خديجة الرباح وزهرة وردي في حوار مع” بيان اليوم”

ربما يرى البعض أن تركيز الحديث على موضوع توسيع التمثيلية السياسية للنساء خلال اليوم العالمي للمرأة الذي يحتفي به المنتظم الدولي في الثامن مارس من كل سنة، غير مستساغ، وأنه كان ينبغي التركيز على الحديث عن أوضاع  النساء والفتيات في ظل هذا الظرفية  التي يطبعها مواجهة تفشي فيروس كوفيد 19، والتداعيات التي نتجت عن هذا الوضع والتي طوحت بالاقتصاد والأوضاع الاجتماعية في أزمة عميقة زادت من تعقيد أوضاع النساء بل الأسر ليس الاقتصادية فحسب بل النفسية نتيجة تصاعد حالات العنف ، بل وأدت الأزمة إلى تدهور فظيع بشكل خاص لأوضاع النساء والفتيات الأكثر هشاشة.
لكن التحديات الهائلة التي فرضتها التداعيات المرتبطة بـ»كوفيد 19»، والإشكاليات غير المسبوقة التي باتت تعيشها الدول والمجتمعات، أصبحت تتطلب نخبا سياسية جديدة من نساء ورجال أكفاء، لها تكوين معرفي تعليمي عال، ولها القدرة والملكة على بلورة تصورات بشكل استباقي وإيجاد مخارج للإشكالات الطارئة، ولها إمكانيات لقراءة أي قرار تتخذه الحكومة، وفي مقدرتها طرح السؤال الدقيق في حال الخلل، وتمتلك روح البناء وليس الهدم.
 من هنا يبدو أن طرح مسألة توسيع تمثيلية النساء السياسية والرفع من نسبة مشاركتهن في تدبير الشأن العام، أمرا بالغ الأهمية، فالذي لم يعد مستساغا هو أن يتم الاستمرار على الهامش أو الاقتصار على التأثيث ببضع نساء وتغييب نساء أخريات يمتلكن كل مقومات الكاريزما والمبادرة الخلاقة للمساهمة رفقة الرجل في تقدم المجتمع ، والبناء المؤسساتي والارتقاء بالمسار الديمقراطي، ومن هنا يأتي تناول موضوع الرفع من التمثيلية السياسية للنساء، من خلال حوار مع خديجة الرباح وكوجهين رائدين، ضمن وجوه أخرى، من داخل الحركة النسائية، وزهرة وردي.

الرباح *: الأحزاب السياسية مطالبة بالضغط لرفع تمثيلية النساء

< يتزامن اليوم العالمي للمرأة هذه السنة مع الإعداد والتحضير لإجراء الانتخابات العامة برسم 2021، في إطار متابعتكم لهذا الموضوع، أبديتم  قلقا بشأن الصيغة التي جاءت بها مشاريع القوانين المؤطرة لهذه الاستحقاقات، في الجانب الخاص بتمثيلية النساء، ما هي أهم العناصر التي حتمت عليكم ذلك؟
> داخل الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة، أبدينا عددا من الملاحظات حول مشاريع القوانين الأربعة المنظمة للانتخابات المقبلة، ومن أهم الملاحظات تلك التي تتعلق بمشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، إذ كنا ننتظر بالنسبة لهذا النص أن تطال المراجعة المواد 26، 28 و29، لكن لاحظنا أنه تم الاحتفاظ بنفس الصيغة التي تضمنها ذات القانون سنة 2011، فبالنسبة للمادة 26، كنا نأمل أن تذهب مراجعتها في اتجاه مأسسة المناصفة داخل الأجهزة الحزبية، عوض الصيغة الواردة في المادة التي حملها المشروع، والتي تنص على تطبيق الثلث في أفق المناصفة بالنسبة لمكاتب الفروع الوطنية والجهوية “ولا تتحدث عن المكاتب في الفروع المحلية، علما أنه كنا في الحركة، دائما، نؤيد ونناضل ونشتغل على مأسسة المناصفة على مستوى القواعد، أي الانطلاق من المحلي على المستوى الترابي .
كما كنا ننتظر أن تطال المراجعة المادة 28 من نص المشروع التي حددت معايير التشريح في الكفاءة والنزاهة وأغفلت التنصيص على معيار المناصفة في تقديم الترشيحات في الانتخابات.
وكما أشارت إلى ذلك مختلف البيانات والبلاغات التي قدمناها، فقد اعتبرنا أن مشاريع القوانين الانتخابية التي ناقشها وصادق عليها مجلس النواب، جاءت بصيغة تناقض بشكل تام مقتضيات الدستور التي تنص على المناصفة، طبعا كنا على وعي أنه سواء في الانتخابات التي عرفها المغرب سنة 2011، والانتخابات التي أجريت سنة 2015، بانه لايمكن بمجرد أن يتم التنصيص في الدستور على المناصفة سيتم تحقيقها بين عشية وضحاها، ولكن كنا نؤمن أن هناك إمكانيات للتقدم خطوات على هذا المسار.
لكن بعد مرور عشر سنوات على إقرار الدستور تبين أنه ليس هناك أي إرادة سواء بالنسبة للحكومة أو الأحزاب السياسية في اتجاه التفعيل الحقيقي للمقتضيات التي تنص على المناصفة الواردة في الدستور، وغياب مبادرة التنصيص عليها في القوانين الانتخابية الأربعة، أي مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب و مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين، وكذا الأمر لمشروع القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء المجالس الترابية، ومشروع القانون التنظيمي الخاص بالأحزاب السياسية .
وبالنسبة لهذا المشروع الأخير المؤطر للأحزاب السياسية خصيصا نعتبر أنه ينبغي أن يتضمن مجموعة من المقتضيات التي تشجع على القيام بحملات انتخابية لفائدة النساء المرشحات، ويضع قواعد بشأن كيفية تدبير الحملات وكيفية اختيار المرشحين والمرشحات في لحظة الانتخابات.
< تطالبون في الحركة والتي تحمل  نفس الاسم،، بالمناصفة، هناك من يعتبر أن الظروف الموضوعية الحالية غير مواتية للقيام بذلك، خاصة وأن الحكومة يترأسها حزب ذو توجه محافظ حيال قضايا النساء، ما تعليقكم؟
> نحن في الحركة عبرنا عن مواقفنا بشأن القوانين الأربعة ومذكرتنا وبلاغاتنا كانت واضحة، وما كنا ننتظره أن يتم تعزيز الترسانة التشريعية بمقتضيات توضح أهمية إعمال مبدأ المناصفة في القوانين الانتخابية سواء على مستوى البرلمان بغرفتيه أو على مستوى الجماعات الترابية بمستوياتها الثلاث، لا ننكر أننا في حركة ديمقراطية المناصفة كنا من بين الأطراف التي ساهمت بشكل كبير جدا في أهم التعديلات التي عرفتها الترسانة القانونية سابقا وفي رفع عدد النساء في المؤسسات المنتخبة سواء في تجربة سنة 2002، 2007، 2011 و2015، لكن اليوم وبعد مسار طويل ومرور نحو عشر سنوات على إقرار المثن الدستوري، كنا ننتظر أن يتم تحقيق نقلة نوعية فيما يخص ولوج النساء لمراكز القرار، ونعتبر أن المغرب من خلال الحكومة الحالية والبرلمان فوت فرصة تاريخية من أجل إعمال المناصفة، خاصة وأننا في هذه الظرفية الحالية التي تطبعها تحديات كبرى أفرزها تفشي جائحة كوفيد 19، أظهرت أن سياق سنة 2021 هو سياق خاص يحتاج فيه المغرب إلى نخب قوية ، نسائية ورجالية قادرة على تطوير أداء المؤسسات وإعادة ثقة المواطنات والمواطنين فيها والعمل سويا من أجل تجاوز التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لهذه الأزمة المرتبطة بما سببه تفشي هذا الفيروس اللعين.

< هل في اعتقادكم، لازالت هناك إمكانية لمعالجة هذا الوضع فيما بعد هذه المرحلة، وبشكل عملي خارج ما تمليه مقتضيات القوانين بالنسبة لتوسيع تمثيلية النساء؟
> ما زالت هناك فرصة أمام الأحزاب السياسية، خاصة وأن القانون التنظيمي الخاص بمجلس النواب ينص على تخصيص 90 مقعد للنساء. ولكن يمكن أن يرتفع هذا العدد إذا توفرت لدى الأحزاب السياسية إرادة حقيقية، بحيث تبادر على هذا المستوى بتقديم ترشيحات نسائية في الدوائر التي يملك فيها الحزب حظوظ الفوز بمقاعد، وليس الترشيح بما يعرف بدوائر الموت، وفي حال لجوئها إلى هذه الصيغة سيرفع ذلك من نسبة تمثيلية النساء.
كما أنه توجد إمكانية أخرى من خلال استغلال الأحزاب الإمكانيات التي يوفرها صندوق دعم التمثيلية السياسية للنساء، حيث يمكن للأحزاب أن تقوم بتشجيع النساء خاصة وأن الصندوق السالف الذكر يعطيها إمكانية الحصول على دعم لتقديم ترشيحات نسائية، إذ يمكن الاستفادة من هذا الدعم المالي المخصص لدعم الترشيحات النسائية من أجل مساندة المرشحات على القيام بحملات انتخابية على الوجه الأمثل.
ومعلوم أن الدعم المادي مهم جدا وخاصة وأن تدبير الحملة يتطلب موارد من أجل تعبئة الفريق التقني الذي يساعد في هذا المجال.ونحن في الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة سنواصل الجهود والعمل مع الأحزاب السياسية والترافع لتكون مساندا لنا وتبادر إلى تقديم ترشيحات نسائية في الدوائر العادية، ولن نقف مكتوفي الأيدي بل سنواصل ونثابر على العمل رغم أننا نعتبر أن ما تحقق لم يتم في إطار تفعيل مقتضيات الدستور بل هو انقلاب على ما تضمنته هذه الوثيقة ، وسنظل نردد أن مطلب المناصفة لم يأتي من فراغ بل اعتمادا على الوثيقة الدستورية التي تم التنصيص فيها على هذا المبدأ ومأسس له واعتبرها جزء أساسي من الآليات المعتمدة لتحقيق المساواة،ونظل نجدد التأكيد على أنه آن الأوان لإعمال المساواة وتصبح أحد المبادئ المركزية لتحقيق عدالة اجتماعية للنساء والرجال.

*المنسقة الوطنية للحركة من أجل ديمقراطية المناصفة

***

وردي*: علينا مواصلة العمل من أجل جعل المشاركة النسائية أمرا واقعا

< ما هي ملاحظاتكم بشأن الصيغة التي جاءت بها مشاريع القوانين المؤطرة لهذه الاستحقاقات، في الجانب الخاص بتمثيلية النساء؟
> لا يمكن إلا تثمين هذه التدابير التي تم اتخاذها لتحسين التمثيلية النسائية في المجالس المنتخبة. ومن شأن هذا الإجراء باعتماد نظام اللوائح الجهوية أن يمكن 90 امرأة من ولوج قبة البرلمان،  بالإضافة إلى النائبات البرلمانيات المحتملات اللواتي سيتمكن من انتزاع رئاسة بعض اللوائح و مواقع متقدمة في اللوائح العامة، و رغم كونه إجراء مؤقتا و تمييزا إيجابيا، فإن الوضع يتطلب مواصلة العمل من أجل جعل المشاركة النسائية أمرا واقعا و يكسب النساء تجربة و خبرة و يمكنهن من لعب الأدوار المنوطة بهن .
و نعتبره حقا مكسبا لطالما ناضلت الحركة النسائية من أجله و يعكس تقديرا للمكانة التي وصلت اليها النساء و التطور الحاصل في أوضاعهن

< ما مرد الانقسام الذي سجل داخل الحركة النسائية بشأن ما حملته هذه المشاريع بالنسبة لتوسيع التمثيلية السياسية للنساء في المؤسسات المنتخبة ، (إذ هناك من يعتبرها مؤشر إيجابي بشأن المسألة وهناك من يعتبر أن ما تم التنصيص عليه غير كاف وأن المسار لازال طويل وشاق خاصة ما يرتبط بتحقيق المناصفة والمساواة)؟
> موقف الحركة النسائية هو نفسه، يعكس طموحا مشروعا نحو تحقيق المساواة و المناصفة وفقا لما نص عليه الدستور و أكده في عدد من بنوده، و تنفيذا لالتزامات المغرب التي مافتئ يحرص على تفعيلها، لكنه موقف يحرص على أن تعطي الإجراءات و التدابير المتخذة أكلها ويعتبر أن هذا الهدف عرف تأخرا في التحقيق، من هنا يأتي هذا الموقف المتكامل يثمن ما تحقق من تقدم و يسجل في نفس الوقت أن الهدف ما زال بعيدا .

< ما تقييمكم للتعديلات التي أدخلت على مشاريع القوانين الانتخابية من طرف أعضاء لجنة الداخلية والسكنى وسياسة المدينة بمجلس النواب؟
> نحن في اتحاد العمل النسائي كمكون من مكونات الحركة النسائية بقدر ما نطمح في النهوض بأوضاع النساء و تحقيق المساواة في كل الحقوق و تجاوز الترتيب و المواقع المتعثرة التي نحتلها على مستوى المساواة و التمثيلية النسائية  و الوصول لمواقع القرار، واعيات بالإكراهات التي تعترض وصول النساء إلى مواقع القرار و مستوى المقاومة و الممانعة في تحقيق المساواة ونعتبر أن كل ما يدفع باتجاه تحقيق المساواة في الحقوق بين الجنسين يعد إيجابيا يساهم في تقدم نسبة التمثيلية النسائية و يستحضر أفق تفعيل الجهوية و إشراك النساء و حضورهن القوي فيها .

< ما هي في اعتقادكم الأسباب الرئيسية التي تحول دون تنزيل مقتضيات الدستور المرتبطة بالمناصفة، هل الأسباب ثقافية، أم ترتبط بممارسات تعود للفاعل السياسي ؟
> ظلت المشاركة السياسية للمرأة في المجالس المنتخبة تمثل المجال الأكثر ممانعة و مقاومة من طرف العقلية الذكورية في المجتمع و ظلت نسبة التمثيلية منعدمة أو هزيلة حتى تم اعتماد نظام اللائحة الوطنية او اللائحة الإضافية كتمييز إيجابي توصي به كل الهيئات الأممية حيث بدأت نسبة التمثيلية تتدرج بشكل بطيء إلى أن وصلت إلى 20.5 في المائة في البرلمان غالبيتهن عن طريق نظام اللائحة إلا بعض الاستثناءات اللواتي نافسن على المقاعد و استطعن انتزاعها و هن قلائل يعدون على رؤوس الأصابع مما يعكس تغلغل الفكر الذكوري و عدم استعداده للقبول بالمساواة في كل الحقوق في العدد و في مواقع المسؤولية ، رغم تنصيص الدستور عليها منذ عقد من الزمن .
كما أن تدبير الاحزاب للوائح الانتخابات لم يكن دائما ديمقراطيا و نزيها و يستند إلى معايير موضوعية مما يؤدي إلى عرقلة وصول الكفاءات النسائية ، هذا بالإضافة إلى وضعية النساء الهشة حيث تعاني نسبة كبيرة منهن من الامية و الفقر و العنف أيضا و كلها عوامل تحول دون انخراطهن الكامل في العمل السياسي و الحزبي .

< ما هي في نظركم الميكانيزمات الضرورية التي يتعين إقرارها وعلى أي مستوى لإحداث تغيير على مستوى التمثيلية السياسية للنساء وتوسيع مشاركتهن في تدبير الشأن العام؟
> الأمر يتطلب تفعيلا جيدا لقرار الرفع من تمثيلية النساء السياسية من طرف الأحزاب وتدبيرا ديمقراطيا للوائح العامة ليمر المغرب إلى مرتبة متقدمة في التمكين السياسي للمرأة، معلوم أن هناك مقاومة و ممانعة وهو ما يتطلب نفسا طويلا و عملا مستمرا يؤسس لثقافة حقوق الانسان و التربية على المساواة على مستوى الإعلام و المدرسة ويتطلب مجهودا من الأحزاب لتأهيل النساء و تمكينهن سياسيا و إشراكهن في القيادة الحزبية حتى يكن مشاركات في كل القرارات و تسهيل مهامهن التي تثقل كاهلهن و تقيد طموحهن، كما يتطلب تفعيل مبدأ المساواة في تدبير اللوائح العامة بتمكينهن من مواقع متقدمة بشكل متساو مع الرجال، هذا فضلا عن أن المسألة تتطلب شجاعة وانخراطا فعليا من طرف النساء في هذا التحدي لإثبات كفاءتهن مثلما أثبتنها في العديد من المجالات .

*عضوة المكتب الوطني لاتحاد العمل النسائي ومنسقة برنامج “لا تسامح مطلقا مع العنف ضد النساء والفتيات”

< فنن العفاني

Related posts

Top