جرادة مدينة منكوبـة تـــــــبحث عن لقمة العيش

كان المطلب الوحيد هو الإعفاء من فواتير الماء والكهرباء والتخفيف من غلائهما الذي أنهك أسرا لا تجد قوت يومها إلا ما تجنيه من آبار موت عشوائية موزعة على تراب المدينة. الحياة في مدينة جرادة متوقفة والزمن توقف أيضا. لتتحول المطالب بعد مأساة وفاة أشخاص بهذه الآبار إلى المطالبة ببديل اقتصادي يعتق المدينة والاقليم من الشلل الذي أصابها. لا شيء ينبئ بوجود حياة انسانية، أحياء فقيرة متباعدة تربط بينها سيارات أجرة بثمن زهيد لكنه في المدينة يغطي عشاء أسرة من أربعة أفراد. زارت “بيان اليوم” أحياء جرادة وبعض الأسر والتقت بمتقاعدين من معمل الفحم الذي أغلق في نهاية تسعينيات القرن الماضي، اللقاءات كشفت أن حال في مدينة جرادة أشبه بمدينة شبح يعيش فيها الناس على الكفاف لا دخل ولا فرص شغل باستثناء بضع مئات المناصب التي توفرها محطة الطاقة الحرارية، كان إغلاق معمل الفحم إعلان وفاتها وزاد من الشلل الذي تعيشه عدم الوفاء بالبرنامج التنموي الذي التزمت به الدولة غداة إغلاق المعمل الوحيد الذي كانت تقتات عليه.

شرارة الاحتجاجات

اقتصرت مطالب ساكنة جرادة في البداية على مطلب وحيد هو الإعفاء من أداء فواتير الكهرباء والماء التي اعتبروها غالية، ورفضوا في مرحلة أداءها، غير أن الأمور تطورت لتصبح بعد ذلك مطالب متعددة. خلال مطالب الساكن بالإعفاء من أداء فواتير الكهرباء وبداية الاحتجاج لتحقيق هذا المطلب تدخلت مصالح المكتب الوطني للكهرباء لمحاولة استخلاص الفواتير، ولجأت إلى نزع العدادات الكهربائية وهو الأمر الذي أدى إلى مناوشات بين بعض الأعوان وبعض شباب المدينة في بعض الأحياء التي شرع فيها أعوان المكتب في نزع العدادات الكهربائية وتطورت الأمور إلى مواجهات استدعت تدخل السلطات، حيث تم توقيف ثلاثة شبان، ما دفع الساكنة إلى التصعيد والخروج في احتجاجات للمطالبة بالإفراج عن الموقوفين الثلاثة أواخر شهر دجنبر من السنة الماضية، وانتهى الأمر بالإفراج عنهم، غير أن تصادف الأمر مع وفاة شقيقين في آبار الفحم زاد من غضب الساكنة التي دخلت في احتجاجات متواصلة تطالب فيها بالتحقيق في الاستغلال غير القانوني الذي يعرفه استخراج الفحم ولو بشكل عشوائي تحت مظلة القانون بحكم أن هناك أشخاصا نافذين يتوفرون على رخص استغلال لهذه الآبار.
يحكي أحد المصادر الذين التقت بهم “بيان اليوم” والذين فضل عدم الكشف عن هويته، أن أباطرة الفحم الذين يستغلون ثروات المنطقة لفترة طويلة من الزمن، اغتنوا على حساب ساكنة المدينة، دون أن يقدموا لها في المقابل أي خدمة، وأشار إلى الاستغلال البشع لثروة المدينة لعقود من الزمن من طرف هذه اللوبيات، أدى بالمدينة إلى هذا الوضع الذي تعيشه. وأوضح أن من بين مطالب الساكنة المحتجين هو محاسبة المفسدين وأباطرة الفحم، وفتح تحقيق في الفساد الذي طال ثروة المدينة والطريقة التي تمت بها تصفية شركة ” مفاحم المغرب” وتركتها.

التصعيد

انطلقت الاحتجاجات قبل أزيد من ثلاثة أشهر، بعد توالي الأحداث، بشكل سلمي، وبدأ “الحراك” يتسع ويحتل جزء كبيرا في الفضاء الإعلامي وأصبحت الأنظار موجهة إلى مدينة جرادة، والبحث عن الأسباب التي دفعت إلى الساكنة للخروج إلى الشارع والاستمرار في الاحتجاج لأزيد من ثلاثة أشهر. خلال ذلك حل مسؤولون حكوميون بالمدينة، لبحث المطالب التي رفعتها الساكنة، وتشكلت لجنة حوار تكونت من “نشطاء الحراك” وممثلين عن هيئات مدنية، واستمر الحوار لبضع جلسات قبل أن يصل الباب المسدود. وخرج مسؤولون حكوميون في تصريحات متفرقة يؤكدون أن مطالب الساكنة بمدينة جرادة “مطالب مشروعة” غير أن مطلب الاعفاء من أداء استهلاك الماء والكهرباء، أمر غير معقول ولا يمكن تطبيقه. وبعد جلسات الحوار التي عقدت بين السطات وبين ممثلي عن الهيئات المدنية ونشطاء في الحراك، كانت الأمور على وشك أن تهدأ، غير أن تأخر السلطات في تنزيل الوعود التي قدمتها، دفع نشطاء الحراك والساكنة إلى العودة إلى الخروج للشارع بعد فترة قصيرة من عودة الهدوء.
بعد ذلك أعلنت وزارة الداخلية عن منع أي احتجاج غير مرخص، وبدأت الأمور تتخذ منحى أخر. ليقرر نشطاء الحراك رفقة الساكنة الخروج في مسيرات احتجاجية. وخلال ما سمي بأحداث “الأربعاء الأسود” شهدت إحدى الساحات بالمدينة مواجهات بين القوات العمومية والساكنة. وفي الوقت الذي يتهم فيه النشطاء أن القوات العمومية هي التي بدأت في التدخل، توجه السلطات اتهامات إلى أطراف وجهات تقول إنها كانت وراء الاعتداءات على القوات العمومية، التي تدخلت للحفاظ على النظام العام. وشهد “الأربعاء الأسود” أحداثا مأسوية كان من بين ضحاياها عدد كبير من رجال القوات العمومية ومواطنين الذين أصيبوا بجروح متفاوتة، زيادة على الطفل الذي “دهسته” سيارة تابعة للقوات العمومية. يقول” ف.ل” أحد النشطاء الذين واكبوا الحراك منذ بدايته، إن مسار الحراك قبل هذه الأحداث، عرف بعض الانحراف، وبدأت عمليات التخوين الداخلي بين بعض الأطراف التي كانت تؤطر الحراك، مشيرا إلى أن نشطاء رفضوا حضور ممثلي الهيئات النقابية والحزبية وبعض الهيئات المدنية في الحلقات التقريرية. وأوضح إلى أن المسار الذي أخده الحراك أصبح مجهولا وبدا أفقه غير معروف.
هذا المعطى أكده أكثر من ناشط من الذين التقت بهم ” بيان اليوم” غير أنهم أجمعوا كلهم على أن الطريقة التي تدخلت بها القوات العمومية كانت عنيفة، فضلا أن المدينة تحولت إلى “ثكنة عسكرية” وأصبح مظهر انتشار القوات العمومية في المدينة يثير رعب الساكنة.

اعتقالات بالجملة

بلغ مجموع المعتقلين على خلفية الاحتجاجات بمدينة جرادة نحو 26 معتقلا بحسب تصريحات رسمية، فيما يتحدث نشطاء عن اعتقالات أخرى طالت نشطاء أخرين، ويتابع المعتقلون الذين ينقسمون إلى ثلاث مجموعات بتهم “إهانة موظفين عموميين بأقوال وتهديدات وإشارة أثناء مزاولتهم لمهامهم، واستعمال العنف والإيذاء في حقهم ترتبت عنه جروح مع سبق الإصرار والترصد” و”تخريب وتكسير وتعييب أشياء مخصصة للمنفعة العامة، والتحريض على العصيان بواسطة خطب في أماكن عامة، والإمساك العمدي عن تقديم مساعدة وصل عدد المتابعين الموقوفين على خلفية أحداث جرادة، أزيد من 50 متابعا بحسب محامين من هيئة الدفاع، فيما يتحدث نشطاء عن استمرار اعتقالات أخرى طالت نشطاء آخرين، ويتابع المعتقلون الذين ينقسمون إلى ثلاث مجموعات بتهم “إهانة موظفين عموميين بأقوال وتهديدات وإشارة أثناء مزاولتهم لمهامهم، واستعمال العنف والإيذاء في حقهم ترتبت عنه جروح مع سبق الإصرار والترصد” و”تخريب وتكسير وتعييب أشياء مخصصة للمنفعة العامة، والتحريض على العصيان بواسطة خطب في أماكن عامة، والإمساك العمدي عن تقديم مساعدة لأشخاص في خطر، والتحريض على ارتكاب جنايات وجنح كان له مفعول فيما بعد”.
وبحسب محامين من هيئة الدفاع فإن 11 معتقلا من المتابعين على خلفية أحداث جرادة، سيتم النظر في ملفهم بالغرفة الجنحية التلبسية في المحكمة الابتدائية في وجدة، يوم الاثنين 2 ابريل بعد تأجيل جلسة يوم 26 مارس، فيما يعرض باقي المتابعين على قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بوجدة.
هذا، وسبق أن تم تقديم 22 من الموقوفين أمام محكمة الاستئناف بوجدة، حيث قرر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بوجدة، إحالة سبعة من المعتقلين للاختصاص على وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الذي قرر بدوره متابعتهم في حالة اعتقال، وإحالتهم على جلسة الجنحي التلبسي والتي عقدت يوم الاثنين 19 مارس، وتم تأجيلها إلى يوم الاثنين 26 مارس، بعدما تم رفض ملتمس طلب السراح الذي تقدمت به هيأة الدفاع. وشهد يوم الاثنين 19 مارس الجاري، وقفة احتجاجية لعائلات المعتقلين ونشطاء ” حراك جرادة” وفعاليات حقوقية، تطالب بإطلاق سراح المعتقلين.
من جهة أخرى، أوضح المحامي مراد زيبوح عضو هيئة دفاع المتابعين على خلفية أحداث جرادة، أن الدولة انتصبت كطرف مدني وعينت محامي للترافع لفائدتها بعد سقوط جرحى من القوات العمومية والخسائر التي لاحقت ممتلكات تعود للدولة.

ثكنة عسكرية

منذ مدخل المدينة، بمنطقة العوينات، ترابط القوات العمومية، عشرات العربات الخاصة بها تتواجد على جنبات الطريق المؤدي إلى وسط المدينة. عدد من المراكز الاجتماعية والثقافية أصبحت كلها مشغولة وخارج الخدمة التي كان من المألوف أن تقدمها. في وسط المدينة تتمركز القوات العمومية بمختلف أنواعها في عدد من النقط، فالمركز الثقافي أصبح مقرا لها، وكذلك الشأن للقاعة المغطاة ومركز الاستقبال التابع للشبيبة والرياصة، والمركب الاجتماعي التابع للمجلس الإقليمي، زيادة على الباشوية القديمة. الانزال الأمني الذي تشهده المدينة من مدخلها وعلى طول الشارع الرئيسي الوحيد الذي يمر منها، أصبح منظرا يخلق نوعا من الرعب، يثير استياء الساكنة، بحسب تصريحات عدد من الذين التقت به ” بيان اليوم”، حيث يقول أحدهم ” نحن طالبنا بالخبز، ثم استقدموا لنا القوات العمومية” وأضاف ” نحن سلميين منذ ثلاثة أشهر ولم تسجل في المدينة أحداث شغب أو اعتداء على أي أحد أو على الممتلكات، ما الذي تغير اليوم، حتى تستقدم القوات العمومية بهذا الشكل”.

شرارة الاحتجاجات

اقتصرت مطالب ساكنة جرادة في البداية على مطلب وحيد هو الإعفاء من أداء فواتير الكهرباء والماء التي اعتبروها غالية، ورفضوا في مرحلة أداءها، غير أن الأمور تطورت لتصبح بعد ذلك مطالب متعددة. خلال مطالب الساكن بالإعفاء من أداء فواتير الكهرباء وبداية الاحتجاج لتحقيق هذا المطلب تدخلت مصالح المكتب الوطني للكهرباء لمحاولة استخلاص الفواتير، ولجأت إلى نزع العدادات الكهربائية وهو الأمر الذي أدى إلى مناوشات بين بعض الأعوان وبعض شباب المدينة في بعض الأحياء التي شرع فيها أعوان المكتب في نزع العدادات الكهربائية وتطورت الأمور إلى مواجهات استدعت تدخل السلطات، حيث تم توقيف ثلاثة شبان، ما دفع الساكنة إلى التصعيد والخروج في احتجاجات للمطالبة بالإفراج عن الموقوفين الثلاثة أواخر شهر دجنبر من السنة الماضية، وانتهى الأمر بالإفراج عنهم، غير أن تصادف الأمر مع وفاة شقيقين في آبار الفحم زاد من غضب الساكنة التي دخلت في احتجاجات متواصلة تطالب فيها بالتحقيق في الاستغلال غير القانوني الذي يعرفه استخراج الفحم ولو بشكل عشوائي تحت مظلة القانون بحكم أن هناك أشخاصا نافذين يتوفرون على رخص استغلال لهذه الآبار.
يحكي أحد المصادر الذين التقت بهم “بيان اليوم” والذين فضل عدم الكشف عن هويته، أن أباطرة الفحم الذين يستغلون ثروات المنطقة لفترة طويلة من الزمن، اغتنوا على حساب ساكنة المدينة، دون أن يقدموا لها في المقابل أي خدمة، وأشار إلى الاستغلال البشع لثروة المدينة لعقود من الزمن من طرف هذه اللوبيات، أدى بالمدينة إلى هذا الوضع الذي تعيشه. وأوضح أن من بين مطالب الساكنة المحتجين هو محاسبة المفسدين وأباطرة الفحم، وفتح تحقيق في الفساد الذي طال ثروة المدينة والطريقة التي تمت بها تصفية شركة ” مفاحم المغرب” وتركتها.

التصعيد

انطلقت الاحتجاجات قبل أزيد من ثلاثة أشهر، بعد توالي الأحداث، بشكل سلمي، وبدأ “الحراك” يتسع ويحتل جزء كبيرا في الفضاء الإعلامي وأصبحت الأنظار موجهة إلى مدينة جرادة، والبحث عن الأسباب التي دفعت إلى الساكنة للخروج إلى الشارع والاستمرار في الاحتجاج لأزيد من ثلاثة أشهر. خلال ذلك حل مسؤولون حكوميون بالمدينة، لبحث المطالب التي رفعتها الساكنة، وتشكلت لجنة حوار تكونت من “نشطاء الحراك” وممثلين عن هيئات مدنية، واستمر الحوار لبضع جلسات قبل أن يصل الباب المسدود. وخرج مسؤولون حكوميون في تصريحات متفرقة يؤكدون أن مطالب الساكنة بمدينة جرادة “مطالب مشروعة” غير أن مطلب الاعفاء من أداء استهلاك الماء والكهرباء، أمر غير معقول ولا يمكن تطبيقه. وبعد جلسات الحوار التي عقدت بين السطات وبين ممثلي عن الهيئات المدنية ونشطاء في الحراك، كانت الأمور على وشك أن تهدأ، غير أن تأخر السلطات في تنزيل الوعود التي قدمتها، دفع نشطاء الحراك والساكنة إلى العودة إلى الخروج للشارع بعد فترة قصيرة من عودة الهدوء.
بعد ذلك أعلنت وزارة الداخلية عن منع أي احتجاج غير مرخص، وبدأت الأمور تتخذ منحى أخر. ليقرر نشطاء الحراك رفقة الساكنة الخروج في مسيرات احتجاجية. وخلال ما سمي بأحداث “الأربعاء الأسود” شهدت إحدى الساحات بالمدينة مواجهات بين القوات العمومية والساكنة. وفي الوقت الذي يتهم فيه النشطاء أن القوات العمومية هي التي بدأت في التدخل، توجه السلطات اتهامات إلى أطراف وجهات تقول إنها كانت وراء الاعتداءات على القوات العمومية، التي تدخلت للحفاظ على النظام العام. وشهد “الأربعاء الأسود” أحداثا مأسوية كان من بين ضحاياها عدد كبير من رجال القوات العمومية ومواطنين الذين أصيبوا بجروح متفاوتة، زيادة على الطفل الذي “دهسته” سيارة تابعة للقوات العمومية. يقول” ف.ل” أحد النشطاء الذين واكبوا الحراك منذ بدايته، إن مسار الحراك قبل هذه الأحداث، عرف بعض الانحراف، وبدأت عمليات التخوين الداخلي بين بعض الأطراف التي كانت تؤطر الحراك، مشيرا إلى أن نشطاء رفضوا حضور ممثلي الهيئات النقابية والحزبية وبعض الهيئات المدنية في الحلقات التقريرية. وأوضح إلى أن المسار الذي أخده الحراك أصبح مجهولا وبدا أفقه غير معروف.
هذا المعطى أكده أكثر من ناشط من الذين التقت بهم ” بيان اليوم” غير أنهم أجمعوا كلهم على أن الطريقة التي تدخلت بها القوات العمومية كانت عنيفة، فضلا أن المدينة تحولت إلى “ثكنة عسكرية” وأصبح مظهر انتشار القوات العمومية في المدينة يثير رعب الساكنة.

اعتقالات بالجملة

بلغ مجموع المعتقلين على خلفية الاحتجاجات بمدينة جرادة نحو 26 معتقلا بحسب تصريحات رسمية، فيما يتحدث نشطاء عن اعتقالات أخرى طالت نشطاء أخرين، ويتابع المعتقلون الذين ينقسمون إلى ثلاث مجموعات بتهم “إهانة موظفين عموميين بأقوال وتهديدات وإشارة أثناء مزاولتهم لمهامهم، واستعمال العنف والإيذاء في حقهم ترتبت عنه جروح مع سبق الإصرار والترصد” و”تخريب وتكسير وتعييب أشياء مخصصة للمنفعة العامة، والتحريض على العصيان بواسطة خطب في أماكن عامة، والإمساك العمدي عن تقديم مساعدة لأشخاص في خطر، والتحريض على ارتكاب جنايات وجنح كان له مفعول فيما بعد”. وتتكون المجموعة الأولى من 11 معتقلا، ضمنهم 10 معتقلين يعرضون على قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بوجدة، وواحد امام قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية. أما المجموعة الثانية فتضم 4 قاصرين منهم فتاة قاصر، ثم المجموعة الثالثة المتكونة من 7 معتقلين. وتم تقديم المعتقلين الـ 22 أمام محكمة الاستئناف بوجدة، حيث قرر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بوجدة، إحالة سبعة من المعتقلين للاختصاص على وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الذي قرر بدوره متابعتهم في حالة اعتقال، وإحالتهم على جلسة الجنحي التلبسي والتي عقدت يوم الاثنين الماضي، وتم تأجيلها إلى يوم الاثنين 26 مارس، بعدما تم فض ملتمس هيأة الدفاع بإطلاق سراح معتقلين لتوفر ضمانات الحضور. وشهد يوم الاثنين 19 مارس الجاري، وقفة احتجاجية لعائلات المعتقلين ونشطاء ” حراك جرادة” وفعاليات حقوقية، تطالب بإطلاق سراح المعتقلين.

ثكنة عسكرية

منذ مدخل المدينة، بمنطقة العوينات، ترابط القوات العمومية، عشرات العربات الخاصة بها تتواجد على جنبات الطريق المؤدي إلى وسط المدينة. عدد من المراكز الاجتماعية والثقافية أصبحت كلها مشغولة وخارج الخدمة التي كان من المألوف أن تقدمها. في وسط المدينة تتمركز القوات العمومية بمختلف أنواعها في عدد من النقط، فالمركز الثقافي أصبح مقرا لها، وكذلك الشأن للقاعة المغطاة ومركز الاستقبال التابع للشبيبة والرياصة، والمركب الاجتماعي التابع للمجلس الإقليمي، زيادة على الباشوية القديمة. الانزال الأمني الذي تشهده المدينة من مدخلها وعلى طول الشارع الرئيسي الوحيد الذي يمر منها، أصبح منظرا يخلق نوعا من الرعب، يثير استياء الساكنة، بحسب تصريحات عدد من الذين التقت به ” بيان اليوم”، حيث يقول أحدهم ” نحن طالبنا بالخبز، ثم استقدموا لنا القوات العمومية” وأضاف ” نحن سلميين منذ ثلاثة أشهر ولم تسجل في المدينة أحداث شغب أو اعتداء على أي أحد أو على الممتلكات، ما الذي تغير اليوم، حتى تستقدم القوات العمومية بهذا الشكل”.

بديل اقتصادي

تحول مطلب الاعفاء من فواتير الماء والكهرباء إلى المطالبة ببديل اقتصادي يحي المدينة من موتها، البديل الاقتصادي الذي يتردد على لسان كل صغير وكبير، رجالا ونساء بمدينة جرادة، يتلخص لدى الكثير منهم في مناصب شغل تذر عليهم ما يدبرون به متطلبات الحياة اليومية من أكل وشرب. هكذا تتصور نساء المدينة البديل الاقتصادي.
أم أحد المعتقلين بعد الأحداث المأسوية، تقول مطالبنا لا تتجاوز توفير القوت اليومي ومنصب شغل لأبنائنا، وتضيف بحسرة ” الحكومة عوض أن تجد لنا حلا تعتقل ابناءنا بسبب مطالبتهم بالتشغيل”، وتقول في لقاء مع بيان اليوم ” أشتغل في الفلاحة طيلة اليوم، منذ السادسة صباحا إلى السابعة مساء، وبعدما عانيت وربيت أولادي، يعتقلون اليوم” الأم أرملة أحد العاملين الذين قضوا قبل سنوات في معمل الفحم قبل إغلاقه. تحكي أنها في فترات لم تجد ما تسد بها رمق الأبناء وهم صغار، تقصد المسجد وتتلثم، تتسول لعلها توفر دريهمات توفر بها قليلا مما يأكل الأولاد.
مثل هذه الحالات، كثيرة في المدينة، يحكي متقاعدون سابقون من المعمل ” أغلب النساء أرامل توفي أزواجهن نتيجة مضاعفات المرض خاصة الأمراض التنفسية، النساء الأرامل لا يجدن ما يصرفن على تربية الأولاد وأكلهم، لا حول ولا قوة لهن”. يقول أحدهم. مطلب إيجاد بديل اقتصادي لإنعاش مدينة كانت مصدر عيش آلاف العائلات المغربية في المدينة وفي مدن أخرى، يجد صداه لدى كل شخص في المدينة، فبعد أن كانت المدينة قاطرة للاقتصاد الوطني في التسعينيات أصبحت اليوم أشبه بمدينة شبح، لا فرص عمل ولا مصدر للدخل، باستثناء بعض الفرص التي توفرها المحطة الحرارية الوحيدة بالمدينة، والعمل في الآبار العشوائية المنتشرة بمختلف النقط المحيطة بمدينة جرادة.

استغلال بشع

عدد من النشطاء الذين التقت بهم ” بيان اليوم” خلال زيارة ميدانية إلى مدينة جرادة، يؤكدون أن أباطرة الفحم استغلوا ثروة المدينة استغلالا بشعا، كما استغلوا قدرات شباب المنطقة وعمالها، بحيث إن السعر الذي يقتنون به الفحم تسريح العمال

بديل اقتصادي

تحول مطلب الاعفاء من فواتير الماء والكهرباء إلى المطالبة ببديل اقتصادي يحي المدينة من موتها، البديل الاقتصادي الذي يتردد على لسان كل صغير وكبير، رجالا ونساء بمدينة جرادة، يتلخص لدى الكثير منهم في مناصب شغل تذر عليهم ما يدبرون به متطلبات الحياة اليومية من أكل وشرب. هكذا تتصور نساء المدينة البديل الاقتصادي.
أم أحد المعتقلين بعد الأحداث المأسوية، تقول مطالبنا لا تتجاوز توفير القوت اليومي ومنصب شغل لأبنائنا، وتضيف بحسرة ” الحكومة عوض أن تجد لنا حلا تعتقل ابناءنا بسبب مطالبتهم بالتشغيل”، وتقول في لقاء مع بيان اليوم ” أشتغل في الفلاحة طيلة اليوم، منذ السادسة صباحا إلى السابعة مساء، وبعدما عانيت وربيت أولادي، يعتقلون اليوم” الأم أرملة أحد العاملين الذين قضوا قبل سنوات في معمل الفحم قبل إغلاقه. تحكي أنها في فترات لم تجد ما تسد بها رمق الأبناء وهم صغار، تقصد المسجد وتتلثم، تتسول لعلها توفر دريهمات توفر بها قليلا مما يأكل الأولاد.
مثل هذه الحالات، كثيرة في المدينة، يحكي متقاعدون سابقون من المعمل ” أغلب النساء أرامل توفي أزواجهن نتيجة مضاعفات المرض خاصة الأمراض التنفسية، النساء الأرامل لا يجدن ما يصرفن على تربية الأولاد وأكلهم، لا حول ولا قوة لهن”. يقول أحدهم. مطلب إيجاد بديل اقتصادي لإنعاش مدينة كانت مصدر عيش آلاف العائلات المغربية في المدينة وفي مدن أخرى، يجد صداه لدى كل شخص في المدينة، فبعد أن كانت المدينة قاطرة للاقتصاد الوطني في التسعينيات أصبحت اليوم أشبه بمدينة شبح، لا فرص عمل ولا مصدر للدخل، باستثناء بعض الفرص التي توفرها المحطة الحرارية الوحيدة بالمدينة، والعمل في الآبار العشوائية المنتشرة بمختلف النقط المحيطة بمدينة جرادة.

استغلال بشع

عدد من النشطاء الذين التقت بهم ” بيان اليوم” خلال زيارة ميدانية إلى مدينة جرادة، يؤكدون أن أباطرة الفحم استغلوا ثروة المدينة استغلالا بشعا، كما استغلوا قدرات شباب المنطقة وعمالها، بحيث إن السعر الذي يقتنون به الفحم لا يتعدى ما بين 60 إلى 70 درهما لكل مائة كيلوغرام، في حين يبيع الأباطرة المتحكمون في السوق والذين لا يتعدى عددهم ثلاثة أشخاص، بحكم توفرهم على رخص الإنتاج والتسويق في السوق كيلوغرام واحد من الفحم المستخرج بنحو 7 دراهم، وهو ما يعني أن ما يجنونه من بيع 100 كيلوغرام من الفجم يصل إلى 700 درهم في الوقت الذي اقتنوه ب 70 درهم فقط. الأكثر من ذلك أن العمال العاملين في الاستخراج، وبالإضافة إلى الأخطار التي تحدق بهم وتهدد حياتهم في كل لحظة، يشتغلون بشكل عشوائي فلا تغطية وضمان اجتماعي ولا حقوق لديهم، ليس لهم إلا ما جنوه في اليوم الواحد من العمل، وتذهب الأرباح كلها إلى الأباطرة الذين يسيطرون على السوق. عمال “السندريات” بعملهم اليومي والمحفوف بالمخاطر، لا يكادون يغطون مصاريف عائلتهم اليومية، يحكي “م.س” فغالبهم يعيل عائلات تتكون من أربعة أفراد فما فوق، لا دخل لهم إلا مما يجنيه العامل من في آبار الفحم العشوائية.

محاسبة الفاسدين

من المطالب التي رفعتها الساكنة خلال الاحتجاجات، ولا تزال، مطلب “محاسبة الفاسدين”، منهم أباطرة الفحم والمسؤولين الذين كانوا وراء تفويت وتصفية شركة ” مفاحم المغرب”، وبحسب المصادر التي التقت بها ” بيان اليوم” خلال الزيارة الميدانية إلى مدينة جرادة، فإن مطلب المحاسبة وفتح تحقيق في تصفية الشركة من شأنه أن يكشف عن حجم التلاعب الذي لحق ممتلكات الشركة التي فوتت بطرق مشبوهة، حيث تم بيع العديد من ممتلكات الشركة بطرق ملتوية بعيدا عن المساطر القانونية، وبتواطؤ مع جهات معينة.
وتؤكد المصادر أن الممتلكات العينية والعقارية التي تعود إلى الشركة لو تم التحقيق في طريقة تفويتها واستعادتها وإعادة النظر في طريقة تدبيرها لكانت كافية في تدبير الأزمة الحالية التي تمر منها المدينة، ولوفرت عددا من مناصب الشغل لأبناء المدينة، وأشارت المصادر إلى أن من بين هذه الممتلكات التي طالها التلاعب، العديد من مراكز الاصطياف في مجموعة من المدن المغربية ومن ضمنها مركز الاصطياف بالسعيدية.
الحلول المقترحة

كشف مصدر مسؤول بعمالة جرادة، أن السلطات تجاوبت بشكل إيجابي مع مطالب الساكنة والمحتجين، حيث تم إقرار برنامج آني وبرنامج تنموي، يرتكز على ثلاثة محاور، ففيما يتعلق بمطلب الاعفاء من فواتير الكهرباء والماء، الذي يعتبر مطلبا غير معقول، وبالرغم من ذلك، اقترحت السلطات حلولا لحل هذا المشكل وذلك من خلال تقسيم الفواتير على أشطر، وتوزيع مصابيح ذات الاستهلاك الاقتصادي، ثم المراقبة الشهرية للعدادات مما يتيح تحديد الاستهلاك الحقيقي عوض الصيغة المتعمدة من قبل التي تعتمد على تقدير الاستهلاك. وفيما يتعلق بالآبار العشوائية، فقد تم سحب رخص الاستغلال، وتم اقتراح تنظيم العمل فيها بما يتوافق مع القانون من خلال انشاء تعاونيات وشركات، وإلى حدود الساعة تم إحداث ست تعاونيات وست شركات من طرف عمال آبار الفحم، وبإشراف من السلطات، وتؤطر هذه التعاونيات عمال آبار الفحم، حيث سيتم بيع الفحم المستخرج من طرف التعاونيات إلى الشركات التي تسوقه بدروها إلى المكتب الوطني للكهرباء. وهكذا يكون نشاط استخراج الفحم نشاطا مهيكلا ومنظما بما يضمن سلامة العمل والعمال وحقوقهم. فضلا عن ذلك، انطلقت دراسات وأبحاث تهم إعادة استغلال نفايات الفحم، وهو ما يدخل ضمن الإجابة على اشكال البيئة وإشكال التشغيل في جانب منه، حيث إن إعادة الاستغلال ستوفر مناصب شغل لفائدة العمال وشباب المدينة. وأكد المسؤول ذاته، أن الآبار المهجورة التي تشكل خطرا على المدينة، سيتم إغلاقها، بحيث تمت برمجة صفقة بهذا الخصوص من طرف جهة الشرق، بغلاف مالي قدره 4 ملايين درهم، وستوفر هذه الصفقة نحو 200 فرصة شغل لفائدة العمال.

برنامج تنموي

أكد المصدر المسؤول أن السلطات، عملت على الاستجابة لمطالب الساكنة، وذلك من خلال برنامج تنموي. حيث سيوفر هذا البرنامج في شق منه نحو 2000 منصب شغل، إذ تم تخصيص ما يناهز 1145 منصب في إطار العمل الموسمي لجني التوت بإسبانيا بتنسيق مع الجهات المتدخلة، كما تم تخصيص 171 فرصة شغل لفائدة الشباب المؤهلين في أسواق الخليج، وانتقاء 200 شاب لإدماجهم في الأقطاب الصناعية كالقطب الصناعي بطنجة والقنيطرة. كما تم تخصيص 700 فرصة شغل بمعمل تنقية السمك بمدينة تاوريرت. ومن بين محاور البرنامج أيضا، عملية تشجير ستتم قرب المحطة الحرارية، ومن شأنها أن تشغل نحو 100 شخص. فضلا عن ذلك، هناك مباريات تشغيل في المحطة الحرارية الرابعة والخامسة بجرادة، حيث اجتاز نحو 41 تقنيا اختبارات المباراة. وفي إطار البرنامج أيضا، كان توجه السلطات تشجيع المبادرات الخاصة، حيث أحدث بتاريخ 9 فبراير 2018، شباك خاص لاستقبال طلبات إحداث المشاريع الخاصة والمبادرات الخاصة في إطار تشجيع التشغيل الذاتي. وفي هذا الإطار تلقت مصالح عمالة جرادة 1600 فكرة مشروع، منها أفكار لخلق تعاونيات وشركات.
وعلى مستوى المحور الثاني للبرنامج التنموي، فقد تم الشروع في العديد من الخطوات الفعلية التي تدخل في إطار تنزيل البرنامج على مستوى قطاعات متعددة، كقطاع الفلاحة والصناعة وقطاع التأهيل الحضري والتكوين والبيئة. فعلى مستوى القطاع الفلاحي، تمت تعبئة 3 آلاف هكتار لإنجاز بعض المشاريع الفلاحية، ضمنها 2000 هكتار مخصصة للحرفين وعمال آبار الفحم وشباب ونساء المدينة، فيما تم تخصيص ألف هكتار لذوي الحقوق، وسيمكن هذا الاجراء من خلق 2000 منصب شغل، وذلك من خلال خلق شركات توزيع المواد الأولية، وشركات النقل ومواكبة الفلاحين. كذلك، تمت تعبئة 50 هكتار لفائدة شركة كوزيمار للإنتاج الشمندر.
أما على مستوى التأهيل الحضري فيجري تسريع وتيرة إنجاز المشاريع المبرمجة، ثم برمجة وتنزيل الشطر الثاني الذي يستهدف الأحياء الناقصة التجهيز وذلك مخطط 2018 – 2020. وإحداث متحف منجمي، ثم تجاوز بعض الاكراهات لتسريع فتح التجهيزات الجماعية، كالمسبح البلدي والمجزرة الجماعية والسوق الأسبوعي والمحطة الطرقية.
وعلى المستوى البيئي، فسيتم العمل على تعميم التطهير السائل على المراكز الحضرية وتوسيع التطهير الثلاثي، مع إحداث محطة للتطهير السائل بعين بني مظهر وتويسيت، ثم مركز طمر وتثمين النفايات بمنطقة العوينات. وإنجاز مطرح نهائي وتخزين رماد الفحم. ثم اقتناء معدات لخفض مستوى الضجيج على مستوى المحطة الحرارية الرابعة.
وفيما يخص القطاع المعدني، فقد تمت برمجة محطة حرارية خامسة بالمدينة، بعد انتهاء الدراسات، مع برمجة محطة حرارية شمسية بجماعة المريجة. ثم العمل على إنجاز الخريطة المعدنية للمدينة لتحديد المؤهلات، والتي بلغت نسبة إنجازها 10 في المائة، زيادة على تأمين المناجم القديمة بكل من تويسيت وسيدي بوبكر. وفي قطاع التكوين، فيتم العمل على بناء وتجهيز معهد التكوين في عين بني مظهر، مع توسعة معهد المعادن بتوسيت. وبناء وتجهيز داخلية في المدرسة العليا للعلوم التطبيقية بجرادة، وكذا توفير 2 سيارات اسعاف من أجل تجويد العرض الصحي، والتي وفرها المكتب الوطني للكهرباء. وتم أيضا تنظيم قوافل طبية وتوفير أدوية لفائدة العاملين في آبار الفحم، مع توفير ثلاثة أطباء في الأمراض التنفسية وأمراض القلب والعظام والمفاصل. وعلى مستوى القطاع الصناعي، فيتم العمل على خلق مناطق صناعية، ومشاريع أخرى كتثمين وتحويل نبات الحلفاء، حيث سيتم خلق نحو 1500 منصب شغل على مستوى الحي الصناعي الذي بدأت أشغال إنجازه والتي يرتقب أن تنتهي في شهر غشت المقبل. ثم خلق مناطق اقتصادية في عين بني مظهر وتويسيت وجماعة كنفودة، زيادة على مشاريع أحرى كمشروع إنتاج الشعير الأخضر، وتهيئة وتجهيز قاعة للرياضة متعددة الاختصاصات، ثم مسبح مغطى بجرادة، وتجهيز داري شباب بجماعة سيدي بوبكر، وتجهيز مكتبة، وكذا إنشاء خمسة ملاعب للقرب، ثم إنشاء وتجهيز 26 قسم للتعليم الأولي على مستوى جماعات الإقليم.

20 سنة من الجمود

بالرغم من أن إغلاق معمل الفحم الذي كانت تديره شركة ” مفاحم المغرب” والذي كان متربطا بخطة اقتصادية واجتماعية تم وضعها لمعالة الاكراهات المترتبة عن قرار الاغلاق إلا ان الخطة لم تنفذ من ذلك الحين إلى اليوم خاصة في الشق الاقتصادي، التأخر الحاصل استمر حتى بعد أن أعطى الملك انطلاقة الشطر الثاني من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في سنة 2011 من مدينة جرادة.
وكشف تقرير اللجنة المكلفة بملف جرادة بعد قرار إغلاق مفاحم المغرب، أن “إشكالية إقليم جرادة، في أفق إغلاق مفاحم المغرب نظرا لنفاد المخزون المنجمي، قد تصبح معضلة ذات بعد وطني وذات جوانب متعددة اجتماعية واقتصادية وبيئية، في حال لم تتخذ تدابير وإجراءات شاملة متكاملة كفيلة بإعداد الإقليم لانطلاقة جديدة اقتصاديا واجتماعيا”. وأضاف التقرير، أنه نظرا لغياب عناصر الإقلاع الاقتصادي الجهوي بالمنطقة الشرقية. تقرر بتعليمات من الوزير الأول حينها إنشاء لجنة يترأسها كل من عبد العزيز مزيان بلفقيه وزير الفلاحة والتجهيز والبيئة، وادريس بنهيمة وزير النقل والملاحة التجارية والسياحة والطاقة والمعادن، لاقتراح حلول اجتماعية لفائدة العاملين بالمنجم، والتي يجب أن تواكب إغلاقه، وكذا لدراسة وبلورة برنامج اقتصادي متكامل لتنمية الإقليم.
وقامت اللجنة بزيارة ميدانية يوم 12 دجنبر 1997 لمدينة جرادة، وبعد اجتماعات مع المركزيات النقابية وأعضاء المجلس الإقليمي والمجلس البلدي والمنتخبين والسلطات المحلية تقرر إنشاء لجنتين تهتم واحدة بالجانب الاجتماعي والثانية بالجانب الاقتصادي لهذا الملف. وبعد الاجتماعات التي عقدتها اللجنتين مع مختلف المعنين، تم التوصل في إطار اللجنة الاجتماعية إلى اتفاق موقع بتاريخ 17 فبراير 1998 من قبل الأطراف المعنية، وشملت هذه الاتفاقية، الاغلاق التدريجي للمنجم إلى حدود سنة 2001، تسريح المستخدمين طبقا لبرنامج منسجم ومتكامل، مع ضمان حقوق العمال والمستخدمين طبقا لمعايير متفق عليها مع الأخذ بعين الاعتبار التعويضات عن الأقدمية والتعويضات عن الامراض المهنية والتعويضات العائلية مع تسديد مستحقات الصناديق الاجتماعية. ثم نقل الأنشطة الاجتماعية والثقافية (المدارس، المركز الثقافي، الاستشفاء العائلي والمركز التقليدي) للوزارات المختصة. وخلق مقاولات صغرى ومتوسطة بفصل بعض الأنشطة الملحقة لمفاحم المغرب (نقل، ورشات، مركز الخياطة، نجارة، هندسة مدنية)، ومساندة من طرف المكتب الوطني للكهرباء، لإحداث أنشطة في إطار برنامج الكهربة القروية الشاملة، وإدماج ثلاثمائة مستخدم من طرف المكتب الوطني للكهرباء.
وفي إطار اللجنة الاقتصادية تم الاتفاق على مجموعة من المقترحات تهم بالأساس فك العزلة عن الإقليم والمدينة بالرفع من مستوى التجهيزات الأساسية، وخلق إطار ملائم للإقلاع الاقتصادي والصناعي بالمنطقة. وتهم هذه الاقتراحات، تحسين وتطوير الشبكة الطرقية وقطاع النقل بصفة عامة، تعبئة موارد مائية جديدة مع ترشيد استغلالها، وتنمية القطاع الفلاحي والغابوي بخلق واستصلاح المدارات السقوية، وتطوير قطاع تربية المواشي وتحسين المجالات الرعوية، فضلا اقتراح لائحة المشاريع الصناعية التي تحتاج إلى دراسات معمقة مع تهيئة منطقة صناعية لحلب الاستثمارات وتشجيع المقاولين الشباب والتزام وكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لعمالات واقاليم الشمال بالمملكة بمساعدة المقاولين الشباب على إعداد دراسات الجدوى.
كما تضمن الاتفاق كذلك، إعادة تهيئة مدينة جرادة بتحسين الشبكات الطرقية والمائية والتطهير السائل وتوزيع الكهرباء والمواصلات السلكية. وتحويل النشاطات الاجتماعية والثقافية في قطاع الصحة والتعليم إلى الإدارات المعنية مع العمل على الرفع من طاقاتها الاستعابية، ثم تحسين العمران ومحاربة السكن غير اللائق بوضع مخطط وبرامج في هذا الإطار، والعمل على تحسين البيئة بالمدينة بمقترحات ميدانية تخص نفايات الفحم ومحاربة التلوثات المختلفة. وكذا تفويت الأراضي المخزنية لفائدة المجلس البلدي، والمصادقة على توسيع المدار الحضري. كما تم في إطار الاتفاق المذكور، اقتراح انشاء صندوق خاص في إطار القانون المالي المقبل من أجل تدعيم تمويل المشاريع العمومية المشار إليها في التقرير ومساعدة المشاريع الخاصة بواسطة قروض بفوائد منخفضة خاصة للمقاولين الشباب. وبخصوص موارد هذا الصندوق، هناك اقتراحات ستطرح للدراسة في إطار القانون المالي لسنة 1998 – 1999.
الاتفاق الموقع وما تضمنه من اقتراحات، لم يتم الالتزام به ولم تنفذ بنوده كليا على مستوى الشق الاقتصادي بالرغم من مرور 20 سنة على توقيعه بتوافق بين جميع الأطراف المتدخلة. أما على المستوى الاجتماعي فالبرغم من التعويضات التي استفاد منها عمال “مفاحم المغرب”، والتقاعد الهزيل، فإنه لم يشمل جميع المستخدمين. ويحكي متقاعدون من المعمل أن عدد من العمال تم فصلهم دون الحصول على تعويضات ولا على مستحقات الضمان الاجتماعي ولا تقاعد.

نطالب بالخبر ولا نعاند الدولة

تحكي “مي عيشة” إحدى نساء الحراك، أن مطلب الساكنة هو “الخبز” فقط، وتقول “مي عيشة” خلال زيارة لها ببيتها البسيط بمدينة جرادة، أن الاحتجاجات في البداية كانت بسبب غلاء فواتير الماء والكهرباء “نحن لا نعاند الدولة أو نريد أن نفرض عليها أن نستفيد من مجانية الكهرباء أو الماء، طلبنا كان فقط إعادة النظر في ارتفاع الفواتير وتخفيضها. نبحث عن لقمة العيش والتخفيف من هذا الغلاء”.
وتسترسل في حديثها لـ” بيان اليوم”، أن الاحتجاج الذي بدء بسبب غلاء الفواتير، تطور إلى مناوشات بين أعوان المكتب الوطني للكهرباء وبعض شباب الحي الذي قدم إليه الأعوان لنزع عداد أحد الساكنة، وتطورت الأمور لتحضر السلطات ويتم توقيف ثلاثة شبان، لتخرج الساكنة مطالبة بالإفراج عنهم وهو ما حصل في وقت متأخر من ليلة ذلك اليوم، وفي يوم غذ وصلتنا أنباء وفاة شابين في آبار الفحم، حينها عم الغضب، وخرجت الساكنة كلها إلى موقع الحادث، وانطلقت الاحتجاجات من هناك. تؤكد “مي عيشة” أن “الحراك” بدأ سلميا وبقي سلميا، وتتسأل لماذا تتدخل السلطات لتعنف الساكنة. وتتحدث عن أحداث “الأربعاء الأسود” مشيرة إلى أن الأمور اختلطت ولا يعرف من بدء بالضرب، غير أنها أكدت أن الساكنة التي احتجت لأزيد من ثلاثة أشهر بشكل سلمي لا يمكن أن تكون مصدر للعنف. تقول “مي عائشة” إن “جرادة مدينة تعاني منذ إغلاق المعمل، وأكدت أن المشاريع التي يعدون بها لن تفك مشكل جرادة بعدما المدينة كانت تشغل الكثير من الأشخاص في مختلف المدن المغربية”. وأكدت على الدولة أن تجد حل “البديل الاقتصادي” وتوفير فرص شغل للشباب، وإعادة النظر في فواتير الماء والكهرباء.
وتؤكد أن نساء المدينة خرجن لأول مرة للاحتجاج، منذ عشرين سنة، بسبب الفقر وضياع حقوق الناس، وتحكي أن زوجها المتوفي تم تسريحه من المعمل قبل الاغلاق دون حقوق، وما زالت الدعوى القضائية للحصول على حقوقها معروضة أمام القضاء، ووصلت مرحلة النقض. وتتذكر أن المرة الأولى التي خرجت فيها الناس للاحتجاج كانت قبل 20 سنة، حينما تم تسريح العمال من معمل الفحم، حيث قمن بمسيرة احتجاجية رفقة عائلاتهن، وشاركت فيها حوالي 180 أمرأه و80 رجل. “من العيب والعار أن يطلب شاب في عمر 29 سنة ثمن القهوة من أمه أو أبوه” هكذا تلخص “مي عيشة” وضع شباب المدينة، مضيفة أنه لا يعقل أن تعيش أسرة من 8 أشخاص دون دخل في المدينة بعد أن كانت هذه المدينة مصدر ثروة للمغرب كله. وأكدت أن عدد من العمال عانوا من الحيف وتم تسريحهم من العمل في معمل الفحم دون الحصول على حقوقهم، وحتى الذين حصلوا على تعويضات بقي لديهم تقاعد لا يتجاوز ألف درهم، وهي أجرة لا تغطي حتى ثمن الدواء للأمراض التنفسية التي لازمتهم طيلة حياتهم.

> مبعوث بيان اليوم إلى جرادة: حسن أنفلوس

Related posts

Top