تنتعش بعض المهن الموسمية خلال رمضان بالعاصمة الاقتصادية، وأغلب هذه المهن، تعج بها الأسواق بهذه المدينة ترتبط بصناعة “الشباكية” وأنواع الحلويات والفطائر والمعجنات وكل ما يفتح الشهية بأشكالها المختلفة، كما ترتبط هذه المهن الموسمية ببيع مشغولات الفخار خاصة الأواني (زلافة) والأطباق الطينية (طواجين)، هذه إضافة إلى باقي الأواني المنزلية التي يكثر عليها الاقبال في هذا الشهر والمصنوعة من البلاستيك وأشياء أخرى تباع في المعارض الموسمية التي تقام بالمناسبة. بيان اليوم انتقلت إلى “قسارية الحفارين” التي تضيق بكل شيء قد يتحرك فوق أرضها، ووقفت على نشاط بائعات “المسمن والبغرير”.
فاطمة بائعة البغرير تجلس على جانب من الطريق بهذه السوق حيث العرض في كل شيء يفوق الطلب، عاكفة أمام بضاعتها تتفحص بنظراتها المارة لعل أحدهم يرغب في شراء “البغرير”.
بين الفينة والأخرى، ترفع صوتها وسط الحركة المتثاقلة لرواد السوق لدعوتهم لشراء ما صنعته من الماء والدقيق: “خودو البغرير”، تلتفت يمينا ويسارا لوقع أقدام المارة بالقرب منها وكلها أمل بالظفر بزبون.
على هذا المنوال تنسج تفاصيل يوميات عملها الرمضاني الذي لا تقطعه فاطمة سوى ساعة الإفطار لتعود بعد ذلك لمواصلة “بيع البغرير” حتى اقتراب موعد السحور.. مهن أخرى تتكاثر خلال رمضان وتتعلق بصنع العصائر وبيعها، وهي منتوجات تلقى إقبالا كبيرا في هذا الشهر الذي يتزامن وفصل الصيف المعروف بحرارته المفرطة. أحمد بائع العصير بسوق باب مراكش بالقرب من المدينة العتيقة، يبدأ عمله الرمضاني بعد صلاة الظهر، يضع مختلف الفواكه فوق عربته المزينة بأنواع من الرسومات التي تشهر نشاطه الموسمي، بداية من الليمون والبطيخ والإجاص إلى الكيوي والتفاح والأناناس المونكو .. وهي كلها فواكه صيفية يفضلها الصائمون لتعويض النقص في السوائل والفيتامينات والمعادن والمحافظة بذلك على صحة الجسم، لاسيما، مع الحرارة المرتفعة التي تتميز بها الأجواء هذه الأيام.
يقضي أحمد وقته في طحن الفواكه بواسطة آلة كهربائية يشغلها بواسطة “بطارية”، ويمزج العصائر ببعضها حسب ذوق الزبون والنكهة التي يفضلها كصائم لتعزيز وتزيين مائدة إفطاره. يقول أحمد إنه من سكان الحي ويعرفه الجميع بفضل سمعته الطيبة التي أكسبته شعبية كبيرة مؤكدا في ذلك على هذه المهنة الموسمية لتي يزاولها ليس في رمضان فقط بل خلال الصيف، مضيفا، أن الإقبال على “المبردات” يزداد في هذا الشهر خاصة عصير البرتقال. وشدد على ظروفه الاجتماعية التي دفعنه للممارسة البيع بالتجول…”لا أتوفر على تكوين أو مستوى دراسي معين يؤهلني للعمل في وظيفة أو شركة، كل مأ أملك هو عربتي التي توفر لي خلال رمضان مدخولا يكفيني وأولادي الثلاثة، موضحا: “أبيع عصير الفواكه الخالص ما بين بـ7 دراهم و12 درهما للكوب الواحد، ومدخولي جيد في رمضان. بمختلف شوارع وأزقة الدار البيضاء يعرض باعة موسميون أنواعا مختلفة من الأحذية العصرية والنعال التقليدية التي يقبل الكثير من البيضاويين عليها، لخفتها وجمالها وارتباطها بالألبسة التراثية والشعبية التي حافظ ومازال يحافظ عليها المغاربة منذ قرون، حيث يظهر جليا تشبثهم بمختلف هذه الألبسة خاصة في الأعراس والمناسبات الدينية شيوخا كانوا أم شبابا، ذكورا أم إناثا.
ويعرض الباعة الموسميون بمناسبة شهر رمضان الألبسة الشعبية المغربية للرجال والنساء، مثل الجلابة والجابادور التقليدي، والتي حافظ ولا يزال يحافظ عليها البيضاويون ويلبسونها خلال هذا الشهر المبارك الذي تطغى عليه الأجواء الدينية التعبدية.
يقول سعيد برادة بائع ملابس تقليدية التقته بيان اليوم “بسوق الحفارين” يعتز المغاربة بـ”الحلباب” كأحد رموز الثقافة الشعبية المتشبعة بأصالتها، ومهما تعددت أنواع الأثواب وجودتها تبقى للجلباب خاصيته التي لا محيد عنها وهو مفخرة للرجال من جميع الطبقات، ,أضاف أن البيضاويين يفضلون هذا اللباس خلال هذا الشهر المبارك لقدسيته ومكانته العظيمة، وتابع أن الاقبال كذلك يكثر من قبل النساء على القفطان المغربي.
ومن أصحاب هذه المهن من يستغل مقدم هذا الشهر المبارك لتحسين دخله ومواجهة متطلبات المصاريف المرتبطة بهذا الشهر الفضيل وعيد الفطر الذي يليه، وادخار ما يمكن ادخاره لما بعد رمضان، إما من أجل متتابعة الدراسة أو مساعدة الأبوين على تخطي اكراهات الزمن أو توفير بعض النقود لقضاء العطلة مع الاصدقاء أو تجاوز العطالة التي يعاني منها.
وليس من العيب في شيء ان يمارس الشباب وغيرهم هذه المهن الموسمية التي يتعلمون من خلالها فن التجارة والمثابرة والاجتهاد والكسب الحلال والاعتماد على النفس، الا ان ما قد يشوب هذه المهن في بعض الأحيان هو إقدام بعض الاشخاص على بيع منتوجات انتهت صلاحياتها أو مغشوشة ولا تعكس أثمنتها الجودة المطلوبة.
وقد يكون بروز هذه المهن في صالح المستهلكين، خاصة وأن أثمنة المنتوجات المعروضة من قبل أصحاب المهن الموسمية تكون أقل من الأثمنة المعروضة في المتاجر التي يستغل بعض أصحابها هذا الشهر للرفع من الأثمنة وفرض زيادات تتجاوز أثمنتها الحقيقية بكثير.
سعيد ايت اومزيد