حلت يوم 15 من الشهر الجاري، الذكرى الرابعة عشر لوفاة الأديب المغربي محمد شكري.
لقد شكلت التجربة الأدبية لهذا الأديب حالة استثنائية، لعدة اعتبارات، منها أنه لم يتعلم القراءة والكتابة إلا بعد بلوغه سن الحادي والعشرين، وأنه في ظرف زمني جد قصير استطاع أن يتحدى عائق الأمية ويجد له موقعا في الساحة الأدبية العالمية وليس فقط المحلية، كما أنه استطاع أن يخترق الطابوهات في زمن محافظ من خلال إبداعه لسيرته الذاتية الروائية الخبز الحافي التي كان لها صدى قوي، ولا أدل على ذلك الترجمات العديدة التي كانت من نصيبها، بل يمكن اعتبارها إلى حد اليوم، الرواية الأكثر ترجمة بين الإنتاجات الأدبية المغربية على الأقل. هذه الرواية نفسها تحولت إلى شريط سينمائي، غير أن هذا الشريط الذي شخص دوره الرئيسي الممثل سعيد التكماوتي، لم يحظ بالنجاح، ربما لأن الرواية أقوى منه، أو ببساطة لأن السيناريو لم يكن وفيا لهذه الرواية، وأنا شخصيا كنت قد شاهدت هذا الشريط في عرضه ما قبل الأول، وحاولت بالفعل أن أقارن بينه وبين الرواية فلم أفلح.
أحيانا يكون المكتوب أكثر جرأة مما هو مصور.
ومع ذلك فإن أي قناة من قنواتنا التلفزية لم تجرؤ على برمجة هذا الشريط نفسه. طبعا ليس مطلوبا من المخرج أن يجسد المشاهد كما هي مسطرة في الكتاب، لكنه يمكنه مع ذلك الحفاظ على الخيط الناظم بين مختلف فصول الرواية، علما بأن رواية الخبز الحافي ليست سوى الجزء الأول من سيرة في ثلاثة أجزاء: “زمن الأخطاء” التي يستحضر فيها الروائي مرحلة محاربته للأمية، ثم “وجوه” التي تحضر فيه علاقاته ببعض الأسماء الفاعلة في الحقل الثقافي، دون أن نغفل الرسائل التي كان يتبادلها مع الأديب محمد برادة والتي جمعت في ما بعد وصدرت تحت عنوان “ورد ورماد”، والتي يمكن اعتبارها جزء من سيرته الذاتية، سيما وأن أغلب حلقاتها، كان يتحدث فيها عن فترة إصابته بالمرض النفسي وظروف علاجه، بالإضافة إلى تجاربه الحياتية الأخرى.
رغم المكانة التي بوأته إياه رواية الخبز الحافي؛ فقد ظل محمد شكري ينظر إلى هذا العمل الأدبي، باعتباره لعنة، نظرا لكونه حجب عن قرائه باقي إنتاجاته الإبداعية، وإن كان مقلا في الكتابة، علما بأنه بدأ مساره بكتابة القصة القصيرة، وصدرت له في هذا الإطار مجموعتان: “مجنون الورد” و”الخيمة”، وفي اعتقادي الشخصي؛ فإن قصص محمد شكري هي أهم من كل إنتاجاته الأخرى، بما فيها المذكرات، وإن كانت هذه المذكرات تتمحور حول أسماء أدبية بارزة: جون جونيه، بول بولز، صامويل بيكت، تينسي وليامز.. وغيرهم.
لقد مر حتى الآن أكثر من عقد من الزمن على وفاة هذا الأديب العصامي، ومع ذلك لا يزال الخلاف قائما حول صيانة ذاكرته، وحتى بعد إنشاء مؤسسة تحمل اسمه، فإن هذا الخلاف ظل قائما بين إدارة هذه المؤسسة وبين بعض أفراد أسرته، الذين يرفضون تسليم ما خلفه من مخطوطات ومسودات وصور وهدايا وكتب وتحف نادرة وغير ذلك من تركته؛ للمؤسسة الآنفة الذكر.
يبدو أن ثقافة المتحف الخاص بالأدباء والفنانين وغيرهم من الشخصيات التي حققت شهرة عالمية بالخصوص، غير سائدة في مجتمعنا، في حين أن البلدان الأجنبية، يستثمرون هذا الجانب في تنمية السياحة لديهم.
عبد العالي بركات