في ندوة نظمتها الشبيبة الاشتراكية حول “الحماية الاجتماعية بالمغرب”

أجمع عدد من المتدخلين في ندوة رقمية نظمتها الشبيبة الاشتراكية يوم الجمعة الماضي حول “الحماية الاجتماعية بالمغرب” أن المغرب بذل مجهودات جبارة منذ عقود من الزمن من أجل تطوير أنظمة الحماية الاجتماعية والسير في تعميمها تدريجيا على جميع المغاربة.
وأكد المتدخلون أن نظام الحماية الاجتماعية في المغرب تطور بشكل كبير، خصوصا، في العقدين الأخيرين من الألفية الجديدة، وبالضبط مع إقرار مدونة التغطية الصحية في سنة 2005.
ونوه المتدخلون، في الندوة التي سيرت أشغالها ليلى ذاكري عضو المكتب الوطني للشبيبة الاشتراكية، بالعناية الملكية السامية التي يوليها لهذا الورش الاجتماعي الهام، الذي يأتي في سياق خاص تطبعه تفشي الجائحة، مبرزين أن هذا السياق، ساهم بدوره في إذكاء نقاش الحماية الاجتماعية وحتمية “تعميمها”، خصوصا بعد الهشاشة التي كشف عنها فيروس كورونا والتي تعيش فيها ملايين الأسر المغربية، فضلا عن الحاجة الماسة للتغطية الإجبارية عن المرض التي تعد جزءا من هذه الحماية الاجتماعية، لتخفيف أعباء الاستشفاء عن المغاربة وتمكينهم من الولوج للخدمات الطبية والصحية بيسر.
في هذا السياق، قال البروفيسور الحسين الوردي القيادي في حزب التقدم والاشتراكية ووزير الصحة السابق إن مشروع الحماية الاجتماعية ليس صدقة وإحسانا بل هو حق من حقوق الإنسان، ومن المفروض وواجب الدولة أن تسير فيه وتعمم هذه الحماية على جميع المغاربة.
وذكر الوردي بالنداءات التي وجهها الملك في خطاباته الرسمية والتي همت ثلاثة أوراش كبرى، وهي التي تتعلق بالإقلاع الاقتصادي بعد جائحة الكوفيد، ورش الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، ثم ورش إصلاح القطاع العمومي.
واعتبر القيادي في حزب التقدم والاشتراكية أن هذه الأوراش الثلاثة التي دعا جلالة الملك إلى الاهتمام بها هي أوراش متشابكة ومتداخلة، ولا يمكن أن يتم إصلاح أي منها بدون إصلاح جوهري يشملها جميعا.
وفيما يتعلق بورش الحماية الاجتماعية، شدد الوردي على أن إصلاحها يطرح ثلاث تحديات أساسية وهي، التمويل، والتنظيم، والحكامة، وذلك قصد الوصول إلى النجاعة المطلوبة في الأنظمة التي سيتم وضعها.
وأوضح المتحدث أن تكريس الحق في الصحة وتنزيل مضامين الفصل 31 من الدستور، لا يمكن تحقيقه بدون تعميم التغطية الصحية وجعلها شاملة لجميع المغاربة، “وهناك هيئات دولية، من ضمنها الأمم المتحدة التي تنادي به، فضلا عن توجيهات جلالة الملك، وهيئات دولية أخرى”، وفق تعبيره.
ولفت الوردي إلى أن المغرب قطع أشواطا كبيرة في هذا الورش، منذ ما قبل 2005، حيث كان حوالي 13 إلى 15 بالمئة من المغاربة فقط يستفيدون من الحماية الاجتماعية، إلى حدود سنة التي ستقفز فيها النسبة إلى 34 بالمئة، ثم إقرار نظام “راميد” في 2012، والذي سيساهم في توفير التغطية لما بين 11 و14 مليون مغربي.
وتابع الوردي أن المجهودات المبذولة استمرت حتى سنة 2015، التي تم خلالها إقرار التغطية الصحية للطلبة عبر القانون 116 – 12، والذي ساهم في توفير التغطية الصحية لحوالي 288 ألف طالب من المغاربة والأجانب، بالقطاعين العام والخاص، مردفا أن العمل تواصل سنة 2016 بإقرار القانون الخاص بالتغطية الصحية للأبوين، معربا عن أسفه عن عدم المصادقة على هذا القانون الذي ما يزال عالقا في رفوف الغرفة الثانية بالبرلمان.
وفي نفس السنة، سجل الوردي تقديم القانون 98 -15 الخاص بالتغطية الصحية للمستقلين والمهن الحرة، والذين يشكلون أكثر من 5.8 ملايين حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، كما يشكلون 11 مليونا بإضافة محيطهم العائلي الذي سيستفيد بدوره من هذه التغطية.
هذا ولإنجاح التغطية الصحية، يرى البروفيسور الوردي في نقطة أولى ضرورة الإلزامية والإجبارية، التي قال إنه لا بد منها “ولا يمكن أن ينجح أي نظام بدون إلزام، فالجميع يساهم دولة وشعبا بحيث تكون المساهمة بطريقة إجبارية وبقوة القانون، وعلى الجميع أن يستوعب ذلك”، وفق تعبيره، وذلك تفاديا لأي فشل كما حدث مع أنظمة أخرى تم إحداثها في وقت سابق، ومن ضمنها نظام “عناية” الاختياري، فضلا عن ضرورة تجاوز نقاش إلزامية أداء المؤمن الذي ساهم بنقاش كبير في إيقاف النقاش حول التغطية الصحية للأبوين.
وفي نقطة ثانية، أكد وزير الصحة السابق على ضرورة الإسراع في وتيرة إخراج المراسم التطبيقية للقانون 98 – 15، لضمان تنزيل سليم لمقتضيات الحماية الاجتماعية لفائدة المستقلين والمهن الحرة.
وبالنسبة للنقطة الثالثة، يسجل الوردي على وجوب التنزيل التشاركي مع المهنيين والمعنيين بهذه الأنظمة، تفاديا لأي مشاكل لاحقة وسوء فهم يؤدي إلى العرقلة، فيما حدد النقطة الرابعة في آنية الشروع في التحضير للتغطية الصحية التكميلية منذ المرحلة الحالية، لأنها، حسب تعبيره، “ستتطلب نقاشا واسعا وأخذا وردا بين مختلف الفاعلين في القطاع”.
إلى ذلك، ركز الوردي في النقطة الخامسة والأخيرة على التواصل باعتبارها نقطة ضرورية، للتوضيح لجميع الفاعلين، بمن فيهم الأطباء أو المستفيدين حول كيفية عمل هذه الأنظمة وفتح نقاش عمومي، من أجل أن يفهم الجميع مغزى هذه المنظومة وأهدافها.
بدوره، أكد محمد أمكراز وزير الشغل والإدماج المهني على أن المغرب بذل مجهودات جبارة في النهوض بأنظمة الحماية الاجتماعية الموجودة وتطويرها لتصل إلى ما هي عليه اليوم، والتي بالرغم من عيوبها والاختلالات التي تعرفها إلا أنها تبقى، حسب تعبيره، تبرز الاهتمام البالغ بالورش الاجتماعي وعزم المغرب على استدراك هذه الأخطاء وتصحيح المسار والسير نحو تعميم هذه الحماية.
وأضاف أمكراز أن الحماية الاجتماعية شكلت على الدوام هاجسا لجميع المغاربة، بحيث عملت مختلف الحكومات المتعاقبة على القيام بمبادرات أو تنزيل برامج والقيام بإصلاحات تروم إصلاح هذا الورش وتطويره.
وهو ما يفسره، حسب أمكراز، انتقال المغرب في أقل من 15 سنة، من حوالي 16 بالمئة فقط من المغاربة المستفيدين من الحماية الاجتماعية إلى أزيد من 64 بالمئة في المرحلة الراهنة، والتي ستصل، كما دعا جلالة الملك إلى مئة بالمئة في أفق 2025.
وسجل المتحدث أن المغرب ولسنوات طويلة، كان يتلمس الطريق الصحيح ويراكم التجارب في هذا الصدد، مشيرا إلى أن الورش الحالي الذي أطلقه جلالة الملك سيصحح مجموعة من الأخطاء التي همت بعض البرامج وكذا إصلاح مسار الحماية الاجتماعية.
في هذا الصدد، كشف المسؤول الحكومي عن وجود أزيد من 130 برنامجا للحماية الاجتماعية والذي جرى إقرارها بأموال ضخمة، معتبرا أن المشكل يكمن في تعددها وتداخلها وعدم نجاعتها وفعاليتها، وهي اختلالات قال ‘ن الخطب الملكية السامية، ومن ضمنها خطاب العرش لعام 2018 توقف عليها، بحيث كان جلالة الملك قد دعا حينها إلى ضرورة القيام بمراجعة شاملة وعميقة لبرامج الحماية الاجتماعية لتكون لها فعالية أكبر.
إلى ذلك، ذكر أمكراز بإقرار مدونة التغطية الصحية وقانون 65.00 الذي جرى تقديمه لأول مرة سنة 2005، معتبرا أنه شكل حينها حدثا كبيرا، وكانت مرحلة مهمة ساهمت في الانتقال منذ ذاك الحين إلى المرحلة الحالية من 16 بالمئة فيما يتعلق بالتغطية الصحية إلى 64 بالمئة، وهي قفزة كبيرة في غضون 15 سنة فقط.
وأوضح وزير الشغل والإدماج المهني أن هذه الأرقام تبرز أن هناك مجهودات وتقدم كبير واهتمام بالغ بالمجال الاجتماعي، وذلك بالمقارنة مع مجموعة من البلدان المجاورة أو التي هي في نفس مستوى المغرب، معتبرا أن تاريخ المغرب مع الحماية الاجتماعية هو تاريخ من السعي لتحقيقها وتعميمها لتكون شاملة، ولو في حدود أدنى، لجميع المغاربة.
كما ذكر أمكراز بأبرز المجهودات التي تمت، وآخرها قانون 98 – 15 الخاص بالتأمين الإجباري عن المرض للمستقلين والمهن الحرة، والقانون 99 – 15 الخاص بالتقاعد لنفس الفئة، بالإضافة إلى الدعوات الملكية الصريحة للنهوض بهذا الورش، ثم تحديد الأفق والآجال لتنزيله.
ولفت المتحدث إلى السرعة التي يسير بها المغرب في سعيه لتعميم التغطية الصحية من خلال وضع آجل إلى نهاية سنة 2022 للانتهاء من تعميم التأمين الأساسي والإجباري عن المرض لجميع المغاربة، مشيرا إلى أن المغاربة الذين لا يتوفرون في المرحلة الحالية على هذه التغطية الإجبارية هم فئة المستقلين، وفئة “راميد”، أي حوالي 22 مليون شخص، والذين يشكلون ثلي المغاربة.
وأبرز المسؤول الحكومي على أنه سيتم تخصيص ما تبقى في هذه السنة للانتهاء من ورش تعميم التغطية الإجبارية عن المرض لفائدة المستقلين والمهن الحرة، على أن يتم في السنة المقبلة 2022 إتمام التغطية لفائدة فئة “راميد”.
كما سيتم في السنتين الأخيرتين من المدة التي تفصل بين 2021 – 2025 العمل على تعميم التقاعد على جميع المغاربة، وهم أساسا فئة المستقلين الذين لا ينخرطون في أي نظام من أنظمة التقاعد، “وهكذا سيسير الورش نحو استفاء جميع بنوده في 2025” حسب أمكراز.
من جهته، يرى الأستاذ الباحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المحمدية محمد طارق أن مشروع الحماية الاجتماعية مشروع يؤسس لمفهوم “الدولة الاجتماعية”، والذي قال إنه مشروع انطلقت منذ أزيد من 15 سنة عبر مجموعة من البرامج والمبادرات سواء مشاريع قطاعية، أو عامة.
وأضاف محمد طارق أن المبادرات التي تمت عبر عقود من الزمن والمجهودات المبذولة في هذا الصدد ساهمت في إنضاج التجربة المغربية، وجعلها متميزة في محيطه، مشيرا إلى عدد من المشاريع التي شرع فيها المغرب منذ الاستقلال من حكومة لأخرى والتي تهم النهوض بالحماية الاجتماعية.
وأكد المتحدث على أن الحماية الاجتماعية تبقى ركيزة أساسية من ركائز العدالة الاجتماعية، هذه الأخيرة التي تعد جزءا من النقاش السياسي بالمغرب، عبر البحث عن سبل تكريس هذه العدالة بمفاهيمها ومداخلها في المرجعية الدولية.
وشدد طارق على أن الحماية الاجتماعية تمثل سياسة أفقية تهم جميع المغاربة بمختلف فئاتهم وشرائحهم، وتتداخل فيها جميع البرامج، ولا تقتصر فقط على الحقل الصحي والتغطية الإجبارية عن المرض، بحيث اعتبر أن الضمان الاجتماعي لا يمكن عزله عن أي قطاع، مشيرا إلى أنه ليس برنامجا وطنيا خالصا، وإنما هو امتداد للمنظومة الدولية وحق من حقوق الإنسان.
وأوضح طارق أن الحماية الاجتماعية حق من حقوق الإنسان كما نصت على ذلك مجموعة من المواثيق والعهود الدولية، على اعتبار أن الحماية الاجتماعية هي تجسيد لكرامة الإنسان، اقتصاديا اجتماعيا، بالإضافة إلى كونها عنصرا مساهما في التنمية.
وذكر الأستاذ الباحث في العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ببعض المبادرات التي تدخل ضمن الحماية الاجتماعية، والتي من ضمنها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي قال إنها وجه من أوجه تحقيق الأمان الاجتماعي لفئة واسعة من المغاربة.
وذهب المتحدث إلى أن سنة 2020 أعطت دروسا كثيرة، من ضمنها أن فئة واسعة من المغاربة غير منظمين في اقتصاد مهيكل، وأن فئة واسعة من المغاربة تعيش العوز ويصعب الوصول إليها وتحديدها بدقة، كما كشفت عن ذلك عملية توزيع الدعم خلال فترة الجائحة، مما جعل لجنة اليقظة تعتمد في النهاية على بطاقة التعريف الوطنية والأبحاث التقليدية التي جرت في هذا الإطار.
وشدد المتحدث على أن ما وقع سنة 2020 كشف عن محدودية المظلة الاجتماعية الموجودة، وأيضا محدودية المعطيات المتوفر على المواطنات والمواطنين والأسر المغربية وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.
وأبرز الأستاذ طارق أن من بين أهم الدروس المستخلصة من جائحة الكوفيد هو العودة القوية للدولة الاجتماعية، التي توفر أسرة الإنعاش، التي تتدخل لتوزيع الدعم، الدولة التي تبحث عن اللقاح، بالإضافة إلى كون هذه الجائحة كانت سببا في عودة النقاش وتكاثفه من قبل جل الفاعلين حول منظومة الحماية الاجتماعية.
إلى ذلك، عرف اللقاء نقاشا موسعا، خلص إلى ضرورة السير في اتجاه تعميم التغطية الحماية الاجتماعية والإسراع في تنزيل القوانين المرتبطة بهذا الورش، والعمل على تطوير الأنظمة المعتمدة في هذا الإطار، عبر العمل منذ المرحلة الحالية على توسيع الحماية الاجتماعية وتضمن تغطية صحية إجبارية وتكميلية للمغاربة، التقاعد، فقدان الشغل وغيرها من البرامج التي يجب تطويرها والتي تدخل تحت مظلة الحماية الاجتماعية.

< محمد توفيق أمزيان

Related posts

Top