أكد المهندس والخبير في المجال الفلاحي سعيد خير الله، أن التكنولوجيا ساهمت في رفع الإنتاجية، وتطور الفلاحة بالمغرب، إلا أنها إلى جانب ذلك زادت من اتساع الهوة بين الفلاحة المعيشية وما وصفها بالفلاحة الصناعية التي تستفيد من الوسائل الحديثة وتعرف تطويرا مستمرا بفضل الرقمنة واستخدام التكنولوجيا.
وأضاف الخبير الفلاحي والاقتصادي في هذا الحوار مع «بيان اليوم»، أن التكنولوجيا لها آثار إيجابية وسلبية، إذ أنها تساهم في رفع وتسريع الإنتاج لكنها بالمقابل تستنزف الثروات والموارد الطبيعية، ضاربا المثل، في هذا الصدد، بمنطقة سوس التي قال إنها أصبحت «شبه صحراء» نتيجة الاستثمارات الفلاحية الكبرى التي أدت إلى تراجع خصوبة التربة وتراجع مياهها الجوفية من 60 متر تحت الأرض إلى ما يزيد عن 300 متر. وفيما يلي نص الحوار:
< كيف ترى التطور التكنولوجي في الميدان الفلاحي بالمغرب؟
> المغرب شهد في العقود الأخيرة تطورا كبيرا في استخدام التكنولوجيا بالمجال الفلاحي، مما أدى إلى تحول بنيوي في الضيعات الفلاحية، والشركات الفلاحية، بحيث تحولنا من نمط إنتاج تقليدي يعتمد على اليد العاملة أساسا، إلى نمط إنتاج آخر يقوم على الآلات. وبطبيعة الحال هذا النموذج استوردناه من الغرب واستوردنا معه الآليات والطرق الحديثة في الزراعة والإنتاج، وهذا النمط أدى إلى تغيرات كبيرة، وعوَّض مجموعة من الأعمال التي كان يقوم بها الإنسان، بالمقابل جاء لتحسين الإنتاج ورفعه وهذا هو الأساس، وبالفعل حقق تطورا مهما في المجال الفلاحي والزراعي، إلا أن لكل شيء إيجابيات وسلبيات أيضا.
< أين تكمن إيجابيات وسلبيات الاستخدام التكنولوجي؟
> بالنسبة لنا من حيث الإيجابيات فهي تتبلور في تحسين الإنتاج والدخول إلى ما يسمى الفلاحة الصناعية أو ما يسمى بالفلاحة الرأسمالية، وهي فلاحة تستجيب لمجموعة من الحاجيات والمتطلبات الغذائية لفائدة الشعب المغربي، وبطبيعة الحال لجميع دول العالم.
أما في ما يخص سلبيات التكنولوجيا في الفلاحة فهي تتمثل أساسا في التأثير على الموارد الطبيعية، فبالإضافة إلى كونها تساهم في رفع الإنتاج، إلا أن ذلك يكون على حساب الموارد الطبيعية والبيئية للبلاد. فاستعمال الأرض لدورات مختلفة طيلة السنة واستخدام الماء والأسمدة والكيماويات على سبيل المثال، يؤثر على النمط البيئي للبلاد، وهذا نلاحظه في العديد من المناطق، على سبيل المثال منطقة سوس – ماسة التي شهدت استثمارا فلاحيا كبيرا سواء الاستثمار الوطني أو الدولي، إلا أنه أدى إلى تراجع موارد هذه المنطقة التي أصبحت تشبه شيئا ما الصحراء، فالموارد المائية تراجعت بشكل كبير جدا، والفرشة المائية التي كانت تتيح لنا استخراج الماء على بعد 60 إلى 70 متر، أصبحت على بعد يتجاوز 300 متر.
لهذا فالآثار الجانبية للتكنولوجيا الفلاحية هي خطيرة جدا، والآن الدولة مثلا لجأت إلى الاستثمار في مجال تحلية مياه البحر نتيجة استنزاف المياه الجوفية، هذا بالإضافة إلى تراجع خصوبة التربة التي بدورها تعتبر أمر خطيرا.
إلى جانب ذلك، فالتكنولوجيا المتطورة جاءت على حساب اليد العاملة، التي كانت تشتغل في المجال الفلاحي بالعالم القروي، حيث كانت الفلاحة أكبر مشغل والتي عوضت اليد العاملة بالآلات الجديدة، مما أدى إلى تنامي مجموعة من الظواهر الاجتماعية، على رأسها الهجرة والبطالة.
نحن لسنا ضد التكنولوجيا واستخدام الخبرة في التكنولوجيا، لكن يجب بالموازاة مع ذلك، إضفاء نوع من التوازن يهم الحفاظ على الموارد الطبيعية، ونمط الإنتاج يجب أن يراعي هذا الجانب وأن لا يستنزف الثروات الطبيعية، وهذا التوازن مستحب، فضلا عن ضرورة إخراج مخطط وطني قادر على استيعاب اليد العاملة التي تتراجع فرص اشتغالها، فنحن كما ذكرت لسنا ضد التكنولوجيا والتحديث، لكننا مع فلاحة متطورة ذات إنتاجية وتحافظ، في نفس الوقت، على الطبيعة، بالإضافة إلى تكنولوجيا تحافظ على الأراضي والثروات والموارد الطبيعية ولا تمس خيرات البلاد، وهذا هو النوع الذي ندعو له، فالنمط الحالي مع الأسف لا يراعي هذه الجوانب التي ذكرنا سواء الاجتماعية أو البيئية أو حتى الاقتصادية، لأن آثار الفلاحة الوطنية يستفيد منها من يمتلك وسائل الإنتاج.
< هل أدت التكنولوجيا “الفلاحية” إلى اتساع الهوة بين الفلاحة الكبرى والصغرى؟
> بالفعل، وهذا أصل المشكل. فالإشكال الحقيقي بالمغرب هو السياسة الفلاحية التي تنهجها الحكومات منذ عقود من الزمن، بحيث إن السياسة الفلاحية الحالية تخدم الملاكين الكبار، والدولة بالإضافة إلى كونها تمنح الأراضي سواء بالكراء أو عبر شركات أو أراضي الجموع، فهي تسهل الولوج إلى التحديث وامتلاك التكنولوجيا الحديثة بالنسبة لهذه الفئة (الملاكين) وذلك عبر الدعم المالي لاقتناء الآليات والولوج إلى آليات التحديث والرقمنة، أو عبر التسهيل للشركات للوصول إلى وسائل الإنتاج، وبعض أو أغلب هذه الشركات معفية من الضرائب، وهذا يخلق هوة كبيرة بين هذا النوع من الفلاحة الذي يستغل كل الموارد وبين الفلاحة المعيشية التي غالبا ما يتحول أصحابها (الفلاحون) إلى عمال زراعيين عند فئة الملاكين. هذا وأشير إلى أن المشكل الكبير هو أن السوق المحلي غالبا ما يعتمد على ما تنتجه الفلاحة المعيشية التي تؤمن الاستهلاك الوطني، فيما النوع الآخر من الفلاحة موجه أساسا للسوق الدولية ويتم تصديره إلى الأسواق الخارجية.
إذن نحن أمام فلاحة غير واردة في المخططات الفلاحية التي لا تهتم بهذا النوع رغم أنها كما قلت تؤمن السوق الوطنية، وبالمقابل فالفلاحة الكبرى أو الصناعية التي تستفيد من جميع أشكال الدعم بما فيه الولوج إلى التكنولوجيا والقروض والتمويل لا تؤمن اكتفائنا الداخلي وغذائنا ولا تنعكس كما يجب على الاقتصاد الوطني، بالنظر لكون الأرباح تبقى رهينة السوق الخارجي، وهذا هي المفارقة الكبيرة التي نعيشها.
< ألا ترى أن رقمنة الفلاحة المعيشية ودفعها في اتجاه التحديث سيساهم في تقلص الهوة بينها وبين الفلاحة الصناعية؟
> للأسف ما زلنا بعيدين عن الرقمنة بالنسبة للفلاحة المعيشية، والتي بدورها ما تزال جديدة بالنسبة للملاكين الكبار وحتى المتوسطين، الذي اتجهوا في هذا المسار في السنوات الأخيرة، عبر آلية “الإرشاد الفلاحي”، أو التدبير الفلاحي عن بعد، فالتحديث لم يصل إلى الفلاح الصغير، وهذا المجال يهم بالأساس الدراسات والتشخيص وتحاليل التربة وكذا الماء، وهو أمر يساهم في التطور بشكل كبير، بالإضافة إلى كون الأمر مكلف للفلاحين الصغار، كما أن الولوج للمعلومة أمر صعب ولا يوجد مجال لتنزيل هذا التحديث في ظل الظروف الحالية، خصوصا وأن الفلاح ليس في قلب السياسة الفلاحية.
< أي دور للدولة لمعالجة هذا الوضع بنظرك؟
> الدولة مطالبة بإقرار العدالة الاجتماعية والمجالية، ولا يجب عليها أن تعتبر أن المواطنين أصناف أو طبقات، فالسياسة الفلاحية يجب أن تشمل الجميع، وأن تنصف الفلاحين الصغار الذين ما تزال معاناتهم مستمرة، فهذه الفئة يجب دعمها ووضعها ضمن سياسة الإصلاح بالنظر لكونها تؤمن حاجيات السوق الداخلي، كما أن إصلاح هذه المنظومة من شأنه أن ينعكس إيجابا على الأوضاع الاجتماعية لساكنة البوادي والفلاحين وتؤدي إلى الاستقرار وتراجع ظاهرة الهجرة القروية وتوفير فرص الشغل بالنسبة لليد العاملة.