في ذلك العالم الخفي ..

أكثر ما يؤثر في حياتنا غير مرئي، غير ملموس، يأسره الغموض تماما.. هيأته مجهولة، فلا تستطيع التفكير حتى في كيفية مواجهته، التصدي له أو الاحتماء منه..
يربط حبلا بعنقك فلا تستطيع المقاومة بعدها..
تخطط لرحلتك بهدوء. تحسب لكل طارئ ألف حساب.. تجذف نحو هدفك بكل ما أوتيت من قوة.. وبينما أنت تصارع الأمواج، ينقلب قاربك رأسا على عقب.. تتغير رغبتك.. هكذا فجأة، تختفي الرغبة في إتمام المسير.. يتلاشى الحماس.. بل وحتى قد تنتابك رغبة في تغيير الوجهة، أو ربما اللحاق بركب آخر..
غريبة هي الرغبات! تأتي وتختفي أحيانا دون سابق إنذار..
تخوض غمارا طويلا.. تدرس بكد لسنوات طوال. وفي ذلك اليوم الموعود، اليوم الذي ينتظر الجميع فيه أن تبلغ سعادتك أوجها وقمتها.. تأتيك حسرة لاسعة وغريبة..
هاته ليست الطريق التي كنت تود رسمها لنفسك، ليست الطريق التي تناسبك! أحلامك مغايرة.. نعم، لديك أحلام أخرى!
يخيل إليك أن أحدهم يسحب بساط حياتك من تحت قدميك رويدا رويدا.. كل هذا بسبب اختيار خاطئ اتخذته في بداية المضمار.. فتبدأ رحلتك في البحث عن بدائل تناسبك والانطلاق من الصفر ثانية..
تألف شخصا ما.. تنشأ بينكما علاقة ود وحميمية خالصة.. يصبح وجوده في حياتك شيئا من الأولويات، اتصالاتكما اليومية تلك تصبح طقسا من طقوسكما المقدسة والتي تحرصان عليها بعناية فائقة..
لكن بغتة، يرحل.. حادثة مروعة أو مرض خبيث.. قد تختلف الأسباب، لكنه وفي النهاية يرحل.. فترحل وإياه بسمة شفاهك، وهكذا فجأة تتغير طقوسك.. بل ويتغير الكثير..
تتبنى نظاما صحيا مثاليا، تستيقظ في الصباح الباكر، تمارس الرياضة بشكل دائم.. يمر يومك بهدوء وسكينة.. تأخذ قسطك من الراحة كلما اقتضى الأمر ذلك.. ومع مرور الأيام تصبح عاجزا.. ولا تستطيع اتباع نفس النظام.. أنت الذي لطالما رددت عبارة: «هذا يحصل للغير فحسب..!»
تثق في صديق ما.. تبلغ صداقتكما أعلى مراتب الصداقة.. تصيران روحا واحدة.. تتواصلان عبر نظراتكما فقط.. لا حاجة لكما أبدا بمنهل الكلمات ذاك.. تقطع وعدا على نفسك بأنك ستحتفظ بتلك الصداقة كماسة غالية تحميها من الشرور.. لكن الخيبة تطرق بابك في أحد الأيام، وتكشف لك خبايا لم تكن في الحسبان.. تكشف لك أن العلاقات المتينة نادرة.. وأنك الوحيد الذي ما زال يتمسك بحبل الإنقاذ..
إنها خيبة الأمل.. الإحباط.. ولا يظل بوسعك سوى ترك الحبل والمضي قدما في طريق أخرى..
الندم، المزاجية، خيبات الأمل، الفقدان، الحسرة، التيه.. جميعها تفتك بنا فتكا سيئا للغاية.. تجعلنا نهترئ أحيانا.. ننشطر إلى أطراف متطايرة..
لكننا ومع ذلك، وبعد كل خيبة نبني ذرعا واقيا يجعلنا أقوى، يجعلنا نواجه بشكل أفضل في المرات المقبلة.. نقلب كل خسارة ربحا بشكل ما.. نتعايش مع ذلك العالم المظلم والخفي الذي يلازمنا وسيظل يلازمنا بطريقة أو أخرى..

بقلم: هاجر أوحسين

Related posts

Top