منع عدة فئات من الموظفين مما يتطلب مراجعة هذه المادة.
ومن خلال الملاحظات التي أشرنا إليها يتضح أن هذا المشروع غير صالح، ولا يمكن ممارسة حق الإضراب بشكل طبيعي عند إقراره، لكونه تجاهل ما تحقق من تراكمات وهدفنا من هذه القراءة أن نوضح بأن أي مشروع يؤتى به مستقبلا لابد أن يعتمد القواعد التي تكرس على أرض الواقع من خلال الممارسة الفعلية في الميدان.
ثانيا: أسباب ودواعي ممارسة حق الإضراب
وبالرجوع إلى تطورات الأوضاع الاجتماعية على الصعيد الوطني وطبيعتها تتضح أهمية احترام حق الإضراب لحماية الحقوق والذي تستعمله النقابات من أجل القضايا التالية :
– 1 المطالبة باحترام ممارسة الحق النقابي، إذ كلما تكون مكتب نقابي في هذه المؤسسة أو تلك إلا ويتعرض العمال للطرد من العمل، ولولا هذا الحق لانعدم وجود النقابة.
– 2 المطالبة بتطبيق مقتضيات مدونة الشغل، فجل المؤسسات لا تطبق مقتضيات المدونة إذا لم يكن وجود النقابة وإذا لم يتم اللجوء إلى ممارسة حق الإضراب.
– 3 المطالبة بتوفير الحماية الاجتماعية، وبالأخص التصريح بالعمال في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وسلامة التصريحات من التلاعبات أمام الفوضى العارمة التي يعرفها هذا المجال رغم دور المراقبة الذي يقوم به مفتشو الشغل ومفتشو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
– 4 المطالبة بتلبية الملفات المطلبية لتحسين الأوضاع المهنية والاجتماعية للعمال بالقطاع الخاص من خلال إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية وعقد البروتوكولات.
–5 المطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية للموظفين والمستخدمين بالوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية، وعند استعراض الوضعية بمختلف قطاعات الوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية تتضح أهمية ما يتم القيام به من طرف النقابات.
– 6 المطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية للطبقة العاملة والمثال على ذلك ما تضمنته الاتفاقات التي تمت منذ التوقيع على التصريح المشترك لفاتح غشت 1996 واتفاق 23 أبريل 2000 و30 أبريل 2003 و26 أبريل 2011 و25 أبريل 2019 حيث تم تحقيق العديد من الحقوق المادية والمعنوية، وقد انعكس ذلك إيجابيا على كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والحريات العامة والديمقراطية كما كان لها تأثير كبير على التطورات التي عرفها مجال حقوق الإنسان.
ومن خلال هذه الأمثلة الستة التي أشرنا إليها يتضح مدى ضرورة وأهمية حماية حق الإضراب، إذ لولا ذلك لكانت الوضعية جد سيئة ومتدهورة عما هي عليه.
ولكون الحركة النقابية تتوفر على رؤية متكاملة وشمولية، فقد ظل موضوع الدفاع عن المقاولة والاقتصاد الوطني وعن المدرسة العمومية وعن مختلف المرافق والمؤسسات التي تقدم خدمات للمجتمع لما لها من دور وظيفي بل الأكثر من ذلك ظل هذا الموضوع داخل ملفاتها المطلبية وبرامجها النضالية.
وكل هذه النضالات التي يتم خوضها على كافة هذه المستويات التي أشرنا إليها لها طابع دفاعي، ومن هنا يتضح مدى أهمية احترام حق الإضراب باعتباره وسيلة أساسية للدفاع عن القانون وعن المشروعية، علما أن النقابات بطبيعتها لا تلجأ إلى استعمال سلاح الإضراب إلا بعد استنفاد جميع ما يتطلب القيام به من أجل إيجاد الحلول للقضايا المطروحة.
ثالثا: تقليص نسبة الإضرابات
وترسيم التوافق القائم على أرض الواقع
ومن أجل التنقيص من عدد الإضرابات وترسيم التوافق على تنظيم حق الإضراب القائم على أرض الواقع يتطلب الأمر القيام بالخطوات التالية:
– 1 تفعيل جميع مواد الدستور وبالأخص منها الفصل السادس والثامن والثالث عشر والتاسع والعشرين والواحد والثلاثين.
– 2 القيام بدراسة علمية حول أسباب نشوء الإضرابات بالقطاع الخاص والتي تعود بالأساس كما أشرنا إلى ذلك إلى التضييق على الحريات النقابية وعدم تطبيق مقتضيات مدونة الشغل وعدم التصريح في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والتلاعب في التصريحات، وهو ما ينعكس بشكل سلبي على أوضاع العمال وعلى المقاولات التي تطبق القانون وعلى ضوء هذه الدراسة تتخذ التدابير والإجراءات التي يتطلب القيام بها.
– 3 العمل على تطبيق مقتضيات مدونة الشغل.
4 – تعميم الحماية الاجتماعية على الأجراء وبالأخص تعميم التصريحات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مع سلامة التصريحات من العيوب وهو ما يساعد على التعجيل بتطبيق قانون إطار رقم 21.09 يتعلق بالحماية الاجتماعية.
5 – مراجعة النظام الأساسي للوظيفة العمومية وإيجاد حل لوضعية المتعاقدين.
6 – تقوية دور الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية واتفاقيات الشغل الجماعية من خلال:
– تفعيل الحوار بجميع قطاعات الوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية وفق منظور شمولي يأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الاجتماعية للموظفين والمستخدمين مع الدور الوظيفي والاستراتيجي الذي تقوم به هذه القطاعات لصالح المجتمع.
– تقوية اتفاقيات الشغل الجماعية على مستوى المقاولات والقطاعات المهنية مع وضع دراسات قطاعية وتنظيم ندوات تحسيسية بهدف تقوية المقاولات بمختلف القطاعات المهنية وفق منظور متوازن يأخذ بعين الاعتبار مصلحة الطرفين.
– تفعيل الهيئات الاستشارية المنصوص عليها في مدونة الشغل لتقوم بدورها على الوجه المطلوب حتى لا تظل اجتماعاتها شكلية والتي سيتم إعادة هيكلتها على ضوء نتائج انتخابات مناديب العمال وأعضاء اللجان الثنائية لشهر يونيو 2021.
– تفعيل الحوار الثلاثي وفق مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ومتابعة ملائمة الأجور والأسعار مع احترام مواعيد دورات الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية.
كل ذلك سيؤدي إلى تخفيض نسبة الإضرابات التي تعود إلى الأسباب التي أشرنا إليها.
7- ترسيم التوافق على تنظيم حق الإضراب القائم على أرض الواقع :
وبالرجوع إلى ما تحقق من تراكمات على أرض الواقع من خلال الممارسة الفعلية في الميدان يتضح أن التوافق حول تنظيم حق الإضراب قائم منذ فترة طويلة.
– فعلى مستوى المقاولة تتم هذه الممارسة بشكل طبيعي وعادي حيث يتم تقديم ملفات مطلبية للمشغلين وإذا تم فتح الحوار بشكل طبيعي كما أن مهلة الإخطار يتم احترامها وإن كانت مدتها تختلف حسب طبيعة الوضعية التي تختلف من حالة إلى أخرى، غير أنها لا تطرح أي مشكل وهناك الحالات التي يتم خوض الإضراب فيها من أجل احترام الحق النقابي أو المطالبة بتطبيق القانون أو تأخير أداء الأجور أو غيرها من الحالات التي يتم خوض الإضراب فيها من أجل الدفاع عن الحقوق أو ضد بعض الخروقات أو بعض التعسفات في غالب الأحيان يتم احترام مهلة الإخطار على الأقل 48 ساعة على الأقل إلى أنه في بعض الحالات الاضطرارية قد يحدث إضراب فجائي والذي في غالب الأحيان يكون بسبب تعسفات المشغلين.
– وعلى مستوى قطاعات الوظيفة العمومية والجماعات الترابية تُقدم الملفات المطلبية، ويُطلب فتح الحوار، وإذا تحققت الاستجابة يتم التوصل إلى الحلول بشكل توافقي دون أي مشكل، وإذا لم يتحقق ذلك يتم اللجوء إلى الإضراب ولا يطرح ذلك أي مشكل بالنسبة إلى مهلة الإخطار.
وعلى مستوى المطالبة بتحسين الأوضاع الاجتماعية للطبقة العاملة التي تدخل في إطار مسؤولية الحكومة يتم تقديم المطالب التي تستوجب إيجاد الحلول لها، وإذا كانت الاستجابة يتم التوصل إلى التوافق كما هو الشأن بالنسبة لجميع الاتفاقات التي تم إبرامها منذ فاتح غشت 1996 إلى اتفاق 25 أبريل 2019 ولا يكون هناك أي مشكل إذا تم احترام الضوابط القانونية.
وقصد ترسيم هذا التوافق والوصول إلى تهييء مشروع قانون متوافق عليه يمكن تكوين لجنة ثلاثية على غرار ما تم بالنسبة لمدونة الشغل تمثل فيها الحكومة والمنظمات المهنية للأجراء والمشغلين والقطاعات المهنية للعاملين غير الأجراء وكل الجهات التي لها علاقة بالموضوع على أن تنطلق مما تحقق من تراكمات خلال المراحل الماضية ومن معايير منظمة العمل الدولية، على أن يحال على المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لإبداء الرأي، وبعد ذلك وقبل إحالته على البرلمان للمصادقة عليه يتم نشره لتطلع عليه مختلف الهيئات وبالأخص منها الهيئات الحقوقية والرأي العام الوطني، ومن الأفيد أن يتم توسيع المشاورات إلى أقصى ما يمكن أن يكون ولن يشكل ذلك عائقا بقدر ما يشكل عنصر قوة، أعتبر أن هذا التوافق يخدم مصلحة المقاولة، ومصلحة الطبقة العاملة، والاقتصاد الوطني.
< بقلم: عبد الرحيم الرماح