منذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس العرش العلوي المجيد، شهد المغرب بروز جيل جديد من المبادرات والبرامج والأوراش الاجتماعية والإنسانية الرامية إلى النهوض بمسلسل التنمية المندمجة والمستدامة. وتجسيدا للرؤية المتبصرة لجلالة الملك الذي جعل من النهوض بالعنصر البشري أولوية وطنية وخيارا استراتيجيا، باعتباره المحور الرئيسي والمنعطف البارز الذي يقوم عليه أي برنامج تنموي، استأثر العمل الاجتماعي بحيز كبير من المبادرات الاجتماعية القائمة على التآزر والتكافل المجتمعي. وفي هذا الإطار، تشكل مؤسسة محمد الخامس للتضامن مبادرة ملكية حاثة على تعزيز قيم التضامن، ورافعة اجتماعية فعالة في مجال العمل الإنساني والاجتماعي الناجع، سواء على المستوى الوطني أو الدولي. فمنذ إحداثها سنة 1999، أخذت المؤسسة على عاتقها مهمة النهوض بثقافة التضامن وتحقيق التنمية البشرية المستدامة، وفق مقاربة شمولية، على مستوى مختلف جهات المملكة، بحيث أضحت تجربة نموذجية رائدة في مجال التصدي لكل أشكال الهشاشة. هذه الاستراتيجية مكنت المؤسسة من إطلاق، في إطار شراكات مع القطاعات الحكومية والمجتمع المدني وشركاء آخرين، مشاريع وبرامج تستجيب لحاجيات الساكنة المستهدفة، سواء تعلق الأمر بتيسير عودة المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج إلى بلادهم، أو تحسين الولوج إلى الخدمات الصحية، أو تقديم المساعدات الإنسانية في شتى المجالات. وسيرا على هذا النهج، تعتبر عملية “مرحبا” التي دأبت مؤسسة محمد الخامس للتضامن على إطلاقها منذ سنة 2001، بتعليمات ملكية سامية، عملية إنسانية بامتياز تروم مواكبة التدفق المتزايد للمغاربة المقيمين بالخارج عند عودتهم إلى المغرب خلال الفترة الصيفية، وتحسين ظروف استقبالهم وتسهيل عملية عبورهم في أفضل الظروف. وبرسم السنة الجارية، قامت المؤسسة، التي تساهم في تنفيذ وتنسيق هذه العملية مع باقي المتدخلين، بتشغيل 24 فضاء للاستقبال داخل المغرب وبكل من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، لاستقبال ومواكبة أفراد الجالية المقيمين بالخارج. ولإنجاح هذه العملية الفريدة من نوعها، التي تنظم ما بين 5 يونيو و15 شتنبر من كل سنة، عبأت المؤسسة أكثر من ألف و400 شخص من أطر المؤسسة ومساعدات اجتماعيات وأطباء وأطر شبه طبية ومتطوعين للاستماع لمتطلبات المغاربة المقيمين بالخارج ومساعدتهم وتقديم الدعم والعون اللازمين لهم. وفي عملها الدؤوب على جعل الفعل التضامني أداة للرعاية الإنسانية بالدرجة الأولى، حرصت مؤسسة محمد الخامس للتضامن على إطلاق العديد من المشاريع والأوراش الرامية إلى النهوض بالعرض الصحي، وتحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، وكذا تعزيز خريطة عرض العلاجات في مختلف الجهات. وتحقيقا لهذه الغاية، أنجزت المؤسسة عدة مشاريع تروم توفير الرعاية الصحية الأساسية ومراكز القرب الطبية وعلاجات طبية متكاملة في المناطق الأكثر هشاشة، وتخفيف العبء على المستشفيات، وتيسير الولوج المباشر إلى الخدمات الطبية لفائدة الساكنة الأكثر عوزا، بالإضافة الى إدماج مقاربة اجتماعية تكميلية ضمن آليات مصاحبة المرضى والمستفيدين ما يعزز بشكل ملموس خريطة عرض العلاجات في مختلف جهات المملكة. ويندرج في هذا الإطار، على سبيل المثال لا الحصر، إحداث مركز إعادة التأهيل النفسي والاجتماعي بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء، والمركز الطبي للقرب-مؤسسة محمد الخامس للتضامن بالمدينة الجديدة الرحمة بجماعة دار بوعزة. وعلى غرار المركزين اللذين دشنهما، أيضا، جلالة الملك بحي اليوسفية بالرباط وسيدي مومن بالدار البيضاء، وكذا مركزي تمارة وطنجة (مقاطعة بني مكادة)، اللذين شرعا في تقديم خدماتهما سنة 2022، يشكل المركز الطبي للقرب- مؤسسة محمد الخامس للتضامن المدينة الجديدة – الرحمة جزء من برنامج شامل تنفذه مؤسسة محمد الخامس للتضامن بهدف دعم القطاع الصحي. كما يقضي هذا البرنامج، الرامي إلى تعزيز العرض المتوفر من العلاجات، وإحداث شعبة لعلاجات القرب في متناول الساكنة، وإدماج مقاربة اجتماعية تكميلية ضمن آليات مصاحبة المرضى، بإنجاز 12 مركزا طبيا للقرب على مستوى المملكة يشمل، بالأساس، ثلاثة مراكز بالدار البيضاء (سيدي مومن، الحي الحسني، المدينة الجديدة-الرحمة)، ومركزين بكل من فاس وطنجة، ومركزا بكل من أكادير ومراكش والرباط وسلا وتمارة. على صعيد آخر، وبمناسبة شهر رمضان المبارك، دأبت مؤسسة محمد الخامس للتضامن على تنظيم عملية وطنية لتقديم المساعدة والدعم للفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة، استفاد منها هذه السنة 5 ملايين شخص. وتنفيذا للتعليمات الملكية السامية، تميزت عملية “رمضان 1444″، التي رصد لها غلاف مالي بقيمة 390 مليون درهم، برفع عدد المستفيدين من الدعم الغذائي من 600 ألف عائلة في النسخة الماضية إلى مليون عائلة، تتوزع على 83 إقليما وعمالة بالمملكة، حيث تعيش 77 بالمائة من هذه الأسر المستفيدة بالوسط القروي. ومنذ إطلاقها سنة 1998، عبأت العملية الوطنية للدعم الغذائي غلافا ماليا إجماليا يقارب ملياري درهم، فيما ارتفع عدد الأسر المستفيدة من 34 ألف و100 أسرة سنة 1998 إلى مليون أسرة هذه السنة. أما في مجال مواكبة ومساعدة المتضررين من تداعيات التغيرات المناخية، فقد أطلقت مؤسسة محمد الخامس للتضامن عدة عمليات تروم تقديم المساعدة العاجلة لفائدة السكان المتضررين من موجة البرد والتساقطات الثلجية التي شهدتها عدد من مناطق المملكة. وتتمحور هذه العمليات حول التدخل عن قرب لدى الساكنة، لا سيما على مستوى الدواوير الجبلية والنائية، من خلال توفير مساعدات إنسانية عاجلة تتكون من منتجات غذائية وأغطية، فضلا عن مواكبة اجتماعية ملائمة ورعاية طبية على مستوى القرب. وفي هذا السياق، يقول عتيق السعيد، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، إن مؤسسة محمد الخامس للتضامن أحدثت دينامية جديدة للعمل الاجتماعي والإنساني عبر آلية تضامنية مؤسساتية تحقق أعلى درجات الفعالية في تقديم خدمات القرب من خلال تعميق روابط التواصل الميداني الآني القائم على تشبيك علاقات مباشرة مع الساكنة المستهدفة. وبفضل الرؤية المستنيرة لجلالة الملك، يضيف المحلل السياسي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أضحت المؤسسة آلية استراتيجية في خدمة العنصر البشري وركنا رئيسيا من أركان الدعم والتكافل الاجتماعي الوطني، مشيرا إلى أن هذه المؤسسة الوطنية حريصة على تطوير بنياتها باستمرار من خلال المراكز المحدثة، وذلك تأكيدا منها على ارتباطها الوثيق بتعزيز دينامية تضامنية ثلاثية الأبعاد شاملة ومتجددة ومستجيبة للاحتياجات المجتمعية. وأوضح أن المبادرات الاجتماعية والإنسانية للمؤسسة تتسم بسرعة التفاعل التضامني، والتجاوب مع الحالات والوقائع المستعجلة ميدانيا، والتركيز بشكل استباقي على أهمية ولوج الشباب إلى التأهيل المهني، فضلا عن خلق نماذج تشجع على خلق قيمة مضافة للفرد والمجتمع. وخلص السيد السعيد إلى القول إن “مؤسسة محمد الخامس للتضامن أحدثت نقلة نوعية كبرى في العمل التضامني بالمغرب، بل وأضحت تتصدر المشهد العربي والقاري باعتبارها تقليدا راسخا في منهج وسياسية المملكة التضامنية وقاطرة وصل متعددة المنافذ، مشهود لها دوليا بقدرتها على مد العون وتقديم المساعدات سواء الطبية أو الإغاثية لعدد من البلدان في مواجهة مختلف الأزمات المختلفة”. سنة تلو الأخرى، تواصل مؤسسة محمد الخامس للتضامن ترسيخ مبادئ التكافل والتآزر في إطار التعبئة الشاملة المستمرة، وذلك تكريسا للمهمة النبيلة التي رسمها جلالة الملك لهذه المؤسسة التي أضحت نموذجا خلاقا لمأسسة العمل التضامني القائم على القيم النبيلة للإنسانية.
حسين الحساني( و .م .ع)