كتاب من الحجم الكبير في نحو خمسمائة وأربعون صفحة (540) من سبعة فصول، بغلاف يحتوي صورة لوجه امرأة بكامل حمولتها الأنثوية منقبة برشاش، في تضارب للأبعاد الماهية الأنثوية والواقع المعيش للإرهاب، من طينة الكتابة الثنائية وهي من أصعب أنواع الكتابات، بين البعد الأكاديمي للأستاذة: أمال قرامي والتجربة الصحفية الميدانية: منية العرفاوي، فكانت دراسة متكاملة خادمة لمعظم أهداف الكتاب.
لقد دخل «الإرهاب النسوي» أو «الجهادية النسائية» مسارا جديدا ضمن الاستراتيجية القتالية لدى تنظيم «القاعدة» ما بعد أحداث 11 سبتمبر2001، دور المرأة الإرهابي ومكانتها ضمن التنظيمات الإرهابية ذات الفعل المسلح، خروجا من الدور التقليدي، فمصطلح «الجهادية النسائية» منبثق من الفكر السلفي والإخواني في شقه الجهادي عن النساء «المجاهدات».
وهذه الدراسة على خلاف مما كتب في الموضوع ترتكز على تحليل التحاق النساء للجماعات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة خاصة المجاهدات المغاربيات والتونسيات خصوصا، وتعمِل النظر في بنية العلاقات الثنائية لما عرف بمصطلح جندر يعني «النوع الاجتماعي»، و معنى تحرير المرأة وتحسين دورها في التنمية و بناء الهويات وأنماط الخطابات وما تخضع له النساء من تحولات إثر المتغير السياسي والاجتماعي والاقتصادي وكيف يتحول دورهن من التقليدي إلى التفجير، فالمرأة عرفت منذ الازل بمساهماتها في مختلف الأنشطة المرتبطة بالثقافي والفكري والاجتماعي، تُذْكر حينا ويتم إغفالها في أحيان عدة إما عمدا أو بتحكم العقلية الصلبة الذكورية.
وترى الكاتبة قرامي بحكم تجربتها النسوية ومساهماتها في الانكباب على تاريخ النساء، أن دراسات الجندر والإرهاب اتجهت إلى النظر في العوامل التاريخية، كمقاربة من شأنها أن ترصد جزء من واقع تفكيك كل ما يُغلف ظاهرة الخطاب ورصد الأسباب التي تحدد علاقة الرجل بالمرأة بالإرهاب، والرجولية الذكورية وعوامل سوسيولوجية من شأنها الإسهام في امتلاك عوامل تفكيك الظاهرة في شموليتها والوقوف على الأسباب الحقيقة والخفية المغفلة من لدن الدارسين، كما تلوم المؤرخين بإغفال ذكر البطولات النسائية وأشكال مساهمتهم في بناء الحضارة المادية والمعنوية عبر التاريخ، وهذه الدراسة وغيرها مما ساهمت به صدا للتمركز الذكوري والعمى الجندري فكانت دراسة خاصة لعلاقة الفتيات و النساء بالإرهاب.
وقد أبرزت قرامي تأثير البعد الجندري وقوة الدفع بالنساء إلى تبني الارهاب في كل ما هو فكري وقولي وفعلي، إذ الأسباب التي اعتمدها الجيل الثاني في القاعدة مثلا وغيرها من الجماعات الإرهابية من أجل تجنيد النساء، إلى توظيف النساء في أدوار عدة بدل الأدوار التقليدية المعتادة، خاصة الفتيات اللواتي يعانين من النبذ الاجتماعي ترصد لهن مهمَّة التفجير.
ورصد الكتاب أيضا الدور الفعال للأنترنيت كأداة بيد الإرهابيين لجذب الحائرات، المنبوذات ولعل المهمشات نفسيا أو اجتماعيا من كل فئات المجتمع، و في أحيان المتمردات على العادات والأعراف المجتمعية، فكانت المناشدة إلى ضرورة تفكيك الخطابات المتداولة في صفحات التواصل الاجتماعي والمدونات الخاصة بالفتيات المتبنيات للفكر المتطرف مع تحليل الشهادات المصرح بها للتدقيق في الأسباب والاحاطة بمختلف السياقات المتداخلة في شخصية المتطرفة والارهابية، اذا يستغرب أن تتبنى المرأة بحكم طبيعتها التفجير الذاتي أو المتجاوز إلى الغير وفق عوامل مؤثرة تنطلق من طبيعة التأثير والقبول وامكانية الفعل، حيث ترى أن تحديد الأسباب وراء تبني الشابات الفكر المتطرف من أبرز ما يجب تناوله لمعرفة ملامح الجهاد والارهاب و التطرف النسائي، إذ يتخطى الأمر الكنه الإعلامي ايضا حين تهتم بطبيعة التفجير وتغفل عن هوية المنفذ(ة) غالبا.
هذه الدراسة جاءت للكشف عن النساء بكل فئاتهن المساهمات في ظاهرة الإرهاب، وردا على المتغافلين عن التصور الأولي أن الفعل الإرهابي ذكوري بطبيعته، و تقديما لمعطيات حول الإرهاب النسائي مشفوعا بتحليل من منطور جندري محض.
كما مكنت المساهمة في الكتاب بالبعد الصحفي الميداني من الغوص في التجربة النسائية للجهاديات في البعد المحلي الملموس وليس بالفكري الاكاديمي المنفصل عن ملابسات الوقائع في حيزها الزماني والمكاني، وقوفا على الخلفيات النفسية والاجتماعية والفكرية بغية استخلاص أدوار كل من الرجل و المرأة في الجهاد التونسي خاصة وإبراز أن الفعل الإرهابي بـ»تاء التأنيث» له حضور رغم التغافل الذي يعرفه تعمدا او تعودا، من خلال رصد بنية العلاقات النسائية الذكورية بدءا من المبايعات إلى الجهاديات المتأثرات بحمولة التسميات خاصة حلم الخلافة الإسلامية بإعادة أسلمة الدولة والمجتمع عبر العمل المسلح ، للتغيير نحو «الخلافة « كمخلص نفسي من ظلم الساسة ، أو بوضعهن الاجتماعي كقريبات من متطرفين أو متبنيات للفكر أو متعاطفات؟
كما رصدت العرفاوي عينات من النساء المنساقات خلف الفكر المتطرف، اعتمدت على دراسات ميدانية مستندة على شهادات واعترافات أن الانسياق لم يكن على أسس علمية وشرعية رصينة من نساء باشرن الفعل الارهابي و تبنينه أو على صلة بالجناة أو بضحايا الفعل الارهابي وكلهن تحت مسمى ضحايا الفكر المتطرف وإن تباعدت المسافات أو دنت.
وخلصت العرفاوي الى كون العاطفة المحفز الرئيسي وأن «داعش» كانت لها قوة جدب كبيرة للنساء من كل أطياف المجتمع ومن كل فئاته العلمية والاجتماعية وأن كل الجنسيات بمختلف جغرافية الاستقطاب و الالتحاق، وأن قوة الفتوى ورصدها عبر وسائل الشبكة العنكبوتية خصوصا ذات تأثير كبير ومن أبرزها فتاوى النكاح أو ما سمي بـ»جهاد النكاح».
فهذا العمل يعد دراسة معتبرة نحو مفاهيم جندرية «الجهادية النسائيّة»، إزاء تزايد انخراط النساء في المعاقل الإرهابية، العابرة للجغرافية والإرهاصات الثقافية، فأسهمت في رصد وتشخيص وتحليل الظاهرة وفق بعد أكاديمي و بعد ميداني معيش.
وهذا البحث إلى جانب بحوث تناولت شخصيات نسائية منخرطة في التنظيمات الإرهابية أخرى لهن «إرهابيات مغاربيات» و»علاقة الأسر بالإرهاب» بغية التعريف بحجم الاستغلال الذي عانين منه بنات حواء في عالم الارهاب.
بقلم: رحمة معتز
باحثة في الاجتهاد المعاصر وفقه الواقع والنوازل و”قضايا التطرف”