اعتبر عبد الحفيظ أدمينو أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن البرلمان هو فضاء لممارسة السياسة، مشددا على ضرورة دفاع الحكومة عن تصوراتها أثناء الجلسات العمومية، وكذا اللجن البرلمانية، لاسيما وأن المعارضة تنتقد غياب الوزراء ورئيس الحكومة عن ممارسة الفعل السياسي من داخل المؤسسة التشريعية، وإقصاء مقترحاتها من النقاش.
بالمقابل، دعا عبد الحفيظ أدمينو في حوار مع جريدة بيان اليوم المعارضة البرلمانية إلى إحصاء غيابات الحكومة عن أشغال البرلمان، من أجل ترافع موضوعي ومنتج، بدل توظيف ذلك سياسيا والذي لا تكون لديه قوته وآثاره على أرض الواقع، على حد تعبيره.
> كشف مكتب مجلس النواب أن البرلمانيين طرحوا أزيد من 20 ألف سؤال كتابي وشفوي، أجابت الحكومة عن 70 في المائة منها، خلال النصف الأول من الولاية التشريعية الحادية عشرة 2021-2026. كيف تقيمون هذه الحصيلة الكمية، في ارتباطها بالمضمون، أي التفاعل مع القضايا والإشكاليات المطروحة في الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟
< مع هذا الرقم لا بد من أن نستحضر أولا نوعية هذه الأسئلة ونسب التجاوب معها من قبل الحكومة، لأنه مثلا إذا أخذنا الأسئلة الشفوية فمهما ارتفع عددها ليس مؤشرا يمكن أن نقيس به حجم التفاعل والتجاوب، نظرا لأن الأسئلة مبرمجة استنادا إلى النظام الداخلي لمجلس النواب الذي يحدد قاعد التمثيل النسبي، وبالتالي فإن تعددت الأسئلة فالجواب يبقى مرتبطا بالأسئلة التي ستبرمج داخل كل جلسة حوالي 26 سؤالا، بيد أنه عموما، يمكن القول بأن الحكومة تتجاوب بشكل كبير مع الأسئلة الآنية، ذلك أنه كلما ارتفع عدد الأسئلة الآنية بشكل شفوي أثناء الجلسات، إلا وبطبيعة الحال، نقيس من خلاله تجاوب الحكومة.
يبقى النوع الثاني من الأسئلة، أي الكتابية، أكيد أنه كلما كان العدد مرتفعا إلا وانعكس ذلك على التجاوب الحكومي، وإذا عدنا إلى تصريحات مصطفى بايتاس الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني والناطق الرسمي باسم الحكومة، فقد أشار إلى أن نسبة التفاعل مع الأسئلة تجاوزت 70 في المائة، وهو رقم أعتبره مهما، لاسيما إذا اعتبرنا 30 في المائة من الأسئلة الكتابية يمكن أن تكون مرتبطة بما هو محلي، وكذلك بالمؤسسات العمومية، ما يعني أن تجميع الحكومة لعناصر الجواب يمكن أن يستغرق وقتا زمنيا طويلا، على عكس ما تستغرقه نظيرتها في المصالح المركزية لدى القطاعات الحكومية.
> طيلة هذه المدة، صادق مجلس النواب على ستة مقترحات (أو أربعة) قوانين فقط، ما دفع بالمعارضة إلى اتهام الحكومة بالهيمنة واحتكار الحقل التشريعي، لأنها رفضت عدة اقتراحات من فرق ومجموعة المعارضة، باستثناء قبول تعديلاتها في مشروع قانون المالية، كما أن المعارضة تنتقد الغياب المتكرر لرئيس الحكومة عن الجلسات العمومية الذي لم يحضر إلا 12 مرة من أصل 20، إلى جانب غياب الوزراء عن الجلسات وكذا أشغال اللجن البرلمانية. في نظركم ألا تؤثر هذه الظاهرة على العمل التشريعي والرقابي للبرلمان وعلى الفعل السياسي ككل؟
< لنبدأ أولا بالعمل الرقابي، أتصور أن تدبير عملية الغياب، كان قد تم وفق آلية لمكتب مجلس النواب مع الحكومة، تم التفكير فيها لتجنب مشكل حضور وزير ثلاث أو أربع مرات في الجلسات خلال الشهر، مقابل عدم حضور وزير آخر ولو مرة واحدة، لهذا تم الاتفاق على برمجة قطاعات حكومية بتقسيمها على ثلاثة جلسات، حيث يتم تجميعهم في إطار أقطاب، بمعنى أنه يتم المناداة على قطاعات حكومية استنادا إلى القطب المالي مثلا، القطب الاقتصادي، الصناعي.. حيث كل هذه الأقطاب يمكن برمجتها في جلسة واحدة، على أساس برمجة باقي الأقطاب الأخرى في الجلسات المقبلة، وبما أنه تتم برمجة ثلاث جلسات لفائدة الوزراء، فإن الجلسة الأخيرة في الشهر، أي الرابعة، تخصص لفائدة رئيس الحكومة.
ويبدو أن المعارضة أثارت مجموعة من الملاحظات بهذا الشأن، تشير إلى أن بعض الوزراء لم يحضروا إلى الجلسات، وهذا أعتبره مرتبطا بالمسؤولية السياسية للحكومة، لأن هذه الأخيرة، وجودها القانوني يرتبط أساسا بالتنصيب البرلماني رغم أن المعارضة لم تصوت معها، ولكن هناك التزام سياسي أخلاقي مع البرلمان، أي أن هناك قطاعات حكومية لا بد وأن تحضر للبرلمان، لأن هذا الأخير، جزء من العمل الذي تقوم به الحكومة، لاسيما في ظل وجود سند قوي، يتعلق بوجود القانون التنظيمي رقم 65.13 الخاص بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة، وهذا القانون يؤكد على ضرورة حضور الوزراء إلى الجلسات أو اللجن البرلمانية، وهذا يطرح إشكالا.
وفي هذا الصدد، أرى أن المعارضة يمكنها الاشتغال على إحصاءات في كل دورة لمعرفة القطاعات التي تغيب عن الجلسات وأشغال اللجن، وبطبيعة الحال يكون مبنيا على ترافع موضوعي، تحقيقا لنتائج إيجابية في المستقبل، بدل التوظيف السياسي الذي أرى، أنه لا تكون لديه قوته.
علاقة بالتشريع، لا نتحدث عن مشاريع القوانين، لأن هذا الأمر محسوم للحكومة التي لديها أغلبيتها، لكن المهم هو المبادرة البرلمانية، وأعتقد أن هذه المبادرة ضحية بين الطرفين سواء لدى الأغلبية أو المعارضة، بمعنى أن فرق الأغلبية هي الأخرى لا تقبل مقترحاتها.
وأود الإشارة إلى أن الحكومة منحت للجنة تقنية تشتغل تحت إدارة رئيس الحكومة، مهمة التقرير في مآل المقترحات البرلمانية، وهي من تتولى إخبار مكتب مجلس النواب بقبول أو رفض المقترح، لكن هذه العملية التقنية التقريرية ملزمة للحكومة وليس للبرلمان.
لماذا؟ لأن الحكومة ملزمة بالحضور عندما تبرمج اللجن مقترحات القوانين، لهذا لا يجب على الحكومة أن تتعامل مع مقترحات البرلمانيين بالمنطق التقني، عبر إرسال جواب كتابي يفيد بأن هذا المقترح يتعارض مع الدستور أو يتضمن تكاليف مالية جديدة.. أو غيرها، لأن البرلمان هو مجال وفضاء لممارسة السياسة، ومن المفترض أن يحضر الوزير إلى اللجنة ويعبر عن موقف الحكومة من داخل أشغال هذه اللجنة، وبطبيعة الحال لدى الحكومة والوزير الأغلبية، التي يمكن أن يحسم بها النقاش، بعد التداول في الموضوع مع المعارضة أو غيرها، في إطار الرمزية السياسية.
> يتم الإعداد حاليا لمدونة السلوك والأخلاقيات بطابع ملزم داخل البرلمان، في إطار التفاعل مع الرسالة الملكية بمناسبة تخليد الذكرى الستين لقيام أول برلمان مغربي منتخب عام 1963، إلى أي حد ستنعكس على أداء ممثلي الأمة داخل مجلس النواب والمستشارين، علما أن هناك مطالب بضرورة تعميم مبادئ الأخلاقيات على باقي المؤسسات التمثيلية الأخرى في الجماعات والجهات، وكذا داخل الأحزاب؟
< بداية، مدونة الأخلاقيات ليست مسألة جديدة، ومن هنا، فإن جلالة الملك محمد السادس أكد في رسالته الموجهة إلى البرلمان بمناسبة تخليد الذكرى الستين لقيام أول برلمان مغربي منتخب عام 1963، (أكد) على ضرورة أن تعطى لها القيمة القانونية (الإلزامية).
والنظام الداخلي الحالي لمجلس النواب، المتوافق عليه منذ سنة 2013، يتضمن مجموعة من القواعد الخاصة بالسلوك البرلماني، كتضارب المصالح، وعدم الحضور إلى الجلسات، ذلك أن الغياب يترتب عنه جزاء الاقتطاع من التعويض الذي يتلقاه البرلماني، إلى جانب نشر أسماء المتغيبين، لكن الذي يلاحظ هو عدم تفعيل هذه القواعد، إذن، اليوم بعد الخطاب الملكي، يرتقب أن تصبح لهذه القواعد وأخرى، بعد الحسم في مدونة السلوك، الطابع القانوني الإلزامي الجزائي، فضلا عن تفعيل المحكمة الدستورية لأدوارها في مثل هكذا مخالفات.