منذ أزيد من عشر سنوات، لم يصدر له كتاب جديد، بات يعتقد أن كتابا واحدا يكفي، أو ربما أنه لم يعد يرى أي أهمية لإصدار مؤلف آخر.
وعلى أي؛ فالفارق الزمني بين كتابه الأول والوحيد وبين كتابه المحتمل والمنتظر يتسع، وهو لا يريد أن يشغل باله بذلك، ولعله يظن أن جهة معينة ستتذكره وستتولى البحث والتنقيب عن نصوصه المنشورة في مجموعة من الصحف والمجلات الورقية والالكترونية على امتداد ما ينيف عن عشر سنوات، ثم تجمعها وتطبعها في كتاب، و قد تنظم بهذه المناسبة حفلا تكريميا لأجله، ولو طلب منه أحدهم أن يزوده ببعض أعماله المنشورة أو المخطوطة؛ فلا شك أن ذلك لن يكون من ورائه طائل.
إنه يكتب ويترك جانبا ما يكتبه، بعد أن يكون قد اقتنع بأن العمل قد انتهى، وعند مضي بعض من الوقت على ذلك الإنجاز، يكون قد نسيه تماما، وقد يكون هذا العمل من حظه النشر وقد لايكون، لكن سرعان ما يختفي بين أوراقه وأشيائه في جميع الأحوال، ومع ذلك فهو لا يبدي انشغالا لأجله ولا يتساءل على سبيل المثال إن كان قد سرق منه أو أنه ضاع ببساطة مثلما تضيع الأشياء الأخرى عديمة القيمة.
يكتب وحسب، وهذا يفرحه ببساطة.
يشعر بذلك الفرح الطفولي الذي يستعصي على الوصف عندما ينجز نصا جديدا، غالبا ما يكون نصا قصصيا أو روائيا، إلا أن هذا الفن الأخير لم يعد يجذبه، عندما يشرع في كتابة نص جديد، يود أن يتخلص منه في وقت وجيز جدا، لا يتعدى جلستين قصيرتين.
****
صار يميل أكثر إلى فن أدبي بعينه هو القصة القصيرة جدا، إلى حد أنه صارت له غيرة شديدة على هذا الفن بالذات، يذكر أنه راسل أحد النقاد معاتبا إياه لكونه يصر دائما على الإشارة بشكل يبعث على الامتعاظ إلى هذا الفن القصصي بذكر حروفه الأولى فقط (ق.ق.ج):
أستاذي المحترم
أتابع باهتمام ما تنشره حول هذا الموضوع، وكنت أتمنى لو أنك كنت تشير إلى القصة القصيرة جدا بحروفها الكاملة، دون الاقتصار على الحرف الأول من كلماتها، ولا شك أنك لاحظت في تراسلي معك حول موضوع القصة القصيرة جدا، أنني حرصت أشد الحرص على عرض اسم هذا الفن الأدبي بحروفه الكاملة، إذن، من خلال ذلك أرجو منك ومن كافة المبدعين والنقاد أن يرمزوا إليه بحروفه الكاملة غير المنقوصة، اعتبارا لأن ذلك يدخل في صلب العملية الإبداعية.
****
تكفيه جملتان أو ثلاث على أبعد تقدير؛ لينتهي من العمل. ليس لديه ما يخسره؛ فلن يأتي إليه ناشر مثلا ويحاسبه على ذلك، أو يأمره بأن يطيل في كتابة نصوصه.
لا أحد يسأله حتى حول ما يفعله في الوقت الحاضر. هاتفه النقال لا يرن منذ عدة أيام، البريد لا يحمل له رسائل إطلاقا.. وهو لا يأسف لكل ذلك.
إنه ينام جيدا ويأكل جيدا ويكتب جيدا كذلك، ويزعم أنه يدرك ما يجري حواليه، وهذا أمر جيد في تقديره.
عبد العالي بركات